IMLebanon

“خرطوشة” بري الأخيرة تترنّح بين ناريْ “حرب”عون – الحريري

 

لم «تصمد» مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري أكثر من 48 ساعة، قبل أن «تنشقّ الأرض» السياسية من تحتها على جبهة رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري مُنْذِرة بـ «ابتلاعها بالكامل» ما لم يتم «إنقاذُها» باختراقاتٍ في الملف الحكومي ابتعدت أمس أشواطاً إضافية.

ومع وقوع «الخرطوشة الأخيرة» التي تشكّلها مبادرة بري «بين ناريْ» التقاصُف بمختلف «الأعيرة» بين عون والحريري، يزداد الانطباع بأن لبنان بات وكأنه في «حلبة الموت الرومانية» يُصارِعُ «وحشَ» الانهيار المالي الذي نقله من «سويسرا الشرق» إلى جهنّمه على متن واحدة من 3 أسوأ أزمات عرفها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، فيما الطبقة السياسية تَمْضي في سلوك «نيروني» يلتهم تباعاً أنماط الحياة في بلدٍ يُراد له «التطبيع» مع الذل وبات أمام خطر وجودي..

 

وفيما كانت «الحرب الطاحنة» بين عون والحريري وفريقيْهما تنفجر بمبادرة بري تاركة علامات استفهام حول مغازي «حرق الجسور» الرئاسية، وإن تفادى رئيس الجمهورية والرئيس المكلف نعي مسعى رئيس البرلمان، كانت مَظاهر شقاء اللبنانيين توغل في شقّ طريقها إلى يومياتهم… من صفوف الانتظار الطويل أمام محطات الوقود و«القتال» بين المواطنين على بضعة ليترات في وطنٍ جعلوا منه «وقوداً» في مشاريع وصراعات إقليمية، مروراً بأزمة الدواء المرشحة لفصول أكثر قسوة بعد أسابيع بحال بقي «داء» تأليف الحكومي مُستحْكماً، وصولاً إلى العتمة التي تطرق الأبواب مع مواعيد تُضرب إعلامياً لإطفاء معامل التوليد لعدم توفيرٍ مستدام للفيول، وليس انتهاءً بالتداعيات المتعددة البُعد التي سيشكّلها «اغتيال» المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الناظرة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم الأخرى المتصلة «رمياً بالعجز المالي» ابتداءً من نهاية يوليو «ما لم يتم التمويل الفوري لها».

وإذ تضاف كل هذه العناوين إلى التضخّم المتمادي الذي يُمْعِن في «افتراس» المَداخيل المتآكلة للبنانيين تحت وطأة الانسحاق المستمر لليرة أمام الدولار (وثب أمس لنحو 13 ألف ليرة في السوق الموازية) لتبقى تحويلات المغتربين العامل الوحيد الذي يؤخر «البؤس الجَماعي»، فإن هذه الوقائع الموجعة والتي توّجها «تأبين» البنك الدولي لاقتصاد لبنان الذي «ذاب بالكامل في الأشهر الـ 18 الماضية» واتهامه الطبقة السياسية «بالتقاعس المتعمّد» عن انتهاج السياسات المُلائمة، لم تشكّل «جرس إنذار» للمعنيين بالملف الحكومي ولا بالمُمْسِكين بخيوط اللعبة بامتداداتها الإقليمية التي تبقى المسرح الحقيقي الذي يتحرّك عليه الوضع اللبناني.

والأكثر تعبيراً عن هذا الواقع النكسةُ القاسية التي تعرّضت لها مبادرة بري على وقع انفجار «القلوب المليانة» بين عون والحريري وسط ملامح مناوراتٍ اختبأت خلف إيجابياتٍ «وهمية» سادت يوم الإثنين واستُبدلت في «البيانات اللاذعة» الثلاثاء وأمس بحرصٍ على تأكيدٍ أن مسعى رئيس البرلمان لم ينتهِ، وهي المناورات التي اعتُبرت في سياق عدم رغبة أي طرف بأن تكون له «الطلقة الأولى» في إفشال اندفاعة بري التي ساندها «حزب الله».

ومن خلف «غبار» المعارك الكلامية النارية، ارتسم تقاطُع بين بري والحريري على تحميل رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مسؤولية تعطيل المبادرة عبر الإصرار على رفْض أن يسمّي الرئيس المكلف، الذي وافق على تشكيلة من 24 وزيراً، الوزيرين المسيحيين من خارج حصة رئيس الجمهورية، ما يعني ضرب صيغة الثلاث ثمانيات وترْك الحريري بستة وزراء وهو ما يرفضه الأخير الذي يتمسك أيضاً بحقه الدستوري في تسمية كل الوزراء لتولد الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية.

وإذ كان الكلام الذي أبلغه بري إلى صحيفة «النهار» أبلغ تعبير عن هذا الأمر إذا قال «الحريري موافق على مبادرتي وأنتظر جواب جبران باسيل»، فإن أوساطاً سياسية اعتبرتْ أن تلويح باسيل (عصر الثلاثاء) بطاولة حوار في القصر الجمهوري «إذا حصلت مماطلة (…) وإذا تم الامتناع عن المشاركة فسنفكر باللجوء الى ‏خطوات ضاغطة» شكّلت أول مؤشر إلى «قفزٍ مبكّر من مَرْكب» مسعى رئيس البرلمان وإغراق له بشروطٍ، معلومٌ أن الرئيس المكلف لن يسلّم بها فكيف بما يعتبره مصادرة صلاحياته في التأليف عبر إحالة هذه العملية على «حوار في القصر».

ومن هنا جاء بيان «تيار المستقبل» ليل أول من أمس صاعقاً ولاذعاً لم يتوانَ عن شنّ أعنف حملة على عون و«رئيس الظل» باسيل سائلاً «هل نحن في عهد جبران أم في عهد عون؟ أم أن الأقدار رمت اللبنانيين في مستنقع ‏سياسي يديره باسيل ويرعاه عون؟»، ومهاجماً «عهد جهنّم» و«أسوأ العهود في تاريخ لبنان»، ومعتبراً «أن رئيس التيار الحر يتوهم أن استخدامه لولي نعمته السياسي الرئيس عون، سيمكنه من الانقضاض على رئاسة الحكومة وكسر شوكتها والاستيلاء على صلاحيات التكليف والتأليف (…) لا يا جبران، لن يكون لك ذلك، ولن تحصل، مهما ناورت واستقويت بالعهد وسيده، على تعويم نفسك والجلوس إلى طاولة تريدها جسراً لتحقيق أحلامك وأوهامك».

وردّ الرئيس عون أمس «التحية بمثلها» في بيان لم يقلّ تَفَجُّراً إذ اتهم تيار «المستقبل» باستخدام «الأضاليل والتعابير الوقحة» طوال الأسابيع الماضية «ولم نردّ إفساحاً أمام المبادرات القائمة»، قبل أن يؤكد «أن استمرار هروب الرئيس المكلف من تحمل مسؤولياته في تأليف حكومة متوازنة وميثاقية تراعي الاختصاص والكفاءة وتحقق المشاركة، يشكل إمعاناً في انتهاك الدستور ووثيقة الوفاق الوطني»، ومتهماً الحريري بأنه «يصر على محاولة الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية» وبأن «المستنقع» الذي يدعي بيان المستقبل أن البلاد غارقة فيه، هو من إنتاج منظومة ترأسها تيار «المستقيل» وتسلّطت على مقدرات البلاد، وأن «إطلاقه النار مسبقاً على الاقتراح المطروح بالدعوة الى مؤتمر حوار وطني في قصر بعبدا انما يريد قطع الطريق على أي محاولة إنقاذية لتأليف الحكومة».

كما انتقد البيان ما اعتبره «اللغة السوقية المتبعة أو الأكاذيب والأضاليل والوقاحة المعتمدة، ونكتفي بهذا القدر إفساحاً مرة أخرى، أمام المساعي الجارية لإيجاد معالجات إيجابية للأزمة الحكومية التي افتعلها الرئيس المكلف ولا يزال»، ليختم: «ان رئاسة الجمهورية هي اليوم على مفترق طرق مع مَن يخرج عن الدستور أو يبقى صامتاً حيال كل ما يجري، علماً أن مصلحة لبنان العليا تسمو فوق كل اعتبار، ومعها مصلحة الشعب الذي هو مصدر السلطات».

ورداً على الردّ، أكد «تيار المستقبل» انه «ثبت بالوجه الشرعي والسياسي والدستوري أن رئاسة الجمهورية تقع أسيرة الطموحات الشخصية لجبران باسيل، وان فخامة الرئيس عون مجرد واجهة لمشروع يرمي لإعادة إنتاج باسيل في المعادلات الداخلية»، وقال: «يأتي بيان القصر الجمهوري ليكشف حقيقة الدور الذي يتولاه جبران وفريق عمله، بإهانة موقع الرئاسة الأولى الذي من المؤسف أن يصبح ممسوكاً من حفنة مستشارين، يتناوبون على كسر هيبة الرئاسة وتلغيمها بأفكار وبيانات لا تستوي مع الدور الوطني المولج بها».

وكرر الدعوة لحكومة «تلبي تطلعات اللبنانيين، وليس حكومة تلبي تطلعات جبران باسيل، والجميع شهود على ذلك، وشهود على إحباط باسيل لكل المبادرات»، معتبراً أن «من يستولي على صلاحيات رئيس الجمهورية هو مَن يتاجر بها ويضعها في البازار السياسي للبيع والشراء، ويستدرج العروض بشأنها، كما هو حاصل من خلال احتجاز التوقيع على تشكيل الحكومة كرمى لعيون الصهر». وختم: «أوقِف استيلاء من حولك على صلاحياتك، وأوقف محاولاتهم للاستيلاء على صلاحيات الآخرين، وعُد إلى الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، وجنِّب اللبنانيين كأس جهنم الذي بشّرتهم به».

وعلى وقع هذا الاحتراب السياسي – الدستوري، زار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الرئيس عون حيث تناول معه الملف الحكومي واللقاء الذي دعا اليه البابا فرنسيس قادة الطوائف المسيحية في لبنان في الفاتيكان في الأول من يوليو.

وقال الراعي «البلد يحتاج الى الإنقاذ لا إلى «القواص» المعنوي»، مستهجناً «أن نهين بعضنا بالشخصي وانتهاك الكرامات ونحن مجروحون من لغة الإهانات»، ورافضاً تسمية الوزيريْن المسيحيين ومتمنياً تشكيل «حكومة أقطاب».

وأضاف «إن عدنا إلى الوراء بعد خروجنا من ثورة 1958 ورئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب أقام دولة ومؤسسات (بحكومة) من 4 وزراء، لا يجوز أن نختلف على العدد، لماذا لا نقوم بحكومة أقطاب؟».

وشدد على «ضرورة أن تكون لدينا حكومة وأن يكون هناك تفاهم بين الرئيس عون ورئيس الحكومة المكلف، والحكومة فوق أي اعتبار ولبنان بلد الحوار ويجب أن يكون هناك حوار»، موضحاً أنه زار رئيس الجمهورية «قبل السفر إلى روما لتلبية دعوة قداسة البابا فرنسيس للتفكير بشأن لبنان وللصلاة من أجل خلاصه، ونحمل معنا التوق الى أن يحافظ لبنان على كيانه وخصوصيته وقداسة البابا حريص على الأمر».

من جانبه، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، إن “لبنان يواجه حصاراً خارجياً مطبقاً عليه”. واعتبر ان “تداعيات الانهيار ستكون تبعاته خطيرة جداً على لبنان وعلى محيطه الإقليمي”.

ودعا دياب، “اللبنانيين إلى الصبر على أي قرار قد تأخذه أي جهة ويزيد معاناتهم”، مؤكداً ان “تشكيل الحكومة أولوية لا يتقدم عليها أي عنوان آخر”.

وحض القوى السياسية إلى “تقديم التنازلات وهي صغيرة مهما كبرت لأنها تخفف عذابات اللبنانيين”. وقال “لبنان في قلب الخطر الشديد، فإما إنقاذه الآن قبل فوات الآوان وإلا فلن ينفع الندم”.

وناشد دياب، “أشقاء لبنان وأصدقاءه عدم تحميل اللبنانيين أي مسؤولية لا يتحملونها فالشعب بحاجة للوقوف معه”.