IMLebanon

لبنان “يشدّ الأحزمة”… مبادرة بري إلى “يا أبيض يا أسود”

 

… مِن حول لبنان وعنه، تقارير دولية وكأنها «تأبينٌ» لواقعه المالي – الاقتصادي و«تأنيبٌ» لطبَقته السياسية التي فقدتْ السيطرةَ بالكامل على «العاصفة الشاملة» التي تقبض على البلاد. وفي بيروت تَمْضي أزمةُ تأليفِ الحكومةِ الجديدةِ في حلقةٍ مقفلة حتى الساعة رغم محاولات كسْرها بـ «المفتاح الأخير» الذي أُنيط برئيس البرلمان نبيه بري استخدامه.

وعلى الأهميةِ شبْه «المصيرية» التي تُعوَّل على المساعي التي يديرها بري لردْم الهوةِ السحيقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري وإحداث الكوة الكفيلة بالإفراج عن حكومةٍ «تَرْبح تَوافُقَ الداخل بامتداداته الاقليمية ولا تَخْسر ثقةَ الخارج» بقدرتها على وضْع لبنان على سكة الإنقاذ، فإنّ «الاستنفارَ» السياسي على الجبهة الحكومية مُرْفَقاً بوضْع «أسلحة الاحتياط» على الطاولة في ما خص خيارات ما بعد أي فشلٍ لمبادرة رئيس البرلمان، نافَسه «قرْع الطبول» الذي شكّلتْه التقاريرُ المتزايدةُ عن مخاطر الأزمة المالية التي ما زالت ترتقي «سلّم» التصنيفات الأسوأ لتتحوّل نموذجاً لـ «الانهيار الشامل» الذي دَخَل «التاريخ».

 

ولم يكن ممكناً أمس إشاحةُ النظرِ عن السباق الذي بات يجري في قلْب الهاوية بين محاولات رمي «حبل نجاةٍ» يقي لبنان الاصطدام المروع عبر حكومةٍ تعطي إشارةً إلى أن منظومة الحُكم والتحكّم بالبلاد بدأت تدرك هول الكارثة الزاحفة، وبين اقتراب الانهيار المالي من الإطباق على الوطن الصغير و«خنْق» أي أملٍ بالتخفيف من «الصدمات» التي سيُحْدِثها.

وفي هذا الإطار جاء صاعقاً تقرير مرصد الاقتصاد اللبناني الذي صدر عن البنك الدولي بعنوان «لبنان يغرق»، والذي حذّر من أن «بلاد الأرز» تنزلق لِما قد يكون واحدة من أشدّ عشر أزمات مالية واقتصادية، وربما من أشدّ ثلاث على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر (بين 1857 و2013) بعد أزمة تشيلي في 1926 وإسبانيا (الحرب الأهلية) العام 1931، منبّهاً من «التهديد الذي يشكله التقاعس المستمر في تنفيذ السياسات الانقاذية في غياب سلطة تنفيذية تقوم بوظائفها كاملة، على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلاً والسلام الاجتماعي الهش، حيث لا تلوح في الأفق أي نقطة تحوّل واضحة».

وإذ أتى هذا التقرير غداة تصنيف البنك الدولي لبنان في صدارة دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا من حيث أعلى الأسعار لغالبية الفئات الرئيسية من المواد الغذائية (النشويات، ومنتجات الألبان، والفواكه، واللحوم والخضار) وعشية وصول بعثة من صندوق النقد الدولي بعد غد الجمعة الى بيروت لتحض على وجوب الإسراع بتشكيل حكومة تضع خريطة الطريق المتكاملة للخروج من القعر السحيق، فإن أوساطاً سياسية تعتبر أن «هدير» الانهيار لا يبدو حاضراً على حلبة الصراع الحكومي الذي يُخشى أن يكون البعض صار يتعاطى معه على طريقة «وبعدي الطوفان» بفعل الحسابات المُتداخِلة التي تُعلَّق عليه داخلياً كما إقليمياً.

ولم يكن أدلّ على ذلك من أن مسعى بري الذي دَخَلَ مرحلةَ «أبيض أو أسْود» يبدو مشوباً بحَذَرٍ كبيرٍ حيال المتوقَّع منه، في ظلّ ما يشبه عملية «تمتْرُس ناعِم» حول الشروط والشروط المضادة والخشية من أن تكون المناخات التي تحاذر تظهير السلبيات المُسْتَحْكِمَة من باب تفادي تحمُّل مسؤولية ما سيكون بحال فشلت مبادرة رئيس البرلمان، وهو الفشل الذي تَبْرُز محاولاتٌ لاستباقه برمي سيناريوين متقابلين لِما بعده لا يمكن الجزم بما إذا كانا في سياق إحداث «توازن سلبي» أو يعبّران عن خيارات جدية: الأول تلويح فريق عون بالاستقالة من البرلمان واستدراج انتخابات مبكرة ولو تحت عنوان «تقصير ولاية مجلس النواب» بالتراضي مع مختلف الأفرقاء، وهو ما يُفضي الى ترجمة الرغبة بـ «التخلص» من تكليف الحريري.

والثاني الهمس من إمكان أن يُقْدم الرئيس المكلف على «كيّ» هذه الأزمة عبر اعتذارٍ «منظّم» لا يكون إلا من ضمن تفاهُم مسبق على حكومة انتقالية تتولى تنظيم الانتخابات النيابية ربيع 2022 وهي الحكومة التي يجري التداول بأنها باتت محط اهتمام أو دفْعٍ من فرنسا.

ويُنتظر أن تتبلور في الأيام القليلة المقبلة مآلات الملف الحكومي الذي كان شهد الاثنين بعد لقاء بري – الحريري تحرُّك موفدين من رئيس البرلمان وقيادة «حزب الله» في اتجاه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من دون أن يبرز ما يشي بإمكان تجاوُزٍ، أقلّه قريب، لعقدة مَن يسمّي الوزيرين المسيحيين من خارج حصة رئيس الجمهورية والتي تتشابك مع عقدتيْ الثلث المعطّل الذي يرفضه الحريري والنصف زائد واحد الذي يثيره فريق عون، إلى جانب مسألة حقيبتيْ الداخلية والعدل، والأهمّ الآلية الدستورية للتشكيل والتسمية التي تُعتبر «أمّ العقد».