IMLebanon

هل المطالبة بحلّ البرلمان في لبنان هي الحلّ؟

كلما انحسر النقاشُ السياسي حول قرب تشكيل الحكومة في لبنان، تَقَدّمَ الكلامُ عن الانتخابات النيابية. فبعد تلويح بعض القوى السياسية بالاستقالة من البرلمان تمهيداً للانتخابات المبكرة، استنفرت قوى سياسية رفْضاً لتقصير ولاية مجلس النواب أو حلّه، واستعداداً للانتخابات النيابية في موعدها، تَماشياً مع ضغط دولي لعدم تَجاوُز الاستحقاق الانتخابي.

في الأيام الأخيرة، وجّه «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل سلسلة رسائل سياسية حول تشكيل الحكومة والرئيس المكلف تأليفها سعد الحريري، يتعلّق أبرزها بتلويحه باستقالة نوابه من البرلمان، كأحد سبل الضغط من أجل سحب التكليف من الحريري.

 

لكن الدعوة إلى مثل هذه الاستقالة ليست حديثة العهد، بل هي بدأت منذ أن ظهرتْ أولى ملامح تعثر تشكيل حكومة الحريري، إذ كانت «القوات اللبنانية» برئاسة سمير جعجع، أول مَن سارع إلى المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة بعدما استقال عشرة نواب من البرلمان.

ودأب جعجع على إطلاق نقاش حول الفكرة ومازال منذ بداية السنة الجارية يدعو إليها، على خلفيتين: الحذر السائد من ألا تكون القوى الأساسية المعنية راغبة بإجراء الانتخابات في موعدها السنة المقبلة، والاعتقاد أن أي انتخابات مبكرة وسط الظروف الراهنة التي يمرّ بها اللبنانيون في ظل الانهيار الاقتصادي والخلافات السياسية الحادة يمكن أن تؤدي إلى تغيير جوهري في ميزان القوى الحالي في البرلمان المحكوم بغالبية يشكلها تحالف «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحلفاؤهما.

تنتهي ولاية مجلس النواب الحالي في 23 مايو 2022، وبحسب المادة 42 من الدستور فان الانتخابات المقبلة يفترض أن تتم خلال 60 يوماً التي تسبق انتهاء ولاية المجلس، أي أنه يفترض إجراؤها بين شهريْ مارس ومايو المقبلين، وتالياً لم يبقَ من ولاية البرلمان الحالي سوى ما يقارب 10 أشهر.

واستطراداً يعني أن أي دعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة لم تعد فكرة قابلة للتنفيذ، إلا إذا حُلّ البرلمان.

فالمادة 25 من الدستور تنص على أن يشتمل قرار حلّ مجلس النواب على الدعوة لانتخابات نيابية جديدة تنتهي في مهلة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.

لكن الدستور، ومن خارج السياق السياسي المتداول، حدّد أسباباً وآليات صعبة لحل البرلمان تنص عليها المواد 55 و65 و77، وتنطلق من أن الأمر يتم بناء على طلب يتقدم به رئيس الجمهورية من مجلس الوزراء.

أما الحالات التي تشكل حيثيات دستورية لمثل هذا الطلب، فهي امتناع مجلس النواب لغير أسباب قاهرة عن الاجتماع طوال عقد عادي أو عقدين استثنائيين متوالييْن أو في حال رده الموازنة برمّتها بقصد شل يد الحكومة عن العمل، وإما لموجبات تتعلق بتعديل الدستور.

وإذا قرر مجلس الوزراء، حل مجلس النواب يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحل وتجرى الانتخابات خلال ثلاثة أشهر.

وتعني هذه المعطيات في اللحظة اللبنانية الراهنة، أن لا إمكان لحل البرلمان، إذ أولاً، لا حكومة قائمة يمكنها تنفيذ طلب رئيس الجمهورية حل المجلس، فالحكومة المستقيلة (تصريف الأعمال) لا تستطيع القيام بهذه المهمة.

ثانياً ان القوتين المسيحيتين أي «التيار الحر» و«القوات»، يدرسان خيار الاستقالة من البرلمان على افتراض أن استقالتهما تُفقد المجلس ميثاقيته (الاختلال في التوازن الطائفي)، وهذا يؤدي حكماً إلى حله. لكن الدستور لا ينص على أي من هذه الأسباب، لا بل ينص في مواد متعلقة بالانتخابات، على انتخابات فرعية عند شغور أي مقعد نيابي.

وثمة أكثر من خبير دستوري يؤكد تفسير الدستور على هذا النحو، ما يجعل اعتقاد الملوّحين بالاستقالة من أجل حل البرلمان، خاطئاً دستورياً.

ووفق هذه اللوحة من الوقائع السياسية – الدستورية، يصبح مشروعاً السؤال عن الجدوى من المطالبة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، كما من الدعوات إلى الاستقالة من البرلمان؟ واضح حتى الآن ان الضغوط السياسية المتبادلة والشرسة بين «التيار الحر» وتيار «المستقبل» (يتزعمه الحريري) تصب في خانة الاستثمار الانتخابي، لأن الطرفين يعلمان يقيناً ان لا مجال لحل المجلس، وان الوقت لم يعد مؤاتياً لإجراء انتخابات مبكرة.

لا بل ان المرحلة الحالية التي تسبق موعد الانتخابات بأشهر قليلة، عادةً ما تكون فرصة لاستنهاض الجمهور الحزبي ولشد العَصَب. والطرفان باشرا ذلك كلٌّ على طريقته.

أما «القوات اللبنانية» صاحبة الدعوة المبكرة للاستقالة وتالياً الانتخابات المبكرة، فلن تكون مُبادِرة إلى هذه الخطوة خشية استفرادها.

وهي تصرّ على انها ستقدّم استقالتها فور تقديم أي كتلة نيابية أخرى كـ «التيار الحر» أو «المستقبل» واستقالتهما.

لكن «المستقبل» يرفض الاستقالة بشدة، وتلويحه بها جاء في إطار المماحكات بينه وبين «التيار الحر»، ليس إلا.

حتى أن رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بادر إلى إعلان رفض ذلك (الاستقالة) بالمطلق.

أبعد من الدستور ومن الميثاقية، فإن الإطار الأساسي الذي يجعل استقالة نواب «التيار الحر» من البرلمان مستحيلة، هو عدم القدرة أو الرغبة في استفزاز رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله».

فالطرفان لا يريدان مطلقاً المساس بالسلطة التشريعية التي يمثلها بري والتي تُعتبر «الحصن الشيعي» في الدولة.

ولأن أي استقالة لـ «التيار الحر» لا تستهدف «المستقبل» بل تستهدف بري، والأخير مازال على تناقض تام مع «التيار الحر» في أدائه في ملف تشكيل الحكومة ورفع شروطه في شكل شبه يومي ضد الحريري.

إضافة إلى أن رئيس البرلمان صاحب «الكيمياء المفقودة» مع الرئيس عون وباسيل لن يقبل مطلقاً بأي تعرُّض له في عقر داره، والمساس بشرعيته من خلال تسديد ضربة للبرلمان باستقالة كتله الوازنة منه.

وهذا الأمر ليس عابراً في سياق علاقة الثنائي الشيعي بري و«حزب الله» مع «التيار الحر»، وخصوصاً أن الحزب راعى التيار في موضوع تشكيل الحكومة، لكنه لا يريد في المقابل أن يرتدّ «التيار» نحو حليفه رئيس البرلمان، في لحظة إعادة الحزب تكليف بري بمتابعة تشكيل الحكومة، في مبادرة جديدة باءت بالفشل بسبب شروط «التيار» وتَشدُّد الحريري.

من هنا، ثمة مَن يعتقد ان التلويح بالاستقالة هو مجرد تلويح إعلامي – شعبي، فيما تدل الوقائع السياسية على أن رفع سقف المواجهة عبر التدافع الخشن بملفي الحكومة والبرلمان من شأنه المساهمة في حشد الأصوات الانتخابية تحضيراً لحلول موعد الاستحقاق، في حين أن الانتخابات النيابية لا تزال معلَّقة على البحث في قانون الانتخاب، بين مطالبين بتعديله، ومطالبين بالإبقاء عليه.

علماً أن الخيار الأكثر تداولاً ورجحاناً هو إجراء الانتخابات (إذا جرت) على أساسه أو إقرار تعديلات على بعض المواد التنفيذية وتلك المتعلقة بحجم الدوائر، من دون المساس بـ «النسبية» التي بدأ العمل بها للمرة الأولى في لبنان.

والمفاضلة السياسية حتى الآن تعطي الأرجحية، لعدم استقالة النواب من أي كتلة من البرلمان، ما يسْحب فكرة الانتخابات النيابية المبكرة أو حلّ البرلمان.

أما مصير الانتخابات برمتها في السنة المقبلة فمازالت الطريق طويلة من أجل تبيان إمكان إجرائها أو التمديد للبرلمان الحالي كما جرى مع مجلس النواب السابق، رغم الانطباع بأن أي محاولة تمديد هذه المرة ستصطدم بموقف دولي متشدد يتبلور تباعاً تحت عنوان الانتخابات بموعدها.
https://www.alraimedia.com/article/1539229/خارجيات/الراي-في-استطلاع-سياسي—دستوري-المطالبة-بحل-البرلمان-في-لبنان-مشكلة-لا-حل