IMLebanon

سابقة لعون في التأليف.. باب حلّ أو إشكال؟

كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:

في مطلع آذار الماضي، وبعد أربعة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، وتعذُّر إنجاز التأليف، طُرحت فكرة بعث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رسالة الى مجلس النواب، لمناقشة عدم التأليف ومعالجته، إلاّ أنّ هذه الفكرة لم تُنفّذ. الآن، وبعد مرور نحو 7 أشهر على تكليف الحريري، واستفحال أزمة التأليف في وضع حسّاس وخطر وجودي على البلد، عادت فكرة الرسالة الى الواجهة، بحيث وجّهها عون، أمس، الى المجلس عبر رئيسه نبيه بري، وذلك لكي يضع النواب الذين كلّفوا الحريري، أمام مسؤولياتهم في هذا الخصوص، بعدما «أصبح من الثابت أنّ الرئيس المكلّف لا يزال يأسر التأليف، متجاهلاً كلّ مهلة معقولة لتأليف حكومة قادرة على الإنقاذ».

لا خيارات كثيرة أمام عون في موضوع التأليف. فلا يمكنه إلّا توقيع تشكيلة وزارية يقدّمها إليه الرئيس المكلّف بعد التشاور بينهما وفق الدستور. إلّا أنّ تشكيلة الـ18 وزيراً التي قدّمها الحريري الى عون لا يوافق عليها رئيس الجمهورية، فيما الحريري رافض حتى الآن تعديلها أو استئناف مشاورات التأليف مع عون، كذلك ما زال متمسّكاً بالتأليف، ولم يركن الى قرار الاعتذار عن هذه المهمة بعد. أمام ذلك، وبما أنّ الدستور لا يحدّد مهلةً لتأليف الحكومة، لم يتبقَّ لدى عون، إلّا توجيه رسالة الى مجلس النواب، علماً أنّ لا مفاعيل دستورية لهذه الرسالة مُلزمة للمجلس.

وفيما يولي الدستور رئيس الجمهورية حق توجيه رسالة الى مجلس النواب، يُمكن الرئيس أن يحضر شخصياً الى المجلس لتوجيه الرسالة وجاهياً إلى النواب، أو أن يوجّهها الى المجلس عبر رئيسه، وفي كلتا الحالتين يلتئم المجلس ويستمع الى الرسالة، سواء في حضور رئيس الجمهورية أو تُليت في غيابه. وإذا كانت الرسالة موجّهة بواسطة رئيس المجلس، فعليه أن يدعو المجلس للإنعقاد خلال ثلاثة أيام لمناقشة مضمون الرسالة، واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب حيالها. والسؤال الذي يُطرح: هل سيدعو بري المجلس الى الالتئام لتلاوة رسالة عون، وهل ستكون الدعوة خلال ثلاثة أيام أم أنّها ستُؤجّل؟ إذ في 31 تموز من عام 2019 وجّه عون رسالة الى مجلس النواب عبر بري لتفسير المادة 95 من الدستور، بحيث حدّد بري تاريخاً متأخّراً لتلاوتها، وذلك في 17 تشرين الاول 2019، لأنّ «المجلس لا يمكنه مناقشة مضمون الرسالة أو حتى تحديد موعد جلسة لهذه الغاية في العقد الإستثنائي». إلّا أنّ هذه الحجة ساقطة الآن، لأنّ المجلس في عقده العادي الأول الذي يبدأ الثلثاء الذي يلي الخامس عشر من آذار و حتى نهاية أيار.

كذلك وجّه عون الى مجلس النواب رسالةً حول التدقيق الجنائي، بحيث اتخذ مجلس النواب في جلسته التي انعقدت في 27 تشرين الثاني 2020، جواباً على رسالة عون هذه، قراراً ولم يقرّ قانوناً، وذلك بحسب ما قال بري، لأنّ «المجلس لا يحق له اصدار قانون رداً على رسالة رئيس الجمهورية». وبالتالي، إنّ احتمال ردّ المجلس على رسالة عون لجهة التأليف بإقرار قانون يحدّد مهلة التأليف، غير وارد.

ويبقى احتمال سحب التكليف من الحريري، المتعذّر بدوره، حتى لو قرّر المجلس ذلك وجرى تجاوز كلّ الإشكاليات الدستورية والقانونية والميثاقية. إذ إنّ الأطراف التي سمّته ما زالت متمسّكة بهذه التسمية، فيما أنّ «التيار الوطني الحر» أو «حزب الله» اللذين قد يريدان سحب التكليف من الحريري، فلم يُسمّياه أساساً.

الى ذلك، تُشكّل رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب سابقة من نوعها لجهة موضوعها، فيما مجلس النواب لم يسبق أن سحب التسمية من أي رئيس مُكلف، إلّا أنّ لا نص دستورياً يمنع ذلك، إنّما هناك إشكاليات دستورية عدة تُطرح أمام هذه المسألة، من النصاب والأكثرية اللازمين لسحب التكليف، الى مسألة الميثاقية، فضلاً عن أنّ التكليف يجري من رئيس الجمهورية بعد تسمية أكثرية النواب لشخصية معينة. لذلك، بحسب خبراء دستوريين، قد تخلق هذه الرسالة إشكالات دستورية وسياسية وطائفية، إذ قد تُعتبر مساً بموقع الرئيس المكلّف «السنّي»، فضلاً عن أنّها تفتح المجال أمام عرف جديد يقضي باستبدال الرئيس المكلّف عند كلّ تعذُّر للتأليف، فيما أنّه ليس الوحيد المسؤول عن عدم التأليف، إذ إنّ الحكومة لا تبصر النور من دون توقيع رئيس الجمهورية، الذي قد يعمد الى عرقلة التأليف التفافاً على قرار المجلس وضغطاً على النواب، لتكليف شخصية أخرى.

عون علّل رسالته هذه، لأنّ «أسباب التأخير في استيلاد السلطة الإجرائية، لا يجوز أن تبقى موضع التكهّن أو الالتباس أو الاجتهاد، داخلية كانت أم خارجية. كذلك لا يجوز أن تأسر التأليف الى أفق زمني غير محدّد فتؤبّد التصريف، خصوصاً أنّ الحكومة المنتظرة هي حكومة إنقاذ لبنان من أزماته الخانقة». وأشار الى أنّ الحريري «يصرّ حتى تاريخه على عدم التقدّم بتشكيلة حكوميّة تحظى باتفاقنا وتتوافر معها الثقة المطلوبة من مجلس النواب وفق النصّ الدستوري، فضلاً عن انقطاعه عن إجراء الاستشارات النيابيّة اللازمة مع مختلف الكتل النيابيّة، والأدهى أنّه منقطع عن التشاور المستمرّ والواجب مع رئيس الجمهوريّة، للاتفاق على تشكيلة حكوميّة تتوافر فيها ثقة مجلس النواب واللبنانيين والمجتمع الدولي».

وبعد أن طلب عون مناقشة رسالته في الهيئة العامة للمجلس النيابي وفق الأصول «واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب بشأنها لمنفعة الشعب»، أوضحت مصادر القصر الجمهوري، أنّ رسالة عون هذه تأتي بعد عدم تجاوب الحريري لجهة التأليف، ولأنّ النواب معنيون بهذه المسألة، وعليهم التصرف واتخاذ القرار المناسب. وإذ تعتبر مصادر قريبة من عون أنّ «الرسالة واضحة» ولا تحتاج الى أي تفسير، توضح أنّها المرة الاولى التي يرسل رئيس الجمهورية الى مجلس النواب رسالة بخصوص تأليف الحكومة، لأنّها المرة الأولى التي يجري هذا التأخير في التأليف وتعطيل الولادة الحكومية، مشدّدةً على أنّ عون «رئيس الجمهورية ويأخذ القرار الذي يريده، وهذه وجهة نظره، وليأخذ مجلس النواب القرار الذي يراه ملائماً». في المقابل، ترى جهات سياسية وقانونية، أنّ هذه الرسالة «لا مفاعيل لها، إلّا مزيد من الانقسام والشرخ السياسي والدستوري».