IMLebanon

المايسترو… والكومبارس! (بقلم رولا حداد)

انشغل اللبنانيون بمتابعة تفاصيل مسرحية الجلسة النيابية التي خُصّصت لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الجمعة ومن ثم مناقشتها في جلسة ثانية السبت. وما إن انتهت جلسة السبت حتى انبرى البعض لتسجيل انتصارات وقراءة هزائم في معركة هامشية سخيفة حول صلاحيات وحصص، وحول من يستطيع أن يسجّل نقاطاً في خلاف لا علاقة للمصلحة الوطنية العليا به!

لا يعنينا كلبنانيين التناتش على الصلاحيات، لأننا ندرك أساساً أن تشكيل أي حكومة في ظل المعادلات القائمة لن ينفع، ولا تعنينا محاولات إلهاء اللبنانيين التي تحصل لتحقيق هدف “شدّ العصب” المتبادل طائفياً بين أركان منظومة متهالكة. فالواقع كما هو يشير إلى أن كل أركان المنظومة يخدمون سياسة “حزب الله” وأهدافه سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة.

وفي الصراع حول تشكيل حكومة جديدة في لبنان نجح “حزب الله” بتجنيد حلفائه وشركائه في هذه المنظومة من أجل تحقيق هدف وحيد: عدم السماح بولادة أي حكومة جديدة في لبنان قبل الحصول على ضوء أخضر إيراني واضح لتسهيل التشكيل في مقابل عدم تحميل “حزب الله” أي مسؤولية عن التعطيل القائم!

وهذا ما حصل بامتياز. “حزب الله” جلس بالأمس في الجلسة النيابية على مقاعد المتفرجين، والرئيس نبيه بري حاول أن يلعب دور الحكم بين الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل في حين تولّى الأخيران لعب أدواراً ثانوية في مسرحية تعطيل التشكيل لمصلحة المايسترو الكبير والوحيد” “حزب الله”!

فالحزب يمسك بكل الأوراق في وقت واحد، ويحرّكها تماماً كما تتحرّك الدمى في مسرح الدمى. الحزب لا يتخلّى عن دعم رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل اللذين يؤمنان الغطاء المسيحي المتهالك للحزب، وفي الوقت نفسه يصرّ الحزب على التمسّك بتكليف الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، والهدف واضح: الإبقاء على الوضع الحكومي في وضعية “لا معلّق ولا مطلّق” بانتظار اتضاح صورة المفاوضات من فيينا إلى بغداد!

ولهذا الهدف عمل “حزب الله” بمعاونة ذكية من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تبنى عملياً مضمون كلمة رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة”، على التمديد لفصل جديد من التعطيل عبر تكريس “توازن القوى” بين بعبدا وبيت الوسط من خلال ما يشبه إعادة التأكيد على تكليف الحريري في جلسة مناقشة رسالة عون، والتذكير بضرورة التوافق بين الرئيسين لتشكيل الحكومة، وهو ما يشبه التأكيد على الإبقاء على شد الحبال لضمان استمرار التعطيل!

وفي حين يتبارى باسيل والحريري في استمالة “حزب الله” كلّ إلى خندقه، لا يسعى الحزب إلى إرضاء أي من “حليفيه” الموضوعيين، ويصرّ على إبقاء التوازن القائم ومنع أي فريق من حسم معركة التشكيل، فيحافظ بالتالي على التحاق الجميع ضمن سياسة الحفاظ على الشلل وإغراق البلد في مزيد من الانهيار من جهة، كما بمزيد من التفرقة بين الأطراف السياسية، بما يسمح له بالمزيد من السيطرة على كل مفاصل القرار في انتظار الضوء الأخضر الخارجي!

باختصار شديد، يجيد “حزب الله” أداء دور المايسترو الناظم للحياة السياسية في حين يكتفي الآخرون بلعب دور الكومبارس فرحين بتسجيل نقاط إعلامية لا تُغني ولا تُخرج من واقع الانهيار.