IMLebanon

بين رجال السياسة ورجال الدولة! (بقلم رولا حداد)

“رجل السياسة يفكر في الانتخابات المقبلة بينما رجل الدولة يفكر في الأجيال المقبلة” – الكاتب الأميركي جايمس فريمان.

كيف يمكن مقاربة أهل المنظومة الحاكمة في لبنان إنطلاقاً من هذا القول؟

الثابتة الأولى أنهم لا يفكرون بالأجيال المقبلة ولا بالأجيال الحالية، ولربما كانوا يستمتعون بالذلّ الذي يتسبّبون به لهم. والثابتة الثانية هي أنهم لا يبالون حتى بالانتخابات المقبلة إقتناعاً منهم بأنهم يستطيعون ببعض المسرحيات الطائفية والحزبية أن يشدّوا عصب جماعاتهم ومناصريهم فيستدرجونهم للتصويت لهم مجدداً وكأن شيئاً لم يكن!

هذه هي حالنا في لبنان باختصار في ظل إصرار كل أركان المنظومة الحاكمة على ممارسة حال النكران الكامل لواقع أنهم هُزموا وانكسرت صورتهم بالكامل أمام اللبنانيين. خابت كل وعودهم وبان كذبهم للجميع، وأيضاً في ظل الصراعات التي نشهدها مؤخراً، سواء على خلفية تشكيل الحكومة أو غيرها من عمليات التراشق التي اعتادها اللبنانيون عشية كل انتخابات.

على الصعيد الحكومي يدرك اللبنانيون أن الصراع السياسي- الإعلامي في موضوع تشكيل الحكومة خلفيته وحيدة وتتعلق بالانتخابات النيابية ولعبة “شد العصب” سواء من النائب جبران باسيل من جهة أو من الرئيس المكلف سعد الحريري من جهة ثانية. الرئيس سعد الحريري يتقن مؤخراً لعبة حشد الشارع السني خلفه على خلفية مواجهة حالة الرئيس عون والنائب باسيل اللذين يستفزّان الساحة السنية. والنائب جبران باسيل أدمن سيناريو استنفار العصبيات منذ انتخابات الـ2018، بعد أن كان عمّه مارس هذه الهواية في انتخابات الـ2005 والـ2009. لذلك يستمتع باسيل بمحاولة “شدّ العصب” المسيحي سواء في مواجهة سعد الحريري والشارع السنّي، وسواء أيضاً بـ”نكوزة” حزب الله وحركة “أمل” سواء عبر المواجهة المباشرة كمثل استعمال تعبير “بلطجي” بحق رئيس مجلس النواب نبيه بري، أو من خلال الإيعاز لبعض نوابه الحاليين مثل زياد أسود، أو السابقين مثل نبيل نقولا أو بعض قيادات “التيار” مثل ناجي حايك بمهاجمة “حزب الله”.

هكذا يرفض المسؤولون المعنيون تحمّل أي مسؤولية إزاء الانهيار الكارثي في لبنان ويذهبون في اتجاه إثارة التشنجات في حركة أشبه بـ”القنابل الدخانية” بهدف التعمية عن حقيقة ما يحصل. لكن الحقيقة الثابتة هي أن الطبقة الحاكمة، سواء رئيس الجمهورية وفريقه وسواء الرئيس المكلف لأنه كان شريكاً أساسياً في العهد الحالي، يتحملون مسؤولية مباشرة عن كل ما حصل، من دون أن نغفل مسؤولية الرئيس حسان دياب وحكومته عن سوء إدارة الأزمة بشكل غير مسبوق وتقاعسها عن القيام بأبسط واجباتها في تصريف الأعمال.

وأمام هول الكارثة اليوم، وأمام الذُلّ الذي يتعرّض له اللبنانيون في كل حاجاتهم، من الأدوية والاستشفاء إلى محطات الوقود مروراً انتهاء بالسوبرماركت والمنتجات الغذائية واللحوم، وليس انتهاء بالأزمات الخانقة في المدارس والجامعات وأرقام البطاقة المتصاعدة بشكل مخيفة وإقفال مئات المؤسسات والسعي للهجرة بأي ثمن… أمام كل هذه الصور يبدو أن اهتمام رجال السياسة في لبنان ينحصر في البحث عن كيفية خوض الانتخابات المقبلة وتأمين مستلزمات فوزهم بأي ثمن، ولو كان هذا الثمن مستقبل الأجيال في لبنان… أو بالأحرى مستقبل الأجيال التي تهاجر وستهاجر من لبنان!

فصول مسرحية إذلال اللبنانيين ستستمرّ في الأيام والأسابيع المقبلة. لا فرق إن اعتذر الرئيس سعد الحريري أم لم يعتذر، لأن الحريري ولو شكل حكومة في عهد الرئيس ميشال عون والتوازنات النيابية القائمة فلن يتمكن من القيام بشيء، هذا إذا افترضنا أن الحريري بوارد أن يقوم بعملية إنقاذ اليوم بعد شراكته مع باسيل طوال السنوات الثلاثة الأولى في العهد من دون أي إنجاز. كما أن إصرار باسيل على تشكيل حكومة على طريقة تشكيل كل الحكومات السابقة التي أوصلت إلى الانهيار يؤكد أن لا نية في تغيير الأداء وبالتالي لن يكون هناك تغيير في النتيجة المنتظرة!

إنها الأزمة نفسها في لبنان… أزمة غياب رجال الدولة الذين يفكرون في مستقبل الأجيال، ووجود رجال سياسة يفكرون بالانتخابات والأحجام والحصص ليس أكثر!