IMLebanon

خرجت الأمور عن السيطرة؟! (بقلم رولا حداد)

اعتاد اللبنانيون منذ “اتفاق الطائف” وجود ناظم للحياة السياسية، بدأ مع نظام الاحتلال السوري ومندوبه السامي في عنجر، وكانت القضايا الكبرى تُرفع إلى دمشق. وبعد مرور 3 سنوات على “ثورة الأرز”، واعتباراً من “اتفاق الدوحة” انتقلت مهمة الإشراف على الحياة السياسية إلى “حزب الله”. وفي المرحلتين بقيت الأمور نسبياً تحت السيطرة وضمن الانتظام المقبول بالحد الأدنى.

لكن، ومنذ 17 تشرين الأول 2019 وحتى اليوم يبدو أن الأمور خرجت عن السيطرة بالكامل، ولم يعد من قدرة لدى أي طرف على إحكام سيطرته بفعل الانهيار التام وتحلّل مؤسسات الدولة!

لم تعد الأمور تُحلّ بتشكيل حكومة، ولا حتى بإجراء انتخابات نيابية على الإطلاق، لأن الدولة بمفهومها كمؤسسات ناظمة للحياة العامة سقطت بالكامل، باستثناء الجيش اللبناني بشكل أساس وهي المؤسسة الصامدة التي يراهن عليها الخارج قبل الداخل ويمنع سقوطها، إضافة إلى المؤسسات الأمنية بالحد الأدنى. أما ما عدا ذلك فكل المؤسسات سقطت وانهارت من وزارات وإدارات ومؤسسات عامة ومؤسسات ضامنة وغيرها!

لكن الأخطر من ذلك أن المؤسسات الدستورية سقطت بكل أشكالها وأبعادها. يكفي أن نلقي نظرة على الصراعات القائمة حول تشكيل الحكومة ليتبيّن لنا كيف أن المتباكين على الصلاحيات الدستورية في عملية التأليف، سواء لجهة صلاحيات رئيس الحكومة المكلف أو صلاحيات رئيس الجمهورية، يتناسون هذه الصلاحيات عندما لا يمانعون من دخول الثنائي الشيعي عبر الخليلين في عملية التشكيل وإجراء التعديلات على أي تشكيلة من هنا أو من هناك، ما يؤكد أننا بتنا أسرى مثالثة مقنّعة لم تنتج نظاماً حتى اليوم. أضف إلى ذلك أن الانهيار المالي والاقتصادي الشامل جعل من كل المؤسسات الدستورية والسياسية هياكل عظمية منتهية الصلاحية في ظل عدم قدرتها على تأمين الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين. تخيلوا مثلا كيف أن وزارة المالية لا تملك القدرة على شراء أوراق لتقديم إيصالات إلى المواطنين، أو كيف أن قصور العدل خالية من الأوراق لتدوين محاضر الجلسات وهكذا دواليك… ونحن لم نصل إلى الأسوأ بعد مع عدم قدرة المواطنين على الوصول إلى مكاتبهم بسبب الشح في مادة البنزين أو بسبب ارتفاع سعرها الهائل قريباً!

نعم لقد خرجت الأمور عن السيطرة، وهي ستستمرّ بالانحدار نحو الأسوأ ونحو ما اصطُلح على تسميته بـ”الانهيار الكبير”، لأن الأمور في لبنان لم تعد قابلة للمعالجة عبر تقنية “الترقيع” بما هو متوفّر، كما أن التغيير الكبير في النظام لا يمكن أن يحصل “على البارد”، وكل تغيير كبير إنما يحصل “على الحامي” والارتطام الكبير وحده سيوفّر الحماوة المطلوبة للانتقال نحو التغيير المنشود.

السؤال الكبير بالنسبة إلى اللبنانيين بات: كم ستطول مرحلة الارتطام؟ وكم ستبلغ كلفتها؟ وكيف سيكون الخروج منها وبأي نظام جديد في منطقة ترتسم معالمها من فيينا إلى بغداد؟

الثابت أن مقولة أن لا حكومة في لبنان قبل اتضاح صورة نتائج المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة لم تعد صالحة بشكل ثابت، لأن أي مفاوضات لا يمكن أن تُنتج إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل ثورة 17 تشرين، والمطلوب بات مفاوضات دولية وإقليمية شاملة تترافق مع ترتيبات أو مفاوضات داخلية لإنتاج نظام قابل للحياة ولتأمين الحد الأدنى المطلوب بالنسبة إلى اللبنانيين بعد سقوط الهيكل على رأس الجميع.

كل حديث دون ذلك سيكون بمثابة إمعان في إغراق اللبنانيين في المجهول… وحمى الله الجميع!