IMLebanon

ما هي التعديلات الدستورية المطلوبة؟

كتب بسام ضو في “الجمهورية”:

هناك أنظمة برلمانية ديموقراطية لديها رغبة في تنقيح دستور قائم لكي يستجيب على نحو أفضل للمتغيّرات السياسية والأمنية والإقتصادية والمالية والإجتماعية في مجتمع ما متحضِّر. وأيضاً تشير بعض الدراسات الى بعض العناصر الرئيسية في أي إصلاح دستوري، الى كفالة تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسيّة واحترامها وحمايتها.

ويسعى علماء السياسة والاختصاصيّون إلى تقديم المشورة في مجالات عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، مجال حقوق الإنسان للدول التي تُحاول تعديل بعض مواد دستورها القائم، أو بالمساعدة في صوغ دستور جديد. وهذا الأمر يبدو مفيداً لكل دولة راغبة في إجراء إصلاحات دستورية… وعلماء السياسة يُفيدون من خلال علمهم وخبراتهم أي مجتمع في ما يبذله من جهود في مجال الدعوة، بغية كفالة إبراز حقوق الإنسان على النحو الذي يتلاءم مع التعديلات الدستورية أو الدستور الجديد، أو إدراج الحماية المؤسساتية المناسبة لحقوق الإنسان.

منطقياً وسنداً لعلم السياسة، هناك أسئلة يطرحها الباحثون، منها مثلاً: هل يضمن أي دستور مُصاغ ومُشرّع لأي شعب حقوقه الإنسانية في أي بلد ما؟ وهل تتصرف السلطات القائمة وفقًا للدستور أم تنتهكه؟ وهذان سؤالان من أكثر الأسئلة التي تُطرح على طاولة البحث عند استعراض الحالة العامة في بلد ما، كما يعكسان المكانة المركزية التي يحتلها الدستور في حياة الشعوب والدول. كما يؤشر علم السياسة إلى أنّ معظم الدول الديموقراطية تستند إلى نظم قانونية ممزوجة بهيكل هرمي من القوانين، يأتي الدستور في طليعتها. كما يعتبر القانون الدستوري أنّه يتعيّن أن تكون كل قوانين الدولة وتدابيرها القانونية الأخرى متفوقة ومنسجمة مع الدستور القائم. أما في حالة ما إذا كانت دولة ما صاغت قانوناً أو إجراء قانونياً يتعارض مع الدستور، ينبغي في هذه الحالة أن تعلنه المؤسسة القضائية المختصة باطلاً ولاغياً.

إنّ حقوق الإنسان مطلوبة في صلب أي نظام دستوري لأي دولة ديموقراطية، كما انها لا تُحدِّد العلاقات بين الأفراد والجماعات والدولة فحسب، بل تسري أيضاً في هيكلية الدولة ومراكز صنع القرار والرقابة. وقانونياً شرعة حقوق الإنسان تشكّل جزءاً لا يتجزأ من أي دستور حديث، علماً أنّه في الوقت نفسه غالباً ما تكون الثغرات في أعمال حقوق الإنسان على الصعيد المحلّي سواء أكان الحقوق الفردية أو الحقوق الجماعية عند الاقتضاء، نابعة من جانب القصور في مجال القانون الدستوري.

عموماً، يجب على المُشرّعين التركيز على وفرة التجارب الدولية المقارنة. وقانونياً، على المُشرِّع صَوغ دستور يحفظ المؤسسات بنحو منطقي قانوني. وفي العادة، تُقدِّم الأمم المتحدة وحتى المنظمات الإقليمية والحكومات وبعض مراكز الأبحاث المتخصصة، المساعدة المؤسسية في مختلف أطر التعاون. وفي حالة عدم حصول تلك المساعدة، فعلى المثقفين السعي للحصول على مساعدة الخبراء في عمليات البحث والإصلاح الدستوري.

ومن المفيد في مكان الإستفادة من المبادئ الأساسية في شأن الدراسات الدستورية، أي مثلاً، اغتنام الفرص لدرس أوضاع بعض البلدان التي تشهد حالات نزاع، وبعض البلدان التي تمرّ في مرحلة نزاع، حيث من الضروري أن يتيح التعديل الدستوري فرصاً علمية موضوعية مبنية على أسُس قانونية دستورية، لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع الحاصل وإيجاد حل مُستدام. فالتعديل الدستوري مبدئياً يرتكز على حقوق الإنسان التي هي الباب لأي إصلاح صادق. كما التعديل الدستوري هو بمثابة التشجيع للامتثال للقواعد والمعايير الدولية، حيث يكون التعاون مفيداً ومعززاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي أقرّها القانون الدولي للمجموعات التي تتعرّض أو تعرّضت للحروب أو التهميش…

تُعتبر الأسباب الموجبة للتعديلات الدستورية عاملاً مُساعداً في صناعة هذه التشريعات، حيث يتمّ فيها وضع المبادئ الأساسية والأطُر العامة التي يتضمنها التشريع الجديد. كما وفقاً للعلم السياسي تتضمّن الدوافع والمبررات الواقعية والقانونية التي توجب اقتراح هذا التعديل، حيث تُقدّم الأسباب لإقناع صانعي القرار باعتماد النص المقترح. دستورياً وقانونياً، إنّ درس الأثر التشريعي هو طريقة علمية لتوضيح الخيارات المتاحة أمام كل من الحكومة والمجلس النيابي، كما يُمكن أن تتضمّن دراسة الأثر، على سبيل المثال لا الحصر، طبيعة الصعوبات المطلوب إيجاد حلول لها، حسنات ومساوئ التشريع الجديد، تقديم مُفصّل للنتائج المرتقبة من التشريع المطروح.

كتبت الدكتورة نايلة جعجع، الباحثة في المركز اللبناني للدراسات LCPS: «حان الوقت لتصويب الأمور والخروج من دوّامة التعطيل، ويقتضي ذلك مقاربة الفترة التي نمرّ بها من زوايا مختلفة، وكل مرحلة تفترض مقاربة، وليس من شأن مقاربة أن تستبعد الأخرى. الجهوزية هي العنوان الأول للتعديلات الدستورية. ونعم يجب المطالبة باحترام الدستور والإستحقاقات والمِهل. ونعم يجب المشاركة المباشرة، ولو كان الغرض من هذا الأخير يقتصر على استعادة آمالنا وتأكيد تصميمنا على مشاركة فاعلة وتمثيل محق في الحياة العامة». نعم التعديلات الدستورية مطلوبة وبإلحاح.

يُجمع علماء السياسة على مبدأ تسليط الضوء على أهمية إجراء تعديلات دستورية في دولة ما ذات سيادة ناجزة. إذ انّ بعض الدول في حاجة ماسّة إلى إجراء بعض التعديلات على دساتيرها، بسبب بعض الثغرات التطبيقية التي تُصادفها أثناء ممارسة السياسة وفقاً للعلم السياسي. ومن الملاحظ أنّ غالبية الدول الديموقراطية تعمد في كثير من الأحيان إلى إجراء بعض التعديلات الدستورية ولكن وفق آلية منظّمة، كما في بعض الحالات يضطر المُشرّعون إلى إعادة صوغ دستور ما بطريقة جديدة تُحاكي الواقع القائم للبلاد، ويُعزى أمر التعديل إلى أسباب عدة، منها على سبيل المثال، إعادة تحديد توزيع السلطة السياسية ديموقراطياً، والغاية من هذا الأمر تشريع دستور أكثر ديموقراطية وتحسين كما تطوير آليات ضبطه وكفالة استجابة نصوصه لرغبات المواطنين بنحو أفضل. كما يُشير العلم السياسي إلى إمكانية إجراء تغيير دستوري بعد فترة من النزاعات، بهدف إنشاء أو إحداث نظام دستوري جديد يُراعي طبيعة المرحلة التي تلي النزاعات التي كانت قائمة، والهدف من الإحداث هذا هو المضِيّ قدُماً في تهيئة مجتمع أكثر إنصافاً.