IMLebanon

“هدوء ما بين العاصفتين” بعد “منازلة الرسالة”

كتب من وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

سؤالٌ شغل بيروت أمس، وبدا من الصعب الإجابة عنه في ضوء الارتدادات الكبيرة التي ترتّبتْ على جلسةِ مناقشةِ رسالةِ رئيس الجمهورية ميشال عون التي وجّهها الى البرلمان في ما خص الأزمة الحكومية تكليفاً وتأليفاً، والتي تلقّفها الرئيس المكلف سعد الحريري مطْلِقاً «هجوماً مضاداً شاملاً» غير مسبوق، فيما أعاد مجلس النواب وبحنكةٍ من رئيسه نبيه بري «كرة النار» التي رُميت في ملعبه، نازعاً أي إمكان دستورياً، اليوم أو غداً، لسحْب التكليف من زعيم «تيار المستقبل»، وحافِظاً ماء وجه الرئاسة الأولى بالطلب من الحريري تشكيل الحكومة سريعاً «بالاتفاق مع رئيس الجمهورية».

ورغم العصْف الذي أحدثتْه خصوصاً مواقف الحريري التي بدت «بلا سقف» في معرض تثبيت كل لاءاته في ما خص التأليف وإعطاء «معركة» عون وفريقه بوجهه عنوان «يريدون التخلص مني» (من تكليفي)، لم يكن ممكناً استشراف ما بعد «الاندفاعة الدفاعية الشرسة» للرئيس المكلف ولا الردّ المحتمل عليها من رئيس الجمهورية، ولا حظوظ نجاح بري في تحويل وضْع عون والحريري «أوراقهما الثقيلة» على الطاولة إلى فرصةٍ للبناء عليها لكسْر مأزق التشكيل.

ورغم ما ظهّره مضمون مطالعة الحريري النارية، وقبْلها مواقف رئيس «التيار الحر» جبران باسيل الهادئة في الشكل والمتصلبة في المضمون، من أن الاستعصاءَ مستحكمٌ في ما خص جوهر الأزمة وشروط التأليف ومعاييره، فإن أوساطاً مراقبة استوقفها ما بدا أنه «تَريُّثٌ» من فريق عون في رفْع منسوب الاشتباك الى «المستوى الثقيل» الذي اعتمده الحريري، رغم إجراء قناة «او تي في» (التابعة للتيار) مقارنةً بين كلمتيْ الرئيس المكلف وباسيل خلصت فيها الى أن «نية الحريري مكشوفة بعدم تشكيل حكومة، ولا تحرير التأليف من الاحتجاز والخطف»، وصولاً لكلام المستشار السياسي والإعلامي لرئيس الجمهورية انطوان قسطنطين عن أن عون «لا يحتاج لبراءة ذمة، فالهروب الى الأمام لا ينفع والسلبية نهج هدام (…) وانتظرنا منك طرحاً إيجابياً، فإذا بنا للأسف أمام رئيس حكومة مكلف، لكنه بألف عقدة مكبّل».

وفي رأي الأوساط أن الساعات المقبلة ستكون كفيلةً بتظهير «الخطوة التالية» لعون، وإذا كان كلام «أو تي في» عن «طلب تواصل مع باسيل من رئيس مجلس النواب، وللمرة الأولى منذ فترة طويلة، فعسى أن يكون ذلك مؤشر خير للمستقبل»، معطوفاً على دعوة رئيس «التيار الحر»، الرئيس اللبناني لعقد طاولة حوار يتصدّرها بند تشكيل الحكومة، هو في سياق محاولةٍ لاستدراج لقاء مع الحريري ولو تحت مظلة حوارٍ جامِع، وتالياً يعكس استشعاراً من فريق رئيس الجمهورية بضرورة التراجع خطوةً أمام عقوبات أوروبية باتت قاب قوسين.

وفي حين تَعتبر دوائر مطلعة أن من الصعوبة بمكان تَصَوُّر «انكفاء» عون بوجه ما بدا «انتفاضةً حريرية»، تدعو إلى رصْد ما بعد «ردّ الاعتبار» الأكثر وضوحاً الذي قام به الرئيس المكلف، بامتداداته السياسية والدستورية كما ذات الصلة بوضعيّته الشعبية، وهل قام الحريري بهذه الخطوة الكبيرة لتثبيت «الخطوط الحمر» في التأليف وتالياً تركيز أقدامه كرئيس مكلف أم أنه يعطي إشاراتٍ مرّمزة إلى أن هذه هي «الفرصة الأخيرة» أمام حكومةٍ بشروطه، وإلا ترْك الآخَرين «وجهاً لوجه» أمام الانهيار الجارف تفادياً لـ «انفجار» برميل بارود هذا بين يديْه وفي مستقبله السياسي كما في البلد.

وعلى وقع هذه المناخات، أطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي موقفاً بارزاً من الملف الحكومي اعتبر فيه أنه «لم تعد الأعذار تقنع أحداً ولا الذرائع تبرر استمرار تعطيل تأليف الحكومة وكأن التشكيل في إجازة مديدة».

وقال: «استنزف المسؤولون الدستور حتى جعلوا نصه ضد روحه، وروحه ضد نصه، والاثنين ضد الميثاق.

أي دستور يجيز هذا التمادي في عدم تأليف حكومة؟ وأي صلاحيات تسمح بتعليق مؤسسات الوطن؟ وأي مرجع قانوني أو دستوري يبيح التنافس على التعطيل»؟ وأضاف: «ندعو مباشرة دولة الرئيس المكلف إلى المبادرة، نعم إلى المبادرة، وتقديم تشكيلة محدثة إلى فخامة رئيس الجمهورية في أسرع وقت، والاتفاق معه على الهيكلية والحقائب والأسماء على أساس من معايير حكومة من اختصاصيين غير حزبيين لا يهيمن أي فريق عليها.

وإذا لم يتفقا في ما بينهما، فليستخلصا العبر ويتخذا الموقف الشجاع الذي يتيح عملية تأليف جديدة».

وفتح الراعي للمرة الأولى بهذا السقف ملف النزوح السوري، منطلقاً من الإشكالات في أكثر من منطقة لبنانية التي رافقت يوم الانتخابات الرئاسية السورية للمقيمين في الخارج (الخميس الماضي) خصوصاً «الاشتباك الذي حصل على أتوستراد نهر الكلب بين بعض من اللبنانيين والنازحين السوريين المتجهين إلى صناديق الاقتراع الرئاسي، وسببه الاستفزاز لمشاعر اللبنانيين في منطقة تعج بشهداء سقطوا في المعارك مع الجيش السوري، وفيما لا يزال ملف المعتقلين في السجون السورية مجهولاً».

وقال: «معروف أن لبنان قام بأكثر من واجباته حيال النازحين السوريين وهم شعب شقيق.

وتقاسم اللبنانيون وإياهم المسكن والمأكل والمشرب والمدرسة والجامعة والعمل.

ليس مقبولاً أن يبقى النازحون السوريون هنا بانتظار الحل السياسي الناجز للأزمة السورية (…) فلا المنطق ولا تركيبة لبنان التعددية يسمحان بذلك.

بقدر ما كان واجب لبنان احتضان النازحين السوريين أثناء الحرب، وبات واجب النازحين اليوم أن يعودوا إلى بلادهم، وقد انحسرت الحرب وتوسعت المناطق الآمنة وصاروا مواطنين سوريين عاديين لا نازحين».

وتابع: «دعوتنا هذه لا تنمّ عن أي روح عدائية، بل عن شعور بالمسؤولية تجاه وطننا لبنان.

ولم يعد هناك مبرر لبقاء نحو مليون ونصف مليون نازح، ومنافستهم اللبنانيين في كل المناطق على لقمة العيش والعمل والتسبب بجزء من فلتان الأمن والجريمة.

وفي هذا الإطار، نطالب الدولة السورية بأن تتفهم الوضع اللبناني وتفتح جدياً باب العودة الآمنة والكريمة لمواطنيها.

ونطالب الدولة اللبنانية، بأن تتخذ الإجراءات العملية لتحقيق هذه العودة الآمنة سريعاً، فلا يكفي التصريح بذلك من دون تنفيذ خطة لإعادة النازحين (…) نرغب حقاً بعيش الأخوة الإنسانية على أساس من العدالة والحقيقة والاحترام المتبادل والسلام في كل أبعاده».

وفي موازاة ذلك، كانت تداعيات يوم الانتخابات السورية تحضر في احتفال أقامه «الحزب السوري القومي الاجتماعي» في منطقة الحمراء – بيروت لمناسبة الذكرى السنوية لتحرير الجنوب، وتخللها تهديد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بأن يلقى مصير الرئيس السابق للجمهورية بشير الجميل الذي اغتيل العام 1982 (على يد «القومي» حبيب الشرتوني) عبر هتافات «طار راسك يا بشير، جايي دورك يا سمير».

كما شهدت ساحة الشهداء في وسط بيروت، مسيرة احتفالية بانتهاء الحرب في قطاع غزة، بين حركة «حماس» وإسرائيل.

ومن خلف غبار كل هذه العناوين، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أنها عقدت مع الجيش اللبناني مؤتمرهما الافتتاحي لموارد الدفاع في 21 مايو 2021، «حيث جددت الخارجية التزامها للجيش من خلال الإعلان عن 120 مليون دولار في شكل مساعدات تمويل عسكري خارجي إلى لبنان للسنة المالية 2021، وفق إجراءات إخطار الكونغرس، وهو ما يمثل زيادة مقدارها 15 مليون دولار على مستويات العام الماضي».

وأضاف البيان أن الاجتماع عقد افتراضياً حيث ترأس الوفد الأميركي المسؤول الأول عن مراقبة التسلح والأمن الدولي إليوت كانغ، فيما ترأس وفد الجيش اللبناني قائده العماد جوزف عون، موضحاً «ان الاجتماع سلّط الضوء على قوة الشراكة بين الولايات المتحدة والجيش، وناقشا سبل تعزيز التعاون الأمني.

كما جدد المشاركون استكمال خريطة طريق المساعدة الأمنية غير الملزمة لمدة خمس سنوات والتي تعمل على مواءمة الدعم الأميركي السنوي المتوقع للجيش مع الأولويات المشتركة في مكافحة الإرهاب وأمن الحدود».

وتابع «لبنان يُعدّ واحداً من أكبر المتلقين للمساعدة الأمنية من وزارة الخارجية على مستوى العالم، وان الوفدين ناقشا تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية والإنسانية التي يعانيها اللبنانيون والعسكريون.

كما ناقش الوفدان سبل الاستفادة من النطاق الكامل للسلطات بموجب القانون الأميركي والتي يمكن للولايات المتحدة من خلالها تقديم مساعدة إضافية للجيش في الوقت الذي يصارع فيه الأزمات الاقتصادية في لبنان».