IMLebanon

“تدافع” بين عون والحريري… ونصرالله “كلّف” بري الملف الحكومي

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:

تتعاظم مَظاهِرُ الانهيارِ في لبنان، الوطنُ المنكوب الذي لم يؤدِّ الإضرابُ الاحتجاجي الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام أمس إلى أكثر من شلّ عمل المؤسسات والإدارات المشلولة أساساً تحت وطأة «تسونامي» الأزمات على المستويات المالية والاقتصادية والنقدية والاجتماعية.

ولم تحرّك الاحتجاجات التي جاءت خجولةً حرفاً واحداً من المأزق السياسي العاصف الذي يسترهن البلادَ مع احتجاز الصراع المحلي – الاقليمي تشكيل الحكومة التي ما زالت أسيرةً في لعبةٍ مفتوحة على ترويض التوازنات السياسية في الداخل وعلى مشاريع ترسيم النفوذ في الإقليم.

وحدها زيارة قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون لباريس جاءت مدجَّجة بالرمزيات التي بدا من المبكر التكهّن اذا كان بالإمكان «البناء عليها» خصوصاً بعدما توّج «اجتماعاته العسكرية» بلقاء «استثنائي» و«فوق عادي» مع الرئيس ايمانويل ماكرون جرى خلاله عرْض «وضع الجيش والتحديات التي يواجهها في هذه المرحلة».

وفيما اكتفت المعلومات التي نُشرت عن اللقاء بالقول إن «ماكرون شدد على أهمية دعم الجيش اللبناني لِما في ذلك من استقرار للبنان»، فإن حصول اللقاء شكّل حدَثاً على أكثر من مستوى بعد ما تعرّضت له مبادرة الرئيس الفرنسي ذات الصلة بـ «حكومة المهمة» الإصلاحية من انتكاساتٍ عدة انتقلتْ معها فرنسا إلى «عصا» العقوبات (من نوع حظْر الدخول إليها أو تجميد أرصدة) التي قالت باريس إن مسارها انطلق على شخصيات لبنانية (لم نكشف أسماءها بعد) وتعتبرها معرقلة لمسار التأليف أو متورطة بالفساد، وهي العقوبات التي باتت قاب قوسيْن من أن تصبح أوروبيّة ولو على «صعيد وطني» لغالبية دول الاتحاد.

واكتسب استقبال ماكرون للعماد جوزف عون دلالة خاصة في ظل ما عكستْه زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان لبيروت أخيراً من تعاطي باريس مع الطبقة السياسية على أنها «مارقة» وتظهير رهانها الواضح على المجتمع المدني ومجموعاته لقيادة التغيير عبر الانتخابات النيابية المقبلة «وفي موعدها» (بين مارس ومايو 2022)، وسط اعتبار الأوساط السياسية أن مثل هذا الاستقبال «الخاص» لقائد الجيش سيؤشر إلى «الثقة» الفرنسية والدولية بالمؤسسة العسكرية وقيادتها، وهي الثقة التي لا يُستبعد أن تثير حساسياتٍ ذات صلة بالانتخابات الرئاسية المقبلة (خريف 2022) التي باتت العقوبات تحاصر مرشحي «الصف الأول» إليها (كما مع باسيل) فيما لا يغيب عن كل استحقاقٍ رئاسي طيْف الجنرالات.

وأتت هذه الزيارة على وقع مؤشراتٍ تشي بأن التدافع الخشن بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه وبين الرئيس المكلف سعد الحريري «باقٍ ويتمدد» فوق حلبة الملف الحكومي.

ولم يكن عابراً أمس أن يسارع الحريري إلى مقاربة «تحضير الأرضية» لإطلاق جولة جديدة من مساعي تأليف الحكومة الجديدة مُعاوِداً رسْم «خطوط حمر» لن يزيح عنها و «واضْعاً الإصبع» على ما يَعتبره «أصل المشكلة» أي «محاولات الانقلاب على الطائف والعودة بعقارب الساعة الى الوراء ثلاثين عاماً» ومتوجهّاً لـ «أي جهة أو قيادة» تطالبه «بتقديم تشكيلة حكومية جديدة لرئيس الجمهورية» من باب «تطلّعها لخروج البلاد من النفق السياسي المسدود» بأنه «لن يتأخّر عن المبادرة الى مَخْرَجٍ يقوم على المعايير الدستورية فقط».

وبدا موقف الحريري الذي جاء على لسان «مصدر نيابي بارز» علّق عبر موقع «مستقبل ويب» على «التطورات الحكومية بعد الجلسة الأخيرة لمجلس النواب» بمثابة رسالةٍ متعدّدة الاتجاه على خلفية ما يشبه محاولات «حشْره» – التي برزت منذ «تجديد الثقة» به في البرلمان – في زاوية المسؤولية عن إعطاء «الطلْقة الأولى» لمسار كسْر المأزق عبر تشكيلة محدّثة من 24 وزيراً (عوض الـ 18 التي سبق أن قدّمها)، وصولاً إلى «تكليف» الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله شريكه في الثنائية الشيعية رئيس البرلمان نبيه بري «إدارة مَخْرج للأزمة» كوسيط بين عون والحريري باعتبار أن عدم «قيامهما بالجلوس معاً ساعات وأياماً للاتفاق على تشكيل الحكومة» يستدعي «اللجوء الى صديق ثالث للمساعدة (بري)».

وفيما استوقف أوساطاً سياسية في الكلام الحكومي لنصر الله «تثبيته» بقاء عون في الرئاسة حتى نهاية عهده والحريري كرئيسٍ مكلّف وذلك رداً على ما قال إنه مطالبات باستقالة الأول أو بـ «تَزامُن الاستقالتين» معتبرةً أن إعلان رفْض استقالة عون غير المطروحة أساساً هو لـ «التمويه» والتخفيف من الوقع الذي يَحْمله التمسّكُ بتكليف زعيم «المستقبل» على حليف نصر الله رئيس الجمهورية وفريقه، لاحظتْ في كلام المصدر النيابي البارز المعبّر عن موقف الحريري ما بدا ربْطاً لأي مبادرة يقوم بها بضماناتٍ مسبقة تتصل بـ «المعايير».

وإذ عبّر عن هذا البُعد تأكيد المصدر «ان معايير الرئيس عون و(رئيس التيار الوطني الحر) جبران باسيل لم تتبدل، ومصير أي تشكيلة سيكون كمصير التشكيلة الموجودة في بعبدا، وعليه ليست مهمة رئيس الحكومة طرْح صلاحيات رئاسة الحكومة في البازار السياسي وتحويل الرئيس المكلف صندوقة بريد للمحاصصة الحزبية»، فإن البارز أيضاً وفق الأوساط السياسية أن الحريري أكمل «جردة» الاتهامات التي وجّهها إلى رئيس الجمهورية وباسيل أمام البرلمان بل هو ذهب أبعد أمس في «بقّ البحصة»، ما بدا في جانبٍ منه أيضاً على خلفية مواقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الأخيرة التي «احتملتْ التأويل».

فالمصدر النيابي في «المستقبل» قال «من حق أي جهة أو قيادة تتطلع لخروج البلاد من النفق السياسي المسدود، أن تطالب الرئس الحريري بتقديم تشكيلة حكومية جديدة لرئيس الجمهورية (…) ولكن من غير المنطقي لأي جهة أن تتغاضى عن المعايير الخطيرة التي تحدث عنها باسيل بلسان الرئس عون في مجلس النواب»، مؤكداً «أن رئاسة الحكومة ليست حقل تجارب لمعايير عون وباسيل، لتكون جسراً تعبر عليه محاولات الانقلاب على الطائف».

وفي حين أشار إلى «أن الرئيس عون يطلب من الكتل النيابية تشكيل الحكومة، على أن يقتصر دور الرئيس المكلف التوقيع عليها»، قال: «والدستور أيضاً يقول بأن تمْثل الحكومة أمام مجلس النواب لتطلب الثقة، ولكن ثنائي العهد عون مع باسيل يريدان مثول الحكومة بأسمائها وحقائبها مسبقاً في قصر بعبدا بحجة توفير موجبات الثقة خلافاً للأصول والدستور».

وأضاف «ناسفاً» ضمناً الخيار الذي لوّح به باسيل بدعوته عون لعقد طاولة حوار يتمّ بَحْثُها رئاسياً: «الدستور يقول أيضاً بأن الرئيس المكلف يقوم بتشكيل الحكومة بعد الاستشارات النيابية وبالاتفاق مع رئيس الجمهورية، والرئيس عون يريد مع باسيل رفْع التأليف الى مؤتمر حوار وطني يناقش الوضع الحكومي والاصلاحات التي هي من صميم عمل مجلس الوزراء بالتعاون مع المجلس النيابي».

وتابع: «لقد تحمّل الرئيس الحريري طوال الأشهر الماضية سيلاً من الاستفزازات على لسان رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، وهو لن يفسح في المجال من جديد لأي محاولة تجعل من رئاسة الحكومة حقل اختبار لأهواء وطموحات جبران باسيل، والتغطية على المخالفات الدستورية الجاري تنظيمها في أروقة القصر.

إنهم يفتشون عن وسيلة تحصر دور المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وحتى القضائية، في النطاق السياسي لرئيس الجمهورية وحزبه، الأمر الذي لن يحصل تحت أي ظرفٍ من الظروف».

وإذا كانت هذه المواقف عكستْ ثبات الحريري على شروطه من التأليف واستطراداً «صموده» أمام أي محاولاتٍ لتطويقه واستدراجِه للخروج عن «دفتر الشروط» الذي يتمسّك به لحكومةٍ تعيد وصْل ما انقطع بين لبنان والمجتمعين العربي والدولي، فإن إشارةً أخرى من فريق عون أَبْرزتْ باكراً أن المسعى الذي يستعدّ بري لإطلاقه، وحدّد له مهلة أسبوعين «للإنجاز أو إلى الأسوأ دُر»، محكومٌ بصعوباتٍ كبيرة تؤكد أن مأزق التأليف أبعد من أن يكون مجرّد مشكلة لبنانية محض وفق توصيف رئيس البرلمان ونصر الله.

وتمثّلت هذه الإشارة في أجواء متقاطعة، الأولى نقلت عن «اوساط رئاسية» أن «الطابة في ملعب بري حتى نهاية الأسبوع في انتظار ما ستؤول إليه مساعيه» وأن «رئيس الجمهورية لن يقف مكتوفاً ولن يسمح باستنزاف المزيد من الوقت من حياة اللبنانيين وهو يرسم شيئاً ما سيتظهر بعد فترة في انتظار نتائج تَحرُّك بري»، والثانية وضعت معادلةً بأن ما بعد انتهاء «مهلة بري» مفتوح على إما التشكيل أو اعتذار الحريري، وأن الأخير لن يتمكّن من التأليف، مع تكرار أنه يعوّل على عناصر خارجية هي التي تعوق حركتَه حكومياً.

وفي موازاة ذلك، حَضَرَ ملف التهريب والإجراءات المُتَّخَذة لمكافحته ومواضيع حياتية في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع الذي ترأّسه عون وخلص الى الطلب من الأجهزة الأمنية والعسكرية والجمركية «إبقاء التواصل والتنسيق بينها لزيادة فعاليتها في موضوع مكافحة التهريب، والعمل على استباق العمليات عبر تبادل المعلومات، ورصد أي مخططات مشبوهة واتخاذ أقصى التدابير والإجراءات بحق المخالفين».

وشدد عون في مستهل الاجتماع على «ضرورة تعزيز التدابير لمكافحة التهريب وسد الثغر التي لا تزال قائمة خصوصاً أن عمليات التهريب تُنفّذ من شبكات فاعلة ومنظّمة متمرّسة على التهريب وفق أساليب مبتكرة ومتطورة»، معتبراً «ان مكافحة التهريب من الأولويات حفاظاً على سمعة الدولة اللبنانية من جهة، وعلى المداخيل المالية خصوصاً في الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان»، ولافتاً الى «أن الأولوية في هذا السياق هي لتركيب أجهزة«سكانر»على طول المعابر البرية والبحرية».

وتخلل الاجتماع عرض وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي لتقريره المتصل بتكليفه التواصل والتنسيق مع السلطات المعنية في المملكة العربية السعودية في ضوء قرارها بمنْع إدخال منتجات زراعية لبنانية الى أراضيها بعد ضبْطِ شحنةٍ من «الرمّان الملغوم».

وقد تبيّن من المعطيات الواردة في التقرير أنه على اثر اتخاذ تدابير وإجراءات فورية من الأجهزة الأمنية والعسكرية والجمركية تم ضبط الكثير من عمليات التهريب لاسيما المواد الممنوعة. وخلص التقرير الى اقتراح بعض التوصيات موزعة على إجراءات فورية وعلى المدييْن المتوسط والطويل ضمن مهلة سنة من المباشرة بتطبيقها.

وجاء هذا الاجتماع وسط تَفاقُم الأزمات وتوالُدها انطلاقاً من الانهيار المالي المتدحرج الذي تُستعاد معه في شكلٍ شبه أسبوعي مشاهد الذلّ أمام محطات البنزين التي علّقت غالبيتها خراطيمها أمس مع وعدٍ بتزويدها ابتداء من اليوم بالمحروقات، بالتزامن مع تقارير عن أن مولّدات خاصة من التي تزوّد اللبنانيين بالكهرباء وتغطّي عجْز مؤسسة كهرباء لبنان عن توفير التيار إلا لساعات قليلة بدأت تعتمد تقنيناً بفعل نقص مادة المازوت، وهي الأزمةُ التي تُنْذِر بأن «تضرب» موسماً سياحياً «أحياه» المُغْتربون الذين يتوافدون إلى بلدهم الأمّ وبعض السياح العرب مستفيدين من تقهقر الليرة أمام الدولار، وذلك من خلف ظهر كل التدابير الوقائية من «كورونا» التي لم تعُد إلا حبراً على ورق.

والمفارقةُ الأكثر إثارة للاستغراب كانت أن بيروت «لم تكترِثْ» كثيراً لإمكان أن «يقتلَ» نقصُ التمويل أعمالَ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم التي ترتبط بها، وهو ما أطلّ برأسه مع ما نقلتْه «رويترز» عن مصادر مطلعة من ان تمويل المحكمة قد نفذ في الوقت الذي يشهد لبنان أزمة اقتصادية وسياسية ما يهدد خطط إجراء محاكمات في المستقبل.

وقالت وجد رمضان المتحدّثة باسم المحكمة: «المحكمة الخاصة بلبنان تشهد أوضاعاً مالية مقلقة للغاية… لم يُتخذ قرار بعد في شأن إجراءات التقاضي وهناك جهود مكثفة تُبذل لجمع المال لإيجاد حلّ».

وكانت ميزانية المحكمة، التي تم إنشاؤها بموجب قرار لمجلس الأمن العام 2007 وافتُتحت في 2009، تبلغ نحو 67 مليون دولار، يسدد لبنان 49 في المئة منها، بينما يشكل المانحون الأجانب وأعضاء الأمم المتحدة النسبة المتبقية.

وتم تقليص ميزانية 2021 بنحو 40 في المئة، ما أجبر المحكمة على خفض الوظائف، لكن الحكومة اللبنانية ما زالت غير قادرة على دفع نصيبها.