IMLebanon

بايدن ينقلب على ترامب في لبنان؟

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: 

منذ وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، يتنامى انطباع لدى كثير من المتابعين بأنّ لبنان خرج من دائرة الاهتمام الأميركي الأقصى التي ميَّزت ولاية الرئيس دونالد ترامب.

ويخشى هؤلاء أن يكون لبنان ضحية التردُّد الأميركي المستجد في التعاطي مع إيران، أو التراخي، أو أي مقايضة قد تحصل بعد الصفقة المنتظرة بين واشنطن وطهران.كل الحراك الجاري في الداخل، بما في ذلك مساعي الحلحلة في الملف الحكومي، ليس سوى تعبئة للوقت، ولن يقود إلى أي نتيجة. والسبب يتجاوز التفاصيل المثارة حول خلافات ساذجة بين عون والحريري.

عمق الأزمة هو أنّ القوى الداخلية النافذة تعتمد خيارات التعطيل والتسهيل بناءً على تعليمات تتلقاها من قوى خارجية، ووفقاً لمصالح هذه القوى على امتداد الشرق الأوسط، حيث لبنان نقطةٌ صغيرة. ولو كان الأمر محصوراً بمصالح القوى المحلية لوُلدت الحكومة في الأيام أو الأسابيع الأولى من التكليف.

للتذكير، تجربة الثلاثي عون – باسيل – الحريري في تقاسم المصالح والتوافق- بل التواطؤ وفق رؤية البعض- كانت ناجحة جداً منذ 2016 وحتى اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. وحتى، بعدما تعرَّض الحريري لـ»أزمة الاستقالة» المعروفة، في تشرين الثاني 2017، عاود النهج الذي كان قبلها بلا أي تعديل. ولذلك، حلفاء عون السياسيون هم اليوم أكثر المتحمسين لبقاء الحريري في التركيبة.

ترامب، بوصوله إلى السلطة في العام 2017، هو الذي هزّ «الستاتيكو» الذي قام طويلاً في لبنان، على أساسٍ تسووي بين إيران والسعودية، برعاية دولية. وحتى الفساد الذي بقيت ترتكبه منظومة السياسة والسلطة على مدى عقود كان يحظى بغضّ نظر خارجي شامل.

كانت الأجهزة والمؤسسات الدولية تدرك أنّ عشرات المليارات من الدولارات تُنهَب من المشاريع والتلزيمات والتهريب، وكانت تعرف تفاصيل عمليات تبييض الأموال، ومع ذلك لم تفرض «فيتو» على المساعدات للبنان إلاّ عند وصول ترامب واتخاذ إداراته قرار التغيير.

وكان «حزب الله» ينمو داخل الدولة، خلال وجود سوريا كما بعد خروجها، من دون اعتراض الأميركيين وحلفائهم الأوروبيين والعرب، لسنوات طويلة. وكان هؤلاء يمتلكون المعلومات الكافية عن تغلغل «الحزب» في دول عدّة، وعن تحرُّك أرصدته في مصارف لبنان والعالم.

يعني ذلك أنّ الدولة في لبنان كانت تنهار فعلاً من داخلها، لكن القوى الإقليمية والدولية كانت تريد فقط عدم سقوطها شكلاً، لئلا ينهار «الستاتيكو» معها. وما فعله ترامب هو أنّه اختار إحداث هذا الانهيار لضرورات النزاع الإقليمي الكبير، وسانده حلفاؤه في المنطقة.

لم يكتمل «انقلاب» ترامب لأنّ الوقت دهمه في الرئاسة. ولو أتيحت له ولاية ثانية لتابَع المهمَّة. لكن بايدن أوقف مسار السلف من دون أن يحسم الخيار البديل، حتى الآن. ولذلك، يعاني محور واشنطن وحلفائها إرباكاً في الشرق الأوسط ولبنان.

وهذا الإرباك واضح في التأرجح على طاولة المفاوضات مع إيران في فيينا، وكذلك على الأرض في العراق واليمن وسوريا ولبنان. وهناك اضطراب أميركي في مقاربة العلاقات مع الخليجيين العرب، ومع تركيا، ومع إسرائيل والملف الفلسطيني عموماً.

إذاً، التفاصيل الداخلية الملتهبة للأزمة اللبنانية، بمظاهرها المالية والاقتصادية والسياسية والطائفية والمذهبية، لن تسلك طريق التبريد إلّا إذا لاح الضوء الأخضر في الخارج.

لكن التسوية بين الولايات المتحدة وإيران، يمكن أن تتيح تسوية الحدّ الأدنى في لبنان. وأما الحلول الجذرية فأمامها جدرانٌ أخرى تتعلق بالحلول الكبرى في المنطقة، وخصوصاً بإسرائيل وطموحاتها على الحدود في البحر والبرّ، وعلى طاولات التفاوض غير المباشر، وكذلك المباشر.

هل يعني ذلك أنّ الأميركيين، مع بايدن، سيعودون بلبنان إلى ما قبل ترامب، أي إلى نظرية تجميد الأزمات اللبنانية والحفاظ على تماسك الدولة شكلاً، لتكون جاهزة للتسويات الإقليمية عندما تنضج؟ وهل يقتضي تطبيق هذه النظرية إجراء مقايضة على لبنان، في الصفقات المحتملة بين إيران والعرب وإسرائيل؟

في واشنطن حرصٌ دائم على التأكيد: لبنان خطٌّ أحمر أميركي، وليس مسموحاً سقوطه. ومؤسساته الرسمية الأساسية مدعومة بقوة، ولا سيما منها الجيش. لكن مفهوم الدعم يختلف بين إدارة أميركية وأخرى.

هل يعني دعم لبنان إصرار الإدارة الحالية على وجوب أن يدير شؤونه بنفسه، وأن يتخلص من تأثيرات القوى الإقليمية، ولا سيما منها إيران، أياً كانت طبيعة التسويات الآتية؟ وكيف ستتصرَّف واشنطن إذا فشل اللبنانيون في انتفاضاتهم، كما في 14 آذار 2005 و17 تشرين الأول 2019، لهذا السبب أو ذاك؟

أي، هل ستتعب واشنطن من لبنان وتتخلّى عن دعمه مباشرةً، وتُوافق على تلزيمه لوصايات تتولّى إدارة شؤونهم، كما في مراحل طويلة سابقة، عندما اتفق الأميركيون مع العرب والفرنسيين على تلزيم القرار اللبناني لدمشق؟

بعض المتابعين للسياسة الخارجية الأميركية يقولون: براغماتية الأميركيين المطلقة تدفعهم إلى التعاطي دائماً مع الأقوياء. وإذا تلكأ اللبنانيون عن إثبات جدارتهم وقوتهم، فقد يجد الأميركيون وسواهم أنّ من المناسب تلزيم شؤونهم للأقوياء، ضمن شروط صفقةٍ يعقدونها معهم. وهذا النموذج ليس جديداً، وقد جرت تجربته.

في الأسابيع المقبلة، سيبلغ الانهيار مداه في لبنان، وستكون المرحلة حافلة بمفاوضات إقليمية ودولية، بين الأميركيين وإيران، وبين العرب وإيران وسوريا، وصولاً إلى قمة جنيف البالغة الأهمية بين بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 16 تموز. وفي هذه الفترة، سيكون وارداً تَحرُّك الوضع اللبناني في هذا الاتجاه أو ذاك