IMLebanon

لبنان في عيْن العاصفة المالية فهل… “فاته القطار”؟

 

تنهمر «الأخبارُ السيئة» على لبنان في تَشابُكٍ «سوريالي» بين الأزمة المالية التي تلوح فصولٌ جديدة من عصْفها الخارجي كما الداخلي وبين مأزق تأليفِ الحكومة الجديدة التي تنتقل من «عربة انتظارٍ» إلى أخرى فيما الانهيار يَمْضي بسرعة متزايدة خارج أي مسارِ احتواءٍ يُخشى أن يكون صار محكوماً بـ… فاتَ القطار.

… من درْس شطب أسهم بنوك كبرى وشركة «سوليدير» من مؤشر الأسواق الناشئة ومؤشر الأسواق العربية، ورفْع دعوى قضائية في فرنسا بشأن مزاعم فساد في لبنان تستهدف حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وشقيقه وأحد مساعديه، مروراً بمسودّةٍ بـ «الأحرف الأولى» بدأ ترويجها على أنها «خريطة طريق» لرفْع الدعم قريباً عن سلع استراتيجية والمواد الغذائية التي كان «المركزي» يوفّر تمويلاً لاستيرادها إما على السعر الرسمي للدولار (1510 ليرات) وإما سعر المنصة الإلكترونية (3900 ليرة)، وليس انتهاءً بـ «شبح» المتحوّر الهندي لـ «كورونا» الذي دَهَمَ لبنان من خلف كل «خطوط الاطمئنان» ولو النسبي إلى مؤشرات ايجابية طبعتْ الأسابيع الأخيرة على صعيد انخفاض عدد الإصابات كما الوفيات وتراجُع حالات الاستشفاء بكل أنواعها.

 

عناوين مُقْلِقة تقاسمتْ المسرح اللبناني ونافس وهْجُها محطتين سياسيتين ديبلوماسيتين مرتقبتين: * الأولى اليوم مع استئناف مفاوضات الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل برعاية أممية ووساطة أميركية في جولةٍ يُراد لها تبريد «معركة الخطوط» التي كانت علّقت التفاوضَ قبل أكثر من خمسة أشهر، وتكريس هذه الخطوط كـ «سقوف الحدّ الأعلى» للتفاوض أكثر منها «خطوطاً حمر» ناسفة لمرتكزات الاتفاق الإطار الذي انطلقت على أساسه المحادثات غير المباشرة.

وكان لافتاً أمس ترؤس رئيس الجمهورية ميشال عون اجتماعاً في قصر بعبدا، بحضور قائد الجيش العماد جوزف عون، لأعضاء الفريق اللبناني إلى المفاوضات، تم خلاله عرض التطورات التي حصلت منذ توقف الاجتماعات في ديسمبر الماضي، والمستجدات حول الاتصالات التي أُجريت لاستئنافها.

وقد زوّد عون، الذي كان تريّث بتوقيع مرسوم توسيع الحدود البحرية للبنان جنوباً (أي اعتماد الخط 29 وإضافة 1430 كيلومتراً مربعاً الى المنطقة المتنازَع عليها بحيث يصبح غالبية حقل كاريش ضمنها)، أعضاء الوفد المفاوض بتوجيهاته، مشدداً على أهمية تصحيح الحدود البحرية وفق القوانين والأنظمة الدولية، وكذلك على حق لبنان في استثمار ثرواته الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، ولافتاً الى «أن تجاوُب لبنان مع استئناف المفاوضات غير المباشرة برعاية الولايات المتحدة واستضافة الأمم المتحدة، يعكس رغبته في أن تسفر عن نتائج ايجابية من شأنها الاستمرار في حفظ الاستقرار والأمان في المنطقة الجنوبية».

* والثانية غداً مع زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان لبيروت والتي يتم التعاطي معها على أنها الفرصة الأخيرة من باريس لحضّ الأطراف اللبنانيين على إنهاء الأزمة الحكومية ولو بـ «الحدّ الأدنى» مما كانت نصّت عليه المبادرة الفرنسية «الأصلية»، قبل محاولة فرنسا توسيع إطار إجراءات تقييد دخول مسؤولين لبنانيين متورّطين بالفساد أو بعرقلة تشكيل الحكومة الى أراضيها «مع الاحتفاظ بحق اتخاذ إجراءات إضافية» (مثل تجميد أصول وغيرها) لتشمل شركاء آخرين مثل بريطانيا والولايات المتحدة كـ «ذراعٍ زاجرة» بديلة عن الاتحاد الأوروبي.

وعلى أهمية هاتين المحطتين، نَجَحَ «هديرُ» الملفاتِ المالية – الاقتصادية – الصحية في حجْب الصخب السياسي، حيث انشغلت بيروت بما نقلتْه «رويترز» أمس عن مديرة برنامج التدفقات المالية غير المشروعة في منظمة «شيربا ماسيتيغير» الحكومية، لورا روسو، من رفع دعوى قضائية في فرنسا يوم الجمعة الماضي ضد حاكم مصرف لبنان وشقيقه وأحد مساعديه تتعلق بأصول عقارية بملايين اليوروهات في فرنسا.

وفيما أعلنت «شيربا» إنها وبالاشتراك مع مجموعة من المحامين، رفعت الدعوى أمام المدعي العام المالي الفرنسي وأن «الشكوى المقدمة لا تستهدف فقط غسل أموال… في ما يتصل بأزمة خريف 2019، وإنما تتعلق أيضاً بملابسات استحواذ لبنانيين من القطاع الخاص، أو مسؤولين عموميين، على بعض العقارات الفاخرة في فرنسا في الأعوام القليلة الماضية»، أكد سلامة انه اشترى جميع ممتلكاته في فرنسا قبل توليه المنصب، موضحاً أنه كشف عن مصدر ثروته وعرض وثائق «في مناسبات عدة» تثبت أنه كان يملك 23 مليون دولار في 1993 قبل أن يتولى منصب حاكم مصرف لبنان.

وفي موازاة ذلك، تلقّت بيروت بقلق كبير ما نُقل عن أنّ وكالة «ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني S&P» تدرس شطب أسهم بنوك «عوده» و«بلوم» و«بيبلوس»، وكذلك شركة «سوليدير»، من مؤشر الأسواق الناشئة ومؤشر الأسواق العربية وأنّ الوكالة تتشاور في إعادة تصنيف لبنان من سوق حدودي إلى سوق قائم بذاته.

وفيما سادت التوقعات بأن يُتخذ القرار قبل 14 مايو الجاري، سرت في العاصمة اللبنانية معلومات عن أن هذا الخبر صحيح (كما نقلت صحيفة «النهار» عن مصدر مصرفي)، وسط انهماكٍ سياسي – مصرفي بقياس «ارتداداته» على بلدٍ يكاد أن يفقد أصلاً «رئة» التواصل المالي مع العالم عبر المصارف المُراسلة التي توقف بعضها في الفترة الأخيرة عن التعامل مع المصارف اللبنانية ومصرف لبنان، من ضمن مقاطعة ربطها «المركزي» بـ «عدم تسديد سندات الدَّين بالعملات الأجنبية (اليوروبوندز)، والحملات السياسية ضد مصرف لبنان، اضافة الى الضجة القضائية واستغلالها داخل لبنان وخارجه بما زرع شكوكاً لدى مراسلينا والمصارف الكبرى التي نتعامل معها».

وإذ كان يجري التعاطي مع هذا الاتجاه البالغ السلبية على أنه سيضع المزيد من «الأصفاد» في يديْ الحكومة العتيدة التي قد تولد على أرضية الانهيار الكبير، لم يقلّ أهمية ما تقاطعت المعلومات حوله لجهة إنجاز فريق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب خطة رفْع الدعم التي تسابق نفاد احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية القابلة للاستخدام، وأن هذا الرفع سيشمل البنزين (ليُدعم فقط بنحو 15 في المئة عوض 85 في المئة) كإحدى أدوات محاربة التهريب الى سورية، وترشيد دعم الأدوية، وإلغاء الدعم كلياً عن السلع الغذائية باستثناء القمح، على أن يكون السير بهذه الخطة رهناً بحسْم تمويل البطاقة التمويلية التي ستُمنح لنحو 750 ألف عائلة وعلى نحو شهري تفادياً لتفجير اضطرابات أمنية واجتماعية ثمة مَن يرى أنها قد لا تتأخّر حتى بحال اعتماد البطاقة في ضوء التوقعات بارتفاعاتٍ جديدة لسعر الدولار في السوق الموازية ما لم يتم إحداث الصدمة الايجابية الكبرى باستيلاد حكومة تستعيد ثقة المجتمعين العربي والدولي بلبنان.

ولم يكن ينقص لبنان سوى المخاوف المتعاظمة من دخول المتحور الهندي إلى البلاد التي لم تلتقط بعد أنفاسها بالكامل من «تسونامي كورونا» ما بعد رأس السنة والتي تواجه بطئاً في عملية التلقيح.

و«استيقظت» هذه المخاوف مع كلام وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن عن أن«الوزارة تجري فحوصاً على عشرين عينة وافدة للتأكد إذا كانت متصلة بالمتحور الجديد أو لا».
https://www.alraimedia.com/article/1533416/خارجيات/لبنان-في-عين-العاصفة-المالية-فهل-فاته-القطار