IMLebanon

هل يحقق لودريان خرقاً حكومياً؟

ليس سهلا على عدد من الدبلوماسيين ومعهم مجموعة مممن المراقبين المطلعين استيعاب ما ستكون عليه النتائج السلبية المقدرة لنهاية الاستحقاقات المقبلة على لبنان. فالى جانب مجموعة الأزمات الكبرى الصحية والبيئية والحكومية والنقدية والمالية والتربوية التي يعانيها اللبنانيون وتمادي السلطة بفشلها في مواجهة وتطويق اي منها، سيحمل الاسبوع المقبل جديدا في ملفين هما الأكبر والأكثر خطورة على المديين القريب والبعيد. الاول منهما يتصل بالجديد المفاجئ الذي يتصل بالدعوة الاميركية من اجل استئناف المفاوضات غير المباشرة بين لبنان واسرائيل من اجل ترسيم الخط البحري جنوبا وثانيهما الإعلان عن الزيارة – الغارة التي لم يكن يتوقعها اللبنانيون التي يقوم بها وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان بهدف تزخيم المبادرة الفرنسية الهادفة الى تشكيل الحكومة وهما حدثان فرضا قراءة لهما في الشكل والمضمون والنتائج المتوقعة منهما.

بالتأكيد، في الشكل يجزم المراقبون والديبلوماسيون الذين تحدثوا إلى “المركزية” ان لا روابط بين الاستحقاقين – الحدثين سوى في التوقيت ولكنهما يفرضان التلاقي بينهما عند بلوغ النتائج المترتبة عليهما. وذلك وفقا للمعطيات التالية:

– للمرة الأولى لا يحول غياب حكومة بكامل مواصفاتها الدستورية دون استئناف المفاوضات في جلستها الخامسة بعد خمسة اشهر على تجميدها بقرار اميركي وبناء على طلب اسرائيلي إثر عدم موافقتهما كل لاسباب مختلفة عن الآخر على الطرح التقني الذي قدمه الوفد العسكري اللبناني على طاولة المفاوضات غير المباشرة لجهة اعتباره ما يعرف بالخط 29 آخر الحدود التي تضمن حق لبنان بمساحة إضافية من المنطقة المتنازع عليها وترفع مساحتها من 860 كيلومترا الى 2290 كيلومترا.

الى ذلك ليس مفهوما حتى هذه اللحظة، او على الاقل لم تعلن الإدارة الأميركية عن الظروف التي دفعت الى استعجال هذه الدعوة لاستئناف المفاوضات، وعلى اية اسس وجهت الدعوة الى الجانب اللبناني لمثل هذه الخطوة. الا إذا كان الجانب اللبناني قد تبلغ امرا ما من “الوسيط – المسهل” الاميركي وأخفاه حتى وصوله الى بيروت وإلا سيبقى التكهن رهنا بالارتياح الذي عبر عنه وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية السفير ديفيد هيل في نهاية زيارته الى لبنان.

فقد كان هيل واضحا عندما عبر امام مجموعة المسؤولين واصدقائه الذين التقاهم بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن سعادته بما تبلغه من تجميد قصر بعبدا الاجراءات الهادفة الى تعديل المرسوم 6433 لتعديل الخط البحري وتأكيد حق لبنان بالنقطة 29 وترك الوفد اللبناني الى المفاوضات دون السند القانوني والاممي الذي يوفره قانون البحار ويعزز موقفه على طاولة مفاوضات الناقورة بعد إبلاغ الدوائر المختصة في الامم المتحدة بالإحداثيات الخاصة بالخط الجديد.

وهو امر لا يعزز موقع الوفد القانوني الذي كان سيسمح له التعديل المفقود بالاحتفاظ بموقفه المتصلب من اجل ان يكسب منطقة إضافية تفيض عن المنطقة المتنازع عنها سابقا. وهو أمر سيترك الأمور معلقة الى حين وصول الموفد الاميركي جون دوروشيه الى بيروت لفهم هذه الاسباب الموجبة من وجهة نظر الفريق الاميركي التي دفعته الى تحديد الموعد الجديد للجلسة الخامسة من المفاوضات.

أما على مستوى الزيارة التي ينوي القيام بها وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان فقد بات ثابتا أنه سيكون في بيروت مساء الاربعاء المقبل عشية بدء زيارته الرسمية الى بيروت التي ستستمر ليومين يستهلها بلقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون صباح الخميس المقبل قبل ان يكمل جولته على عين التينة وبيت الوسط ورؤساء الاحزاب اللبنانية الذين تحلقوا في 2 ايلول العام الماضي حول طاولة قصر الصنوبر في حضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.

واللافت في هذه الزيارة أنها لا تخلو من المفاجآت الصادمة، فقد شغل لودريان اللبنانيين منذ عصر اول أمس الخميس عندما أعلن عن قرب صدور دفعة من العقوبات الفرنسية على مجموعة القيادات التي تعيق تشكيل الحكومة الجديدة والمتورطين بالفساد. وقبل ان تظهر اي لائحة فرنسية رسمية او مسربة اعلن عن زيارته الى بيروت ليلتقي بالمجموعة عينها التي يمكن ان تطالها العقوبات واتهم افرادا منها بأنهم أخلّوا بالوعود والتعهدات التي قطعت امام رئيس بلاده يوم أطلق مبادرته الخاصة بلبنان والتي لم ولن يتوفر اي بديل منها حتى اليوم.

وبعد جدول المقارنة بين هذين الإستحقاقين الكبيرين تبقى الإشارة ضرورية بحسب هؤلاء المراقبين الى ان ما يجمع بينهما يتصل بالحصيلة المتوقعة لهما. ففي لبنان “سلطة مفككة” ليست موحدة في السر والعلن حول اي من هذين الملفين. وعدا عن الخلافات التي فرزت اللبنانيين بين محورين فانهم لم يتفقوا على قراءة واحدة للمرسوم الخاص بتعديل المرسوم 6433 ولن يحصل اي جديد يعزز موقف الوفد اللبناني المفاوض عندما سيحضر على طاولة مفاوضات الناقورة فهو سيقاتل بـ “اللحم الحي” مدركا ان من فوضه بهذه المهمة ومن خلفه عدد كبير من المسؤولين لم يوفروا “الذخيرة” الكافية للتصدي للموقفين الأميركي والإسرائيلي وإن صمد الوفد لفترة فعلى المدى الطويل ستكون مهمته محفوفة بالمخاطر، فقد تخلى كبار المسؤولين عن السقف الذي رفعه في المفاوضات.

اما على المستوى الحكومي فليس هناك من جديد سوى المكائد التي تنصب ومعها الافخاخ بين بعبدا وبيت الوسط المكلفين وحدهما حسب الدستور بمهمة تاليف الحكومة وبات التلاقي بينهما أمرا مستحيلا لا يمكن مقاربته بأي طريقة وعليه ما هو المتوقع من زيارة لودريان وهل ستضاف في شكلها ونتائجها الى لائحة الزيارات التفقدية والتحذيرية السابقة الى بيروت؟

وفي الحالتين لا يبدو ان النقاش سيحمل جديدا في ظل عدم وجود سلطة متضامنة ومتوافقة على كيفية مواجهة الحدثين معا. وهو امر خطير يثير الذعر على المديين القريب والبعيد. والخوف كل الخوف ان ينتج هذا الإنقسام خسارة لبنانية لا تعوض في المدى القريب فتبقى البلاد بلا حكومة وتزيد حالات الشرخ ومعاناة اللبنانيين على وقع الانهيارات المتوقعة الى ما لا يطاق. وعلى المدى البعيد سيخسر لبنان والى الابد مساحة إضافية من المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة للبنان وعندها لن ينفع الندم في ظل اللعنة التي سيسجلها التاريخ على المجموعة التي حكمت البلد ولم تكن على قدر الأمانة.