IMLebanon

باريس تدعم الجيش لمنع السقوط النهائي للبنان

كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:

شكّل استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون في ختام زيارته لباريس خرقاً للجمود المسيطر على أزمة تشكيل الحكومة التي تدور في حلقة مفرغة وهي متوقفة الآن على القرار الذي سيتخذه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بإعادة تشغيل محركاته لرفع الشروط التي تعيق تأليفها في ضوء اجتماعه المرتقب بالرئيس المكلف سعد الحريري العائد بين لحظة وأخرى إلى بيروت ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه.

فاستقبال ماكرون للعماد عون من خارج جدول أعمال اللقاءات التي أعدت له في باريس وبناء لرغبته، أقلق الطبقة السياسية وتحديداً من يرغب في خوض الانتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون، وينظرون إلى قائد الجيش ومن جانب واحد على أنه يبقى منافسهم الأقوى، مع أن العنوان الأول لمحادثاته في باريس يكمن في رفع المعاناة عن الجيش والقوى الأمنية في ظل تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي كانت وراء تأدية واجباتها في حفظ الأمن والاستقرار باللحم الحي أسوة بالسواد الأعظم من اللبنانيين.

ويقول مصدر سياسي مواكب للأجواء التي سادت محادثات عون في باريس وتخللتها مفاجأة استقباله من قبل ماكرون، بأن الأخير أراد تمرير رسالة واضحة للطبقة الحاكمة والمنظومة السياسية بأن المؤسسة العسكرية لا تشبه جميع هؤلاء وتؤدي مهامها كما يجب، وبالتالي فهي لا تتحمل مسؤولية العراقيل التي تمنع تشكيل حكومة مهمة وتمعن في تعطيل المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان لأن من دون تشكيلها مدعومة ببرنامج إصلاحي لا يمكنه الحصول على مساعدات دولية تدفع باتجاه انتشاله من الهاوية التي هو فيها الآن.

ويلفت المصدر نفسه إلى أن استقبال ماكرون للعماد عون يعني الحفاظ على آخر ما تبقى من معالم الدولة اللبنانية والذي يتمثّل في المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية، وهذا يستدعي من باريس بأن تسهم في رفع المعاناة عنها لضمان استمراريتها، ويؤكد أنه توخى من استقباله الحفاظ عليها كقوة احتياط يعتمد عليها لإعادة الروح إلى البلد والانتقال به من التأزُّم إلى الانفراج.

ويضيف أن باريس تعاملت مع استقباله من زاوية تجنيب لبنان من أن يشرب الكأس المرة التي شرب منها العراق مع سقوط نظام الرئيس صدام حسين وقرار الحاكم الأميركي بول بريمر حل الجيش العراقي، ما قاد إلى انهيار مؤسسات العراق وقدّم خدمة لإيران أتاحت لها السيطرة عليه من دون أن تنجح في إعادة تجميعه لأنها أصرت على التعامل معه وكأنه محافظة ملحقة بالنفوذ الإيراني.

ويرى المصدر السياسي أن دعم باريس للمؤسسة العسكرية ما هو إلا خطوة استباقية لمنع لبنان من السقوط في الانهيار الشامل وعلى الطريقة العراقية التي ارتكبها بريمر، ويقول إن دعوة ماكرون لعقد مؤتمر دولي لتمكين لبنان من البقاء على أهبة الاستعداد لإعادة تركيبه بإنتاج سلطة سياسية جديدة، كما سعى وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان في اجتماعه في زيارته الأخيرة بأحزاب المعارضة وبممثلين عن المجتمع المدني ودعوتهم للاستعداد لخوض الانتخابات النيابية المقبلة كممر إلزامي للتغيير.

ويعتبر أن دعوة ماكرون للمؤتمر الدولي لم تكن فرنسية فحسب، وإنما أطلقها بالنيابة عن دول الاتحاد الأوروبي وهي تتلازم مع دعوة مماثلة أطلقتها وزارة الدفاع الأميركية لتوفير الدعم للمؤسسة العسكرية، مع أنه ربطه بالتصدي لتمدّد «حزب الله» في محاولة لقطع الطريق على المعارضين في الداخل لهذه الخطوة وصولاً إلى استيعابهم.

لذلك، فإن دعم باريس للجيش الذي يحظى بتقديرها لدوره خلال انتفاضة الشعب اللبناني بعد انفجار مرفأ بيروت يتقاطع مع توجهات المجتمع الدولي ليكون على جاهزية تامة لمنع حصول فراغ في لبنان باستحالة إجراء الانتخابات النيابية يمكن أن تنسحب لاحقاً على الرئاسية، خصوصاً أنها تصر على إنجاز الاستحقاق النيابي في موعده وتضع الكرة في مرمى المنظومة السياسية التي يفترض بها التجاوب وإلا رزمات من العقوبات تنتظرها بغطاء دولي.

وعليه فإن الدعم الدولي للجيش بات أكثر من ضرورة ليس للحفاظ على الاستقرار فحسب، وإنما ليبقى على أهبة الاستعداد لحماية الحل السياسي في حال قررت المنظومة الحاكمة الالتفات لإنقاذ البلد بدلاً من أن ينشغل بعضها – كما يقول المصدر السياسي – في الذهاب بعيداً في حبس هواجسه ومخاوفه من استقبال ماكرون للعماد عون الذي لن يستدرج ليكون طرفاً في الحرتقات السياسية.

فالمجتمع الدولي ينظر إلى الجيش – كما يقول المصدر – على أنه خشبة الخلاص للعبور بلبنان إلى التعافي شرط أن تتعظ المنظومة الحاكمة مما أصاب البلد بسبب ممارساتها وتبادر إلى مراجعة حساباتها لتهيئة الشروط لولادة الحكومة، خصوصاً أنها أمام تجربة قد تكون الأخيرة في حال لم تستجب لصرخات اللبنانيين وأوجاعهم، فيما يبقى الجيش العمود الفقري لحماية السلم الأهلي وإلغاء خطوط التماس، إضافة إلى دوره في حماية الحل الذي لا يزال في عهدة هذه المنظومة التي تغرق بتبادل الشروط والحملات بدلاً من أن تبادر إلى فتح صفحة جديدة مع اللبنانيين لعلهم يمنحونها فترة سماحة.