IMLebanon

لبنان يُلاقي العيد بمناخاتٍ سياسية أكثر تَشَدُّداً

على طريقة مَن تَعَوَّدَ «السير على الجَمْر حافي القدمين»، يمْضي اللاعبون السياسيون في لبنان بزجّ البلاد في ما يشبه «المحرقة» التي تتغذى من «مارد» الانهيار الذي يتدحرج جارفاً ما بقي من الواقع المالي والاقتصادي الذي يكاد أن يتحوّل رماداً، ومُنْذراً بترْك اللبنانيين أمام «تسونامي» مصائب تتراكم مؤشراتُها في الأفق… المخيف.

وغداة «أخْذ العِلْم» من الاتحاد الأوروبي بخلاصاتِ زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان لبيروت والتي تقدّمتْ فيها «ديبلوماسية العصا» (الكلام على إطلاق الإجراءات المتشدّدة التقييدية بحقّ شخصيات لبنانية متهَمة بعرقلة تأليف الحكومة والفساد)، لم يَظْهَر في ضوء اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسيل الاثنين ما يشي بأن ديناميةً جَماعية سريعة هي في طور، أو أنها ممكنة التشكّل لجعْل الضغط الذي زادتْه باريس لبنانياً ذات مفعول أقوى.

على العكس ثمة مَن اعتبر أن كلام المفوض السامي للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل عن «أننا نعمل على اتّباع سياسة العصا والجزرة.

وكل الخيارات مطروحة للضغط على الطبقة السياسية التي تحول دون الخروج من المأزق» في موازاة ما نُقل عن ديبلوماسي أوروبي من أنه يجري البحث في «ممارسة ضغوط فردية على المسؤولين السياسيين الذين يعوقون تشكيل الحكومة وتبني الإصلاحات» هو بمثابة «تفسير الماء بعد جهد بالماء» في الوقت الذي باتت الأزمة اللبنانية تحتاج إلى إجراءات معلَنة وسريعة لكبح السقوط الكبير الذي خرج عن كل سيطرة.

وهذه القراءة التي سادتْ لدى أوساط مطلعة في بيروت، لم تقلّل في الوقت نفسه من أهمية الإحاطة الأوروبية المتصاعدة بالواقع اللبناني وسط رصْدٍ لِما إذا كانت عبارة «َضغوط فردية» تعني تشجيع دول أخرى «إفرادياً» على أن تحذو حذو فرنسا من خارج إطارٍ أوروبي قانوني، أو أن المقصود بها ضغوط «على أفراد»، في ظل اقتناعٍ بأنه أياً يكن الأمر فإنّ المعنيين المباشرين كما غير المباشرين بالملف الحكومي في لبنان لم يبْدُ أنهم يكترثون بأي مساراتٍ زاجرة خارجية في ضوء بروز مناخاتٍ داخلية أكثر تَشَدُّداً باتت تطرح سؤالاً كبيراً ومحيّراً: هل العبور إلى التسوية لم يعد ممكناً إلا على وهج انفجار كبير ولو بـ «عكس سير» محاولات ترتيب ملفات المنطقة الساخنة التي تسير على أكثر من جبهة؟

فعشية دخول البلاد عطلة الفطر، لم يبرز سوى المزيد من التمترس خلف جدران الأزمة الحكومية، وسط التداول بمعادلةٍ قديمة – جديدة صارت تحكم المأزق عنوانها أن رئيس الجمهورية ميشال عون يشعر بأن استمرار المراوحة السلبية يلحق أضراراً أكبر بالآخَرين، في ضوء تحوُّله ما يشبه «الرأس» الوحيد للدولة التي باتت غالبية أمورها الرئيسية تُدار عبر المجلس الأعلى للدفاع، في حين أن الفراغ الحكومي يستنزف من رصيد موقع رئاسة الوزراء الذي بدا الأكثر «تَضرُّراً» من زيارة لودريان الذي قَصَرَ لقاءاته، «المكتملة المواصفات البروتوكولية» بالموقعين الرئاسييْن الماروني والشيعي في حين لم يلتق الرئيس المكلف سعد الحريري إلا في قصر الصنوبر، ولو أنه لا يمكن اعتبار أن وزير الخارجية الفرنسي تَقَصَّد إعطاء هذا المعنى لـ «هفوته».

أما الشق الثاني من معادلة التشدد، فيعبّر عنها سحْب الحريري مسألة اعتذاره من التداول، في ظلّ مؤشراتٍ وانطباعاتٍ بأن الرئيس المكلف صار يتقن لعبة الانتظار وامتصاص الضغوط ومحاولة تحويلها فرصة على طريقة «مَن نصَب فخاً لأخيه»، وذلك بما يجعل عهد عون ينتهي (خريف 2022) بلا حكومة وهذا ما يعني أنه سيكون وجهاً لوجه أمام «كرة نار» الانهيار في ظلّ غياب حكومة تشكّل «خط حماية» ولو دستورياً.

وتشير أوساط سياسية إلى أن الحريري، وفي «قياسه» تداعياتِ أي قرارٍ بحجم الاعتذار «الانتحاري»، لا يراعي فقط ارتدادات مثل هذا «الانسحاب» على موقع رئاسة الحكومة لجهة تظهير إخراج الرئيس المكلف بـ «ضربة الإحراج» المُمَنْهَج من رئيس الجمهورية وفريقه مع ما رافق ذلك من محاولات تكريس ما اعتُبر أعرافاً كاسرة للتوازنات الدستورية، بل هو أيضاً يضع في «سلّة الحسابات» أن أْي «ترْكٍ للساحة» لفريق عون ولا سيما لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل لتشكيل حكومة على الطريقة التي استقالتْ (أي حكومة الرئيس حسان دياب) ومع «إحكام السيطرة» على وزارات – مفاتيح أمنية وقضائية ولا سيما الداخلية والعدل سيعني إعطاء هذا الفريق ما يشبه «الشيك على بياض» لإدارة الانتخابات النيابية بما يلائم طموحاته الرئاسية وحتى «نيات تصفية الحسابات» مع الحريري وخصومه الآخرين.

ورغم الاقتناع بأنّ أي حكومة تكنو – سياسية مُخَفَّفة على شاكلة حكومة دياب لن تكون أصلاً قادرة على استقطاب أي دعم مالي دولي للبنان، فإن الأوساط نفسها تسأل هل أنه ما زال بالإمكان الحديث عن «حكومة مهمة» إصلاحية فيما البلاد دخلتْ عملياً مدار الانتخابات النيابية (موعدها بين 7 مارس و7 مايو 2022)، وهل يمكن تَصَوُّر أن طبقة سياسيةً «تدير ولو عن بُعْد» حكومةً (برئاسة الحريري أو غيره) قبل الانتخابات ستتجرأ على اتخاذ القرارات الإصلاحية «الجِراحية» الموجعة والتي تحتاج غالبيتها لإقرارها في برلمانٍ «تتنافس» أحزابه «الممثّلة بغالبيتها» في الحكومة وبأقنعةٍ أو من دونها، على العودة إلى مجلس النواب وهو ما يستوجب الى جانب عدم إغضاب مؤيّديها «الصمود» بوجه «ثورة شعبية» صحيح أنها خمدتْ في الشارع ولكنها بالتأكيد بقيةة ولو خلْف الجدران، هذا إذا لم يكن تَوالي مظاهر الانهيار كفيلاً بـ «إيقاظها» في أي وقت.

ومن هنا تعاود الأوساط طرْح السؤال الذي فرض نفسه مع تكليف السفير مصطفى أديب تأليف الحكومة وهذه المرة معطوفاً على ملامح التسويات في المنطقة ومفاده: هل يمكن أن يستعيد لبنان تجربة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي «الانتقالية» التي شكّلها العام 2005 بعد استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي في أعقاب اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي تولت إدارة الانتخابات النيابية حينها بتفاهُم خارجي متعدّد الطرف، أم أن «ارتياح» حزب الله لتفوُّقه اللبناني وبوادر حِفْظ إيران لأوراق نفوذٍ في المنطقة تجعله في موقع لا يشبه وضعيته قبل 16 عاماً حين تعاطى مع المرحلة بمنطق «إحناء الرأس أمام العاصفة».

وعلى وقع كل هذا الغموض السياسي، يجري ترقُّب إذا كان عيد الفطر سيحمل أي تَواصُل ولو بروتوكولي بين عون والحريري، في حين لا يبدو أن ما قيل عن تسخين رئيس البرلمان نبيه بري محركاته لاستئناف مبادرته حكومياً سيكون كفيلاً بمعاودة تحريك عجلة الاتصالات في ضوء ما عبّر عنه رفْع «حركة أمل» (يتزعمها بري) سقف مواقفها بوجه فريق رئيس الجمهورية من عدم جاهزية الأرضية السياسية لا لإطلاق ولا لتلقُّف وساطات من أي نوع.

ووسط هذا الانسداد، يلوح مجدداً شبح العتمة الكاملة فوق «جبل الأزمات» الاقتصادية – المعيشية التي صارت تسكن يوميات اللبنانيين الضائعين بين دعْمٍ بدا كأنه رُفع عن مواد عدة «مع كواتم للصوت» وبين بطاقة تمويلية علِقت في «شِباك» السياسة وعقدة ضخّ الأموال اللازمة لإقلاعها، ومِن جيْب مَن؟ ناهيك عن استمرار مادة البنزين «كنزاً مفقوداً» في العديد من المناطق رغم الوعود بتسليمها.

وقد عقد وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني اجتماعاً مع وزير الطاقة ريمون غجر، ومدير مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، ورئيس لجنة الأشغال النائب نزيه نجم حيث تم البحث في موضوع الكهرباء وفتح الاعتمادات اللازمة لبواخر الفيول«في ضوء الطعن الذي قُدم أمام المجلس الدستوري بقانون منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة بقيمة 200 مليون دولار.

وشرح نجم بعد اللقاء أنّه «وبانتظار الثاني والعشرين من هذا الشهر للحصول على رد حول مسألة الطعن، سيستكمل الموضوع بخصوص مبلغ الـ200 مليون دولار المتوافر. إلا أننا قد نصادف مشكلة آخر هذا الأسبوع وهي متعلقة بـ(كارادينيز) وباخراتهم بعد قرار القضاء اللبناني بالحجز على البواخر للبت بغرامة الـ25 مليون دولار إذا كانت محقة أم لا».

وأشار إلى أنّه «بعد أن تم الادعاء على صاحب (كارادينيز)، اتُخذ القرار وأعلمت المؤسسة أنها ستتوقف عن تشغيل المعامل. وهذا الأمر قد يؤثر علينا ويجلب العتمة الكاملة.

وقد طالبنا مدير عام الكهرباء ووزير الطاقة الاستعداد للأسوأ في حال حصل ذلك».