IMLebanon

صمت فرنسي بعد استثناء الراعي من لقاءات لو دريان في بيروت

كتبت  كارولين عاكوم في صحيفة الشرق الأوسط:

المسؤول الإعلامي في بكركي: باريس أكدت دعمها لمبادرات البطريرك

لا تزال زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت واللقاءات التي عقدها تترك تداعياتها في لبنان في وقت يسود فيه الترقب لما ستكون عليه الخطوات الفرنسية المقبلة ومصير المبادرة الفرنسية انطلاقاً من المواقف التصعيدية التي رفعها لودريان في وجه المسؤولين اللبنانيين.

وبعدما اقتصرت لقاءات لودريان «البروتوكولية» على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، إضافة إلى ممثلين عن أحزاب المعارضة والمجتمع المدني، واستثنى قيادات الأحزاب التقليدية والبطريرك الماروني بشارة الراعي، ينقل مقربون عن الأخير استياءه من هذه الخطوة، في وقت قامت أمس السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو بزيارة للراعي لتوضيح خلفية استبعاده من لقاءات لودريان وخرجت من دون الإدلاء بأي تصريح.

ويوضح المسؤول الإعلامي في بكركي وليد غياض لـ«الشرق الأوسط» أن زيارة السفيرة أتت بطلب من لودريان وذلك لنقل رسالة شفهية للراعي للتأكيد على أن باريس تتابع مبادراته، وهي داعمة لها وليس هناك أي خلفية لعدم زيارة لودريان له، فمدة الزيارة كانت قصيرة ورسالته كانت موجهة إلى المسؤولين اللبنانيين. وعما إذا كان هناك أي زيارة قريبة مرتقبة للراعي إلى فرنسا يقول غياض: «ليس هناك موعد محدد لكن كل شيء وارد ورهن الحاجة إليه».

لكن الوزير السابق سجعان قزي، المقرب من بكركي، يرى أن الفرنسيين هم الذين أسقطوا مبادرتهم لتراجعهم عن معظم بنودها الأساسية. وينتقد استثناء البطريرك الماروني من اللقاءات التي عقدها لو دريان لما تمثله بكركي والراعي في لبنان، مقابل اعتبار مصادر في «التيار الوطني الحر» أن «الجزء المتعلق بتفاصيل الحكومة في المبادرة الفرنسية سقط»، بينما لا يزال «تيار المستقبل» يتمسك بها، رافضاً الاعتبار أنها انتهت ومؤكداً على تحميل مسؤولية التعطيل لرئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل.

ويقول قزي لـ«الشرق الأوسط»: «الفرنسيون أسقطوا المبادرة أكثر من اللبنانيين والإيرانيين بسبب سوء أداء المسؤولين وتراجعهم عن بنود أساسية وتنازلهم لحزب الله». ويضيف: «لكي تكون المبادرة فعالة يجب أن تعود إلى أصولها التي أعلن عنها ماكرون عندما زار لبنان العام الماضي»، ويوضح: «الفرنسيون تراجعوا عن بنود عدة، فبعدما كانوا دعموا حكومة من اختصاصيين غير حزبيين باتوا الآن مع حكومة اختصاصيين يرضى عنهم السياسيون، وبعدما كانوا مع المداورة الشاملة في توزيع الوزارات بين الطوائف أصبحوا مع استثناء وزارة المالية (في إشارة إلى إبقائها مع الثنائي الشيعي بناء على طلب «حزب الله» وحركة «أمل»)، كذلك كانوا مع حكومة يختارها الحريري من دون المرور بالأحزاب، فصارت اليوم تمر عبر الأحزاب وبعدما كانت حكومة للإصلاحات فقط بات يفترض أن تتعاطى أكثر من ذلك».

ويعتبر قزي أن التخبط الفرنسي ظهر في زيارة لودريان «عندما اجتمع مع لا أحد»، وفق تعبيره، ولم يزر بكركي، واصفاً ما حصل بـ«الخطأ الكبير الذي لا يصحح بزيارة السفيرة الفرنسية ولا يعوّض إلا بدعوة من ماكرون للراعي لزيارة فرنسا، لا سيما أنه أتى خلافاً للتقاليد الفرنسية»، مع تأكيده «أن الراعي لم يعلن أو يعبّر عن انزعاجه من هذا الأمر ولكن اللبنانيين الذين يحرصون على العلاقة بين بكركي وفرنسا وأنا واحد منهم شعرنا بالامتعاض»، مشدداً: «الراعي ليس مرجعية دينية فقط، بل هو حامل لواء حياد لبنان والدعوة لعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة ومن بكركي تخرج الحلول».

وعن مبادرة بكركي التي سعت لتذليل عقبات تأليف الحكومة وعما إذا كانت هناك جهود إضافية تبذل الآن، يقول قزي: «لا مبادرة جديدة، وجهود الراعي انتهت عندما سعى للقاء عون والحريري، وهو ما حصل، لكن اللقاءات باءت بالفشل بل زاد الخلاف بينهما، يعني أن المشكلة أبعد من شخصين، وتبقى نصيحته للطرفين لا تزال نفسها وهي ضرورة اللقاء الدائم».

في المقابل، تقول مصادر في «التيار الوطني الحر» مطلعة على موقف رئيس الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» أن المبادرة الفرنسية لم تسقط بمجملها إنما بعض عناوينها أو مفاعيلها المرتبطة بشكل مباشر بتفاصيل تأليف الحكومة وتوقيت تأليفها بعد وضع مواعيد لها من دون تنفيذ، وتعتبر أن عناوينها العريضة لا تزال صالحة وتحظى بموافقة مختلف الأطراف أهمها الإصلاحات والتدقيق الجنائي وغيرها. لكن مصادر في «تيار المستقبل» مقربة من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تخالف ذلك، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن النظر إلى المبادرة الفرنسية لا يمكن أن يكون مجتزءاً، «فبالنسبة لنا المبادرة الفرنسية لم تسقط بل لا تزال سارية المفعول بكل عناصرها… إنما المشكلة ليس بالمبادرة إنما بمن يعطلها وتحديداً عون وباسيل ومن خلفهما».

وكان لودريان استبق زيارته لبيروت بالتلويح بالعقوبات ضد المسؤولين عن عرقلة تأليف الحكومة، وأطلق في نهايتها مواقف تصعيدية على غرار الرسائل التي بعث بها قبيل زيارته. وقال: «من الملح أن يخرج لبنان من المأزق السياسي الحالي، وقد عبرت بصراحة عن هذ الأمر خلال لقاءاتي مع الرؤساء الذين قابلتهم من منطلق أنهم معنيون دستورياً بالاتفاق على حكومة، ولاحظت أن الفاعلين السياسيين لم يتحملوا لغاية الآن مسؤوليتهم ولم ينكبوا على العمل بجدية من أجل إعادة نهوض البلد، وأعتقد أن الأمر ممكن إذا رغبوا في ذلك»، وأكد: «إذا لم يتحركوا بمسؤولية فعليهم تحمل نتائج هذا الفشل ونتائج التنكر للتعهدات التي قطعوها ونحن نرفض أن نبقى مكتوفي الأيدي أمام التعطيل الحاصل، ولقد بدأنا باتخاذ خطوات تمنع دخول المسؤولين المعطلين والضالعين بالفساد إلى الأراضي الفرنسية، وهذه ليست سوى البداية وإذا استمر الأمر، فإن هذه الخطوات ستزداد حدة وستعمم وستكمل بأدوات ضغط يمتلكها الاتحاد الأوروبي».