IMLebanon

لبنان بين “فكّيْ كماشة” عقوباتٍ أميركية وأوروبية

 

أبعد من الوقائع العسكرية ومعادلاتها المتبادَلة بين «حارس الأسوار» و«سيف القدس» وما تنطوي عليه في بعض جوانبها مِن رسائل حول مَن يملك «أزرار التفجير» وتالياً «مفاتيح» الاستقرار والسلام، فإن اندفاعةَ النارِ على جبهة «حماس» واسرائيل وتَحَوُّلها حَدَثاً يشغل عواصم القرار تعكس حجم المَخاطر التي تترتّب على ترْك لبنان «مكشوفاً» بالكامل على تحوّلاتِ المنطقة التي تُرسم على البارد وربما… على الحامي.

ورغم اقتناع أوساط مطلعة في بيروت بأن «حزب الله» ليس في وارد الدخول على خطّ المعركة بين «حماس» وإسرائيل وفتْح جبهة الجنوب وتالياً توريط لبنان بحربٍ لا يريدها الحزب أساساً هو الذي يعتبر أن المقاومة الفلسطينية تملك ما يكفي من قدرة وأدوات على إدارة هذه المعركة بما يكرّس معادلاتٍ جديدة يستفيد منها «محور الممانعة»، فإنّ وهج هذه الأحداث المتدحرجة يُخشى أن يصيب لبنان من باب تداعياتها على تشدّد إسرائيل الذي لابد أن يرتفع منسوبه بإزاء العنوان الذي لا تتراجع عنه على تخوم «النووي الإيراني» وهو أذرع طهران في المنطقة وصواريخها البالستية وتزويد حلفائها بتقنياتِ تطويرها.

 

وما يزيد من وطأة هذه المخاوف، ما ارتسم في الساعات الماضية من وقوع لبنان «بين فكّيْ كماشة» عقوباتٍ أميركية مستعادَة على «حزب الله» وعقوباتٍ بدأت طلائعها على شكل إجراءات تقييدية على دخول شخصيات الى فرنسا لضلوعها في عرقلة تأليف الحكومة أو عمليات فساد ويُنتظر أن «تكرّ سبحتها» أوروبياً وإن بقراراتٍ «على الصعيد الوطني» لكل دولة التفافاً على عدم القدرة على توفير الإجماع على نظامٍ خاص بلبنان في ضوء «الفيتو» المبكّر الذي كانت المجر أعلنته من بيروت بلسان وزير خارجيتها تحت عنوان «حماية أكبر حزب مسيحي» في «بلاد الأرز» (في إشارة الى «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل).

ولم يكن عابراً وفق الأوساط أن تطلق إدارة الرئيس جو بايدن إشارة واضحة، وإن غير مفاجئة، إلى أنها تسير على خطى أسلافها في ما خص النظرة إلى «حزب الله»، وهو ما عبّر عنه إدراج مكتب مراقبة ‏الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) يوم الثلاثاء 7 أفراد على صلة ‏بالحزب ومؤسسة «القرض الحسن» التي يستخدمها الحزب كغطاء لإدارة أنشطته المالية.

وفي موازاة توقف الأوساط عند ما ورد في البيان الصادر عن الخزانة الأميركية من أنّ أحد المدرَجين على لائحة العقوبات ‏(إبراهيم علي ضاهر) «يشغل منصب رئيس الوحدة المالية ‏المركزية لـ(حزب الله)التي تشرف على الميزانية والإنفاق العام للحزب بما في ذلك تمويل ‏الحزب لعملياته الإرهابية وقتْل معارضيه»، لم يقلّ دلالة كلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عن أنّ «التهديد الذي يشكله الحزب على ‏الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها في الشرق الأوسط والعالم، يدعو البلدان في جميع أنحاء ‏العالم إلى اتخاذ خطوات لتقييد أنشطته وتعطيل شبكات التيسير (المالي) الخاصة به»، موضحاً ‏أنّ «مؤسسة القرض الحسن تقوم بنقل الأموال بشكل غير قانوني من خلال حسابات وهمية، ما ‏يعرّض المؤسسات المالية اللبنانية لمَخاطر العقوبات»، واعتباره أنّ العقوبات الأخيرة «تعزز ‏الإجراءات الأميركية ضد مموّلي(حزب الله)الذين قدموا الدعم أو الخدمات له»،

وفيما تَرافق هذا التطور مع إعلان الإدعاء العام الأميركي في ولاية فرجينيا «تجريم اللبنانية التي تحمل ‏الجنسية الأميركية رشا فرحات»، بتهمة المشاركة في عمليات غسيل أموال لصالح ‏‏«حزب الله» استمرت عشر سنوات، بدا من الصعب القفز إلى استنتاجاتٍ حول إذا كان هذا يعني «بصريح العبارة» رفْضاً أميركياً لإشراك «حزب الله» ولو في شكل غير مباشر بأي حكومة، وإن كان يعني بالتأكيد أمريْن: الأول أن واشنطن رفعت بطاقة تحذير للمؤسسات المالية اللبنانية لجهة إمكان عدم توفيرها من عصا العقوبات ما لم يتم لجْم نشاطات «حزب الله» وهو ما يعمّق من متاعب بيروت التي تعاني أصلاً للحفاظ على ما تبقى من «رئة» مالية – مصرفية تربطها بالعالم. والثاني أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن ضرورة سيْر الحكومة العتيدة بإصلاحات يشكل أحد أبرز عناصرها وقف التهرب الضريبي والتهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية وتزويد مختلف المرافق البرية والبحرية والجوية بأدوات مراقبة، وهو العنوان الذي يطلّ بالتأكيد على «حزب الله» الذي وجّه إشاراتٍ عدة في ما خصّ ملف الحدود ووجود نيات للمساس بـ «الخط العسكري» بين طهران وبيروت.

وفيما نفى مكتب الإعلام في القصر الجمهوري اللبناني أن يكون اللقاء الذي عُقد أمس بين الرئيس ميشال عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة تطرّق إلى ملف «القرض الحسن»، كان موضوع العقوبات الأوروبية يتفاعل وسط تقارير عن استعداد بريطانيا لملاقاة مسار العقوبات الأوروبية والأميركية على معرْقلي الحل والضالعين بالفساد ‏ في لبنان، وفق ما عبّر عنه رئيس البعثة القائم بالأعمال في السفارة البريطانية في ‏بيروت مارتن لنغدن (لصيحفة «النهار») وذلك عبر «نظام العقوبات العالمي لمكافحة الفساد» الذي أقرّته بلاده أخيراً والذي «سيسمح بفرض تجميد الأصول وحظر السفر على المتورطين في الفساد الخطير في جميع أنحاء ‏العالم».

وجاء هذا التطور على وقع إشاراتٍ إلى أن دول الاتحاد الأوروبي قد تلجأ (وإن كلاً على حدة) لحذو حذو فرنسا في إجراءاتٍ عقابية وسط إبلاغ ديبلوماسي بارز في الاتحاد الى «رويترز» انّ «الصبر على الطبقة الحاكمة ينفد بشكل متزايد. لا يبدو أنهم يعيرون اهتماماً لمصالح شعبهم. توقّعوا اتخاذ قرار خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع».

ووفق ديبلوماسيين فإن الاتحاد الأوروبي يعكف على وضع عقوبات لفرْضها على ساسة لبنانيين يرى أنهم يعطلون تشكيل حكومة، وستكون هذه أول عقوبات يفرضها التكتل على لبنان، حليفه في الشرق الأوسط، بسبب خيبة الأمل من سوء إدارة النخبة الحاكمة للبلاد.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي، وفق تقرير «رويترز» لم يبحث أسماء بعيْنها بعد لاستهدافها بالعقوبات المزمعة كما أنّ المجر استنكرتْ علناَ جهود الاتحاد للضغط على الساسة اللبنانيين، لكنّ ستة ديبلوماسيين ومسؤولين من الاتحاد أكدوا للوكالة أنّ التحضير للعقوبات بدأ بالفعل من خلال العمل على ما يُطلق عليه معايير الاختيار وذلك بعد ما اتفق وزراء خارجية الاتحاد الاثنين على التحرك.

وكان هذا الملف أمس محور لقاءٍ بين وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبه وسفير الاتحاد الأوروبي رالف طراف «تناول بشكل أساسي المناقشات الجارية في بروكسيل حول الخيارات المتوافرة لدعم لبنان في ضوء الأزمة التي يعانيها».

ورداً على سؤال حول العقوبات المزمع فرضها على المسؤولين عن عرقلة تشكيل الحكومة قال طراف: «انها تشكل جزءاً صغيراً من المناقشات الجارية في مقر الاتحاد الأوروبي. المسألة التي توجه هذه النقاشات هي كيفية دعم لبنان في هذا الوضع الصعب، وفي هذا الإطار تتم مناقشة مسألة العقوبات بروحية المساهمة بطريقة بنّاءة في تحسين الوضع في لبنان».

وفي موازاة ذلك، بقي قرار المملكة العربية السعودية بوقف تصدير المنتجات الزراعية من لبنان إليها وعبرها بعد تزايُد ضبْط تهريب مخدرات في إرسالياتٍ كان آخرها شحنة رمان ملغومة، محور اهتمام في بيروت، حيث أطلع وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي رئيس الجمهورية على نتائج جولته الاستطلاعية على المعابِر الحدودية، والإجراءات الواجب اتخاذها لتعزيز الرقابة عليها والحد من عمليات التهريب.

وفي حين يستعدّ فهمي لإعداد تقرير يضمنه عرضاً للواقع القائم والاقتراحات اللازمة على أن يرفعه الى رئاستي الجمهورية والحكومي، أشار مكتب الإعلام في القصر الجمهوري إلى أن عون اطلع «على مسار التحقيقات الجارية في عملية تهريب المخدرات الى مرفأ جدة من خلال صناديق احتوت على فاكهة الرمان، وكذلك على الاتصالات التي أجراها وزير الداخلية مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية لمعالجة هذا الأمر بعد تعليق السعودية استيراد المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية اللبنانية».

وقد نُقل عن فهمي قوله تعليقاً على ما آلت إليه مفاوضاته مع الجانب السعودي ان «التواصل قائم بشكل مباشر مع السلطات السعودية كما مع السفارة السعودية في بيروت»، واصفاً العلاقة مع المملكة بـ «الممتازة جداً».

ولم تحجب هذه العناوين الأنظار عن حلول عيد الفطر مغمّساً بازدياد مَظاهر إذلال اللبنانيين الذين اصطفوا ليوم ثالث على التوالي في طوابير طويلة أمام محطات البنزين، وبعضهم أمضى الليل في سيارته شمالاً، للحصول على بضع ليتراتٍ وسط تقاذُف المسؤوليات حيال الأزمة التي باتت تتكرّر دورياً والتي تشكل أحد مَظاهر الانهيار المالي وعدم القدرة على توفير تمويل مستدام لاستيراده.

وعشية العيد الذي يحلّ وسط إقفال شامل ومنْع تجوّل (من فجر الخميس حتى فجر السبت لزوم الإجراءات الخاصة بجائحة فيروس كورونا) ما خلا لبعض الاستثناءات ولمَن يستحصلون على أذونات من المنصة الإلكترونية، لم يمر «ذلّ البنزين» دون أخبار مؤلمة بينها لمواطن تعرض لوعكة صحية خلال انتظار دوره، وفيديوات غاضبة بينها لمعلّمة تولت إعطاء حصة «اونلاين» من داخل سيّارتها «بفعل حاجتي للتزوّد بالبنزين للتوجّه إلى المدرسة بعد عطلة العيد».

ولم يقلّ المشهد أمام بعض محال اللحوم مأسوية حيث جرى التداول بالعديد من الصور لصفوف من المواطنين ينتظرون دورهم للحصول على كيلو أو أقلّ من اللحم، وسط تسجيل إقفال العديد من الملاحم أبوابها إما بفعل عدم تسلُّم هذه المادة واما لعدم توافر اللحم المدعوم في ضوء التأخر المتمادي في تسديد اعتمادات الدعم من «مصرف لبنان»، وهو ما جعل سعر كيلو اللحمة (البقر) يصل في بعض المناطق لأكثر من 110 آلاف ليرة (بات الحد الأدنى للأجور وفق هذا الرقم يساوي 6 كيلو لحمة).

وقد تسبب هذا الواقع كما التقارير عن أن رفْع الدعم عن غالبية السلع أو ترشيده بات حقيقةً ولو بقوة الإجراءات الجديدة والبالغة الصعوبة للاستحصال على الدولار المدعوم، بارتفاع الطلب على الدجاج في السوق المحلية بنسبة 300 في المئة، وهو ما عزاه أمين سر النقابة اللبنانية للدواجن وليم بطرس الى «هلع المواطنين ورغبتهم بتخزين الدجاج بعد الحديث عن وقف الدعم لقطاع الدواجن»، موضحاً «ان تسليم الدجاج من المُنْتِجين ارتفع من نحو 275 ألف فروج الى 325 ألف فروج يومياً، محذراً من أن الاستمرار على هذه الوتيرة من شأنه استهلاك كامل كميات الدجاج الموجودة في المزارع والجاهزة للتسليم لنقاط البيع».

https://www.alraimedia.com/article/1534880/خارجيات/العرب-والعالم/لبنان-بين-فكي-كماشة-عقوبات-أميركية-وأوروبية