IMLebanon

المأزق الحكومي في لبنان… مَن يكسر المراوحة؟

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

الكرة في ملعب الرئيس سعد الحريري. فماذا سيفعل بعد «تجديد تكليفه» تشكيل الحكومة من مجلس النواب والذي حَمَلَ بين سطوره دعوةً لإحياء محاولات التأليف مع «تحديثاتٍ» على المسار الذي كان اعتمده في الأشهر السبعة الماضية ولم يوصل إلى «اتفاق» مع رئيس الجمهورية ميشال عون يُترجم بتوقيع مرسوم التشكيل؟

هذا السؤال طغى على المشهد السياسي في بيروت أمس مع ارتسام مسعى لتحويل «تذخير» تكليف الحريري، وفق ما انتهتْ إليه مناقشةُ رسالةِ عون في البرلمان حول مأزق التأليفِ، إلى عاملِ ضغطٍ على الحريري أو «حَشْرٍ» له لتسييل ما «سلّفه» إياه مجلس النواب على شكل صيغة حكومية جديدة يقدّمها إلى عون تنطلق من المبادرة التي كان أطلقها الرئيس نبيه بري على قاعدة تشكيلة الـ 24 وزيراً وفق توزيعة الثلاث ثمانيات أي بلا ثلث معطّل لأي فريق.

فبعدما اتجهتْ الأنظارُ في الساعات الـ 72 التي أعقبتْ جلسةَ المناقشةِ إلى «الردّ» الذي سيقوم به عون وفريقه على خروج الحريري من البرلمان فائزاً بنقاطٍ ثمينة بدا معها وكأنّه عوّض بـ «تسديدة» واحدة كل «الضربات» التي تلقّاها، بالشخصي والسياسي في الأشهر الماضية، لاحتْ مؤشراتُ حضِّ «متناغِم» للرئيس المكلف على الخروج من «حلقة الـ 18 وزيراً»، وهي التشكيلة التي كان وضعها في عهدة عون ورفَضَها الأخير، والذهاب الى عملية «محاكاةٍ» لصيغة الـ 24، على أن يترافق ذلك مع محاولة يُطْلِقها بري لتدوير زوايا عقدتيْن معلَنتيْن تعترضان هذه الصيغة:

الأولى تتعلّق بوزيريْن مسيحييْن (من الـ 12) ومَن يسمّيهما واستطراداً مِن حصة أي فريق سيكونان (خارج حصتيْ عون والحريري) لأن هذه النقطة تطلّ على الثلث المعطل المباشر أو المقنّع الذي يرفضه الرئيس المكلف، كما على النصف زائد واحد الذي يثيره فريق رئيس الجمهورية.

والثانية بحقيبتيْ الداخلية والعدل وهل يقبل زعيم «تيار المستقبل» بالتنازل عنهما لمصلحة عون.

واستوقف أوساطاً واسعة الاطلاع أن التزخيمَ المرتقب من بري لمحرّكاته والذي واكبه أمس بإعلان «اننا أمام فرصة أخيرة سقفها الأعلى أسبوعان على الأكثر لإيجاد حل يُفضي سريعاً لتشكيل حكومة انقاذية والّا ستصبح الأمور أكثر تعقيداً»، يتقاطع مع الموقف البارز الذي أطلقه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الأحد ودعا فيه الحريري للمبادرة «وتقديم تشكيلة محدّثة» إلى عون «والاتفاق معه على الهيكلية والحقائب والأسماء على أساس معايير حكومة اختصاصيين غير حزبيين لا يهيمن أي فريق عليها.

وإذا لم يتفقا، فليستخلصا العِبر ويتّخذا الموقف الشّجاع الذي يتيح عملية تأليف جديدة».

وفيما فُسِّر كلام الراعي عن «الموقف الشجاع» على أنه إشارة ضمنية إلى اعتذار الحريري، قرأتْه الأوساط المطلعة على أنه من باب تأكيد البطريرك على مسؤولية الرئيس المكلف في اقتراح المَخارج تحت سقف التكليف لتسهيل التأليف وسط انطباعٍ بأن بكركي تلقّت الهجوم «الكاسح» من الحريري على عون أمام البرلمان على أنه لا يساعد لتحقيق هدف «أكل العنب وليس قتْل الناطور»، في حين اكتفت مصادر غير بعيدة عن البطريركية المارونية بالتعليق لـ «الراي» إن ما قاله رأس الكنيسة عن الموقف الشجاع يمكن تفسيره على أنه يعني إعادة عملية التأليف وقواعده إلى الصفر من دون إسقاط إمكان تفسيره «بهذا الاتجاه أو ذاك».

وإذ تَعتبر الأوساط نفسها أن هذا المناخ من شأنه أن يوفّر فسحةً تجعل فريق عون «يتريّث» في أي خطواتٍ، وإن كان هامشها محكوماً باعتباراتٍ تمنع الذهاب الى خياراتٍ على طريقة «لحس المبرد»، فإنها ترى أن صعوباتٍ عدة تعترض صيغة الـ 24 أبعد من مسألة الوزيرين المسيحييْن وإمكان أن تسميهما مرجعية داخلية (مثل بكركي الذي يرفض التورط بأي تسميات) أو خارجية (مثل فرنسا ومصر).

وتشير الأوساط في هذا الإطار الى أن الحريري يحتاج إلى ضماناتٍ تبدأ بأن تَراجُعه الرسمي عن صيغة الـ 18 لن يكون على قاعدة «خُذْ وطالِب بالمزيد» بمعنى أن يستجرّ ذلك شروطاً من عون وفريقه تتعلّق بالحقائب ومحاولة الحصول على الثلث المعطّل بطريقة مقنّعة، وليس انتهاءً بمسألة آلية تسمية الوزراء التي يَظهر خلاف كبير حولها بين رئيس الجمهورية الذي يصرّ على أن تكون لأسماء الوزراء الاختصاصيين غير الحزبيين «مرجعية تسمية» (سياسية)، بما يعني وزراء تكنوقراط بـ «قبعة سياسية» أي حكومة محاصَصة تستنسخ تجربة حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة، في مقابل إصرارِ الحريري على وزراء يقترحهم هو وفق معيار «البُعد عن الحزبيّة من دون أن يعادوا أياً من الأحزاب» وبما يوفّر للحكومة انطلاقةً متجانسة ومقوّمات «القبول» من المجتمع الدولي.

علماً أن هذه العقدة يشكّل «حزب الله» أيضاً محوراً رئيسياً فيها وإن عن بُعد حتى الآن.

وفي موازاة ذلك، بقيت باريس محط الأنظار متابَعَةً لزيارة قائد الجيش العماد جوزف عون الذي باشر لقاءاته في وزارة الدفاع الفرنسية مع الوزيرة فلورانس بارلي، بعدما كان زار كلية الدفاع واجتمع بنظيره الجنرال Francois LECOINTRE، وسط تقارير تحدثت عن سلسلة لقاءات أخرى له في العاصمة الفرنسية التي يصادف أيضاً وجود رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط فيها مع عقيلته في محطةٍ يرجَّح أن تكون مُناسَبة يطلع خلالها بطريقة أو أخرى على الأجواء الفرنسية حيال الأزمة الحكومية.

ولم تحجب مجمل العناوين السياسية «هدير» المواجع والفواجع التي تتزايد مظاهرها في بلدٍ وكأنه يُراد له أن «ينازِعَ» في انهياره القاتِل حتى من دون مخدّر وأن «ينطفئ»… تحت ستار الظلام.

ولم يكن عادياً في الوطن الذي تبدو الحياة فيه وكأنها تنزلق الى ما هو أبعد من موت سريري، أن يطلّ ما يشبه «الوجع العاري» بأقسى صُوَره.

فآخِر الآلام التي لا حدود لها «قفزت» من الصرخات التي «تستغيث» لفقدان البنج من غرف العمليات في المستشفيات، ما يجعل العمليات الجراحية مستحيلةً أو أشبه بـ «عمليات تعذيب» في بلادٍ كانت مستشفى العرب وقلبهم النابض.

وهذه «الفاجعة» الطبية، عبّر عنها نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون الذي وجّه نداء إلى المسؤولين محذراً من وقف إجراء العمليات الجراحيّة على أنواعها وحتى الطارئة منها، بسبب انقطاع أدوية البنج، مناشداً المسؤولين الإسراع إلى حل هذه «الكارثة» لإنقاذ المرضى من هذا الخطر المُحدق بحياتهم.

وقال (لوكالة الأنباء المركزية):«المستشفيات تعاني واقعاً خطيراً منذ أسبوع وحتى اليوم، مرشّحا للاستمرار أياماً عدة… ويتمثل بانقطاع أدوية (البنج) Propofol والـEsmeron»، مؤكداً«من دون هذين النوعين من الدواء يصبح من المستحيل إجراء العمليات الجراحية، ولذلك تجد المستشفيات نفسها ملزَمَة بتعليق العمليات… أما في ما خَصّ المخزون المحدود جداً الموجود لديها، فتتركه للعمليات الطارئة».

وعلى الخط الكارثي نفسه الذي يُقابَل اليوم الأربعاء بإضراب دعا إليه الاتحاد العمالي العام على وقع استمرار«انسحاق»العملة الوطنية أمام الدولار الذي سجّل أمس 13 ألف ليرة في السوق المُوازية، فإن ما نجا من بقايا حياةٍ في مرفأ بيروت (بعد الانفجار الهيروشيمي في 4 اغسطس الماضي) يكاد أن يلفظ أنفاسَه في العتمة، بعدما أصاب الكسوف نور الدولة وكهرباءها، وتسبّب الانهيار المتدحرج وشّح الدولار في أزمة محروقاتٍ (بنزين ومازوت وفيول) تتسع رقعة«ضحاياها».

وفي هذا الإطار، جاء تنبيه نقابة الوكلاء البحريين إلى أنّ«انقطاع الكهرباء المكثّف عن مرفأ بيروت سينتج عنه كارثة مالية واقتصادية تتمثل بتلف البضائع المبردة في ما يقارب 500 حاوية غالبيتها من فئة 40 قدماً، تحتوي على أدوية وأغذية ولحوم قيمتها عشرات ملايين الدولارات»، لافتة إلى أنّ«الواقع الخطير القائم يضرب محطة الحاويات وعملاءها من مستوردين ومصدّرين وخطوط ملاحية يستدعي من وزير الوصاية ميشال نجار اتخاذ كافة القرارات الضرورية والحصول على دعم الحكومة الحاسم لتأمين الكهرباء من دون انقطاع عن محطة المرفأ كما كان مؤمناً في الأشهر السابقة»، مضيفة أن«مخزون المازوت الحالي في خزانات المرفأ قد لا يكفي حتى نهاية اليوم (الاربعاء)، وبالتالي ترفع نقابة الوكلاء البحريين الصرخة إلى جميع المعنيين لتأمين أدنى مقومات الصمود والاستمرار لمرفأ العاصمة في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد وذلك خدمة للمصلحة العامة».