IMLebanon

أسماك نافقة أم دولة نافقة؟! (بقلم رولا حداد)

لم يكن مشهد الأسماك النافقة في بحيرة القرعون مفاجئاً لأي لبناني. ولعل ما جرى ويجري في بحيرة القرعون كما في مجرى نهر الليطاني كله يمثّل نموذجاً فاقعاً عمّا يجري في الدولة اللبنانية منذ انتهاء الحرب اللبنانية وحتى اليوم.

بحيرة القرعون ونهر الليطاني يختصران المشهد اللبناني الذي يسيطر فيه تحالف الميليشيا والفساد على كل التفاصيل، وسط غياب تام لمعالم الدولة ومؤسساتها: تلوّث بيئي كامل ناتج عن عوامل عدة أبرزها أن كل المصانع والمعامل ترمي نفاياتها وأوساخها في مجرى نهر الليطاني وبحيرة القرعون ما يؤدي إلى التلوّث الشامل الذي ينعكس بدوره على أصحاب هذه المعامل، وهم محميون بفعل تحالف مافيا السلاح والفساد. وقد بلغ تلوّث المياه حداً جعلها غير صالحة حتى لريّ الأراضي والمزروعات. ولم يكن ينقص اللبنانيين غير أن يقوم بعض من باع ضميره بجمع أطنان من الأسماك النافقة والمسمّمة وبيعها للناس الجائعة، وكأن قدرها أن تأخذ السمّ في قوتها ولقمة عيشها.

لطالما شكّل مجرى نهر الليطاني بامتداده إلى بحيرة القرعون الرائعة جوهرة البقاع الغربي للبنان، ومصدر جذب سياحي مهم إضافة إلى كونه العمود الفقري للزراعة والري في كل المنطقة المحيطة، وأصبح بفعل الفساد المستشري والحمايات السياسية والميليشيوية للفاسدين قنبلة موقوتة تهدد حياة أهل المنطقة، رغم عشرات ملايين الدولارات التي صُرفت تحت عناوين تنظيف مجرى الليطاني وبحيرة القرعون!

نعم إنها صورة مختصرة عن لبنان الذي صُرفت فيه أكثر من 45 مليار دولار على قطاع الكهرباء ولا زلنا نفتقد التيار الكهربائي ونخضع لابتزاز أصحاب المولدات، في حين أن المبالغ التي أُنفقت كانت تكفي لإنارة الشرق الأوسط بكل دوله!

إنها صورة فاقعة عن لبنان الذي بات عنواناً لتهريب المخدرات وحبوب الكابتاغون إلى دول العالم، وفي طليعتها الدول الخليجية التي اتخذت قراراً مؤلماً بوقف استيراد الخضار والفاكهة من لبنان. والنتيجة؟ أن المتهم الأبرز هو نجل وزير “حزب الله” السابق محمود قماطي الذي يرفع رايات “المقاومة” و”الممانعة”، لكن الدولة عاجزة عن جلبه إلى التحقيق والمحاكمة أمام القضاء المختص في حين يُقال إن الحزب هو من يتولّى التحقيق معه في دويلته الخاصة تأكيداً لواقع أن لا دولة ولا من يحزنون، والأجهزة الأمنية والقضائية تنتظر أن يمنّ “حزب الله” عليها بمعلومات رغم الاقتناع بعجزها عن اتخاذ أي إجراء ولو يتيم مثل ضبط الحدود والمرافئ!

إنها الدولة النافقة كمثل أسماء القرعون. إنها الدولة المتحلّلة التي يشهد القضاء فيها إنقلاباً وعصياناً في داخله خدمة لأجندات وحسابات حزبية ضيّقة، والتي يتخوّف المعنيون فيها من مواجهة الحال الانقلابية كي لا يتمدّد الانقلاب فيها إلى الأجهزة العسكرية والأمنية!

إنها الدولة النافقة بسبب ارتفاع منسوب النفاق فيها، وبسبب التهرّب من خوض المواجهة الحقيقية المطلوبة مع حزب السلاح، وبسبب الإمعان في الفساد الذي نخر مؤسساتنا حتى العظم، وبسبب الذمّية التي تدفع البعض إلى الدفاع المستميت عن السلاح خارج الشرعية وعن بشار الأسد ونظامه الذي قتل اللبنانيين واحتل بلدهم وقوّض مؤسساتهم!