IMLebanon

هل يُباغِت الحريري رئيس الجمهورية بتشكيلة حكومية جديدة؟

 

بعد أسبوعٍ طَبَعَه تكريسُ التفافِ دار الفتوى حول الرئيس المكلف سعد الحريري على قاعدة رفض أي اعتذارٍ «كاسِر» لموقع رئاسة الحكومة وصولاً إلى اعتبار رئيس البرلمان نبيه بري أن لا بديل من زعيم «تيار المستقبل» وأن انسحابه من التكليف حالياً هو بمثابة «لعب بالنار ليس وقته ويكفينا ما فينا»، يسود الغموضُ ما ستحمله الأيام القليلة المقبلة التي سيتقاطع فيها المأزقُ الحكومي وجولة «المطاحنة» الجديدة على تخومه مع حِراك متجدّد في الشارع وانزلاقٍ للواقع المعيشي إلى قعر أعمق على متن أعلى صعود للدولار في السوق الموازية متجاوزاً عتبة 15500 ليرة.

وإذ يشكّل الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام بعد غد الخميس محطة تتركّز عليها الأنظار في ضوء مشاركة نقابات واتحادات ذات «هوى» سياسي ما يشي بإمكان تحويل الشارع جزءاً من «أدوات» المعركة الحكومية، فإنّ وضْعَ الحريري «الإصبع على زناد الاعتذار» مع التريّث في الضغط عليه بوصْفه قراراً «ما فوق محلي» وله تداعياتٌ تتّصل بتوازناتِ اتفاق الطائف والنظام الدستوري كما بمجمل المحاولات الخارجية لتوفير «إدارةٍ دولية» للانهيار بما يخفف من صدماته القاتلة، نَقَلَ الوضع اللبناني إلى مرحلةٍ أخرى ضاقت معها الخيارات أكثر في ما خص أزمة التأليف واحتمالاتها.

 

ومع تَرَقُّبِ «الخطوةِ التالية» للحريري، الذي تشير معلوماتٌ إلى أنه تلقى تمنيات من أكثر من عاصمة بينها باريس بالتريّث في أي خطوة من نوع الاعتذار، تبلورت معطياتٌ حول أن الرئيس المكلف قد يعمد خلال أيام قليلة إلى حمْل تشكيلة جديدة إلى رئيس الجمهورية ميشال عون تنطلق من مبادرة بري (حكومة 24 من اختصاصيين وفق توزيعة 3 ثمانيات ويسمّي الحريري وزراءها جميعاً وفق معايير البُعد عن الحزبية دون أن يعادوا الأحزاب على أن يُترك لعون الموافقة عليهم أم لا) التي كانت «علقت» عند رفض رئيس الجمهورية ميشال عون عبر صهره النائب جبران باسيل أن يسمي الحريري الوزيريْن المسيحيين من خارج حصة عون ومن دون ضمان أن يمنح تكتل «لبنان القوي» (باسيل) الثقة للحكومة في البرلمان.

وإذ لم يكن ممكناً الجزم بما بعد مثل هذه الخطوة التي يُنتظر أن تُقابَل بعدم قبولٍ من رئيس الجمهورية، فإن أوساطاً متابعة اعتبرت أن إقدام الحريري عليها سيعني أنه بات جاهزاً للاعتذار في أعقابها على طريقة «اللهم اشهد اني بلغت» مع تحميل فريق عون مسؤولية «طوفان الانهيار»، في مقابل اعتبار أوساط مطلعة أن من المكبر القفز إلى مثل هذا الاستنتاج.

وفي رأي هذه الأوساط أنه حتى لو حَمَلَ الحريري تشكيلة جديدة إلى عون انسجاماً مع رغبة بري كما الكنيسة المارونية بـ«تحديث» التشكيلة التي سبق أن قدّمها الى رئيس الجمهورية (حكومة 18 وزيراً)، فإن هذا لن يكون تمهيداً للاعتذار بل في سياق «تذخير» مرحلة التريّث التي باتت لها «قواعد اشتباك جديدة» وموازين أخرى بعد موقف المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى (يوم السبت).

وتستند الأوساط في كلامها إلى أن أي «قفزة في المجهول» عبر «الاعتذار غير المنظّم» من شأنها أن تسرّع الانهيار وترتدّ بعصْفها السلبي على زعيم «المستقبل» نفسه الذي بحال لعب هذه الورقة «قبل أوانها» فإنه يخسر «أفضلية» في المشاركة بتحديد مسار ما بعد الاعتذار وضمان عدم «تسليم» البلاد لحكومة لون واحد جديدة ستدير الانتخابات النيابية بالحدّ الأدنى، خصوصاً إذا لم تكن توافرت بعد التقاطعات الإقليمية والدولية، الصعبة أصلاً، على حكومة انتقالية تشرف على الاستحقاق الانتخابي ربيع 2022.

ولم تكن عابرة أمس تحذيرات «الصوت العالي» التي أطلقها بري (عبر قناة «الميادين») من أن استمرار حال التردي «سيؤدي الى خراب كبير لا تحمد عقباه»، مؤكداً أن «مبادرته في نسختها الثالثة للحل والخروج من المأزق السياسي والحكومي الحالي، تحظى بموافقة عربية وإقليمية ودولية وغربية، بما فيها فرنسياً»، ومعرباً في غمز من قناة باسيل عن قلقه البالغ من أن «تمسُّك البعض بشروط تعجيزية ستزيد في تعقيد الأمور وليس انفراجها»، ومشدداً على «أنه من موقعه كرئيس لمجلس النواب، حريص جداً على احترام الدستور وتطبيقه ولن يسمح باستهدافه او تجاوزه او خرقه تحت أي مسميات».

وإذ ترافق كلام بري مع تأكيد مسؤول فرنسي رفيع (لصحيفة النهار) في معرض النفي المطلق لـ«(ما تردّد في شأن تأييد باريس تسلّم فيصل كرامي رئاسة الحكومة)أن فرنسا ما زالت مستمرّة في تأييد الرئيس الحريري لتشكيل حكومة تخرج لبنان من الأزمة، وتُطابِق خريطة طريق الرئيس ايمانويل ماكرون»، مع تشديده على أن بلاده وضعت عقوبات«على بعض المسؤولين اللبنانيين (منعوا من دخول أراضيها) ولن نعلن الأسماء»، فإن بيروت تترقب في«الويك اند»وصول المفوض السامي للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزف بوريل في إطار مهمة تهدف الى استطلاع الواقع اللبناني الذي سيحضر في القمة الأوروبية التي تعقد في 24 الجاري في بروكسيل.

وفي حين تتجه الأنظار إلى هذه القمة وإذا كانت ستشهد بلورةً لمسار العقوبات الأوروبية على معرقلي تأليف الحكومة والمتهمين بالفساد وإن من ضمن إطارٍ«انفرادي»لكل دولة، وسط رصْد أيضاً لما إذا كانت التقارير في وسائل إعلام فرنسية أخيراً عن«نشاطات حزب الله في أوروبا وازديادها على نحو مقلق في الأعوام الأخيرة (عددت تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات لتمويل نشاطات الحزب وتخزينه نيترات الأمونيوم) مؤشراً لسلوك جديد من باريس حيال الحزب، فإن الترقب يسود لمفاعيل كلام ماكرون أخيراً عن آلية تمويل دولي لضمان استمرار الخدمات الرئيسية في لبنان وهل سيتم تلقفه عملياً على المستوى الأوروبي وكيف».

وفي رأي مصادر ديبلوماسية أن أول مؤشر إلى منسوب الاهتمام الدولي بالواقع اللبناني سيعبّر عنه مؤتمر دعم الجيش اللبناني الذي تستضيفه باريس افتراضياً بعد غد وتشارك فيه مجموعة الدعم الدولي للبنان ودول عربية، في ظل معلومات (أوردتها«وكالة الأنباء المركزية») عن أن الاتصالات التي أجراها مسؤولون فرنسيون وايطاليون بعدد من الدول الغربية والعربية نجحت بتأمين نحو 75 مليون يورو حتى الساعة وأن عدداً من المسؤولين العرب، لا سيما من دول الخليج، سيشارك في المؤتمر.