IMLebanon

“حرب” المواقع الرئاسية في لبنان “تشتعل”… على البارد

 

لم يعكس «وقفُ إطلاقِ النار» على الجبهاتِ الرئاسيةِ في لبنان والذي واكبتْه «دوْزنةٌ» ليوم الإضراب العام خشية تَحَوُّل الشارع «حديقةً خلفيةً» لـ «مثلث الاحتراب» السياسي، أن حربَ «داحس والغبراء» بين المواقع الدستورية الرئيسية باتت قاب قوسيْن من أن تنتهي، وإن كان من الصعب التكهّن بالمدى الذي يمكن أن تأخذه الجولات الجديدة من هذا «التطاحن» الدائر على خلفية أزمة تأليف الحكومة والذي صار يجري فوق «أشلاء» الواقع المالي والاقتصادي والنقدي والمعيشي و«بقايا» مؤسساتٍ يتآكلها التعطيل و…الانهيار.

فغداة «خلْع القفازات» المتبادل وغير المسبوق بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري اللذين نزلا – «بالأصالة» عن الموقعيْن اللذين يمثلانهما في «سيبة» نظام الحُكْم ومراكز التوازن فيه – إلى «حلبة الملاكمة» الحكومية التي يشكّل الرئيس المكلف سعد الحريري «الضلع الثالث» فيها، ساد أمس، هدوء بدا «مفخَّخاً» بالعناصر نفسها التي أفضتْ إلى بروز «بري بنسخة 2021» الذي سَدَّدَ للمرة الأولى «رمياتٍ مباشرة» على عون، وإلى تَصَدُّر الأخير «المواجهةَ» مع رئيس مجلس النواب الذي كان رفَدَ زعيم «تيار المستقبل» (الحريري) بـ «مقويات» سياسية – دستورية في المكاسرة المفتوحة مع «جنرال بعبدا».

 

وفيما كان مؤتمر دعم الجيش اللبناني ينعقد افتراضياً بدعوة من فرنسا ومشاركة دولية وعربية تحت عنوان سدّ الحاجات الملحة للمؤسسة العسكرية (المسائل الغذائية والمحروقات وتوفير قطع غيار) بما يُبقي على قدرته على الاضطلاع بمهماته بحفظ الأمن والاستقرار في «بلاد الأرز» التي تُسابِق «الارتطام المميت»، مرّ «قطوعُ» الإضراب الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام «على خير» بعدما تفادتْ الأحزابُ السياسية وقوى السلطة التي «أغرقتْ» هذا التحرك (أريد له رفْع الصوت بوجه «السقوط الحر» للبنان والدعوة لـ «حكومة إنقاذ الآن») بدعواتٍ للمشاركة فيه، أن تحوّله «فتيلاً» من شأن انفجاره أن يُدْخِل لبنان في مرحلة الفوضى والتوترات الميدانية وأن يحرق كل «المراكب» في العلاقات بين الرئاسات رغم الاقتناع بأن ما «انكسر قد انكسر».

واعتبرت وقائعَ هذا اليوم الذي شهد استجابةً واسعة قطاعية ونقابية ولكن مع انكفاء شعبي بارز ما خلا عمليات قطع طرق في مناطق عدة في بيروت والشمال والبقاع خصوصاً، مؤشراً مزدوجاً:

– أولاً، إلى أن اللبنانيين الذين انتفضت غالبيتهم (منذ اكتوبر 2019) بوجه الأحزاب يدركون حجم التسييس الذي ينطوي عليه العمل النقابي.

– ثانياً، إلى أن أطراف السلطة تهيّبت «صبّ الزيت على النار» عبر استخدام الشارع في عملية «تكسير الرؤوس الرئاسية» ولا سيما أن «الأذرع النقابية» للأحزاب «المتناحرة» كافة كانت «على الأرض» بعدما جعل خصوم عون، «العهد» هدفاً من بوابة تأليف الحكومة، وهو ما جعل «التيار الوطني الحر» يستنفر لإحداث التوازن المطلوب بحال استدعى الأمر ذلك.

وفي رأي أوساط مطلعة، أن ما شهدته بيروت لا يؤشر في أي حال إلى تبريدٍ في المناخاتِ العاصفة التي هبّت في اليومين الماضيين ولا سيما الأربعاء، بمقدار ما أن ثمة حاجة لدى مختلف أطراف الصراع لقراءة نتائج الجولة الأعنف من «حرب التأليف» التي بات اللعب فيها «على المكشوف» بما أدْخَلَ البلاد واقعياً في نفق جديد مزروع بـ «أفخاخ» دستورية وطائفية.

وما يجعل المرحلة الجديدة هي الأكثر خطورة على الإطلاق «احتراق» دور «الإطفائي» الذي لطالما عُهد به الى بري، وكانت آخِر مهماته على هذا الصعيد مبادرته الحكومية (تشكيلة 24 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين الموزَّعين على قاعدة 3 ثمانيات على أن يُعطي التيار الحر الثقة للحكومة) التي تحوّلت عملياً «جثة» ولكنها لم تُدفن بعد على وقع «طعن» عون بصفة رئيس البرلمان كـ «وسيط» واعتباره أنه صار «طرفاً».

ومع ملاقاة رئيس الجمهورية، «انتفاضة بري» واضعاً إياها في إطار معاودة تهميش موقع رئاسة الجمهورية ودورها في تأمين التوازنات الوطنية والمشاركة الفعلية لا الصوَرية في الحُكْم وسط تسريباتٍ عن خطوة ما سيلجأ إليها «لطرح شيء أكثر من رسالة أو كلمة قد تُوجه للبنانيين على غرار الكلمات السابقة، فهو لن يبقى بالانتظار الى ما شاء الله، بينما يرى أن هناك مَن يحاول ضرب عهده» (وفق ما قال النائب جورج عطالله)، فإن الأنظار بقيت على كيفية تعاطي «حزب الله» مع هذا المستجدّ ولا سيما في ضوء الضغوط عليه من فريق عون للخروج عن «الحياد».

وتعتبر الأوساط المطلعة أن «حزب الله»، الذي يُمْسِك بكل خيوط اللعبة السياسية، مهما تبدّلت قواعد الاشتباك ولاعبيه، لن يكون في وارد «كشْف» شريكه في الثنائية الشيعية (بري) هو الذي ينطلق من «ثابتة» أن «قوّته» بكل أبعادها وعناصرها ترتكز على «الخلية الأصغر» التي يشكّلها حفْظ وحدة البيت الشيعي أياً كانت التباينات مع بري عبر ضبْطها ومنْع اعتمالها، مشيرة إلى أنه في الوقت نفسه لا يحبّذ تعرُّض الحليف الذي يوفّر له الغطاء المسيحي لانتكاسةٍ كبيرة أو هزيمةٍ يمكن أن تدفعه الى خياراتٍ تخلط الأوراق والحسابات.

ولاحظت الأوساط أن «حزب الله» سواء عبر موقف كتلته النيابية أو نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أمس ظهر في موقع «الحياد السلبي» بين عون وبري – الحريري قافزاً في شكل كامل فوق «مبارزة البيانات» على خط قصر بعبدا – عين التينة، وعلى الأرجح تفادياً لاتخاذ موقف علني يحرجه تجاه رئيس الجمهورية.

ففي حين دعت كتلة الحزب الى تقديم «التنازلات المتبادلة باعتبارها ضرورة حاكمة على الجميع، وليست منقصةً لأحد، في حين أنّ التصلّب سيؤدي إلى تعطيل الحلول وتعقيد المعالجات»، اعتبر قاسم أن «ما نسمعه من خلافات حول التشكيل لا علاقة له بموقع رئاسة الجمهورية ولا رئاسة الحكومة، ولا بموقع الطائفة وصلاحيات الموقع، ولا بمستقبل هذه الطائفة أو تلك، وكل الإشكالات قابلة للحل، ولكن تحتاج لبعض المرونة، وأعتقد أن الوطن والناس يستحقون بأن يكون هناك تنازل عن بعض الأمور التي لا تمس لا بالصلاحيات ولا بالطائفة ولا بالمواقع».

وأكد أن «حزب الله في موقع الضغط والتشجيع والترغيب لحصول الاتفاق، وأكثر من هذا ماذا يفعل؟ ليست لنا صلاحيات دستورية إلا أن نكون جزءاً من أجزاء الجمع والتوافق، وبغير ذلك لا نملك لا صلاحيات ولا قدرة على أن ننجز أمراً موجوداً في الدستور كصلاحية للرئيسين»، مضيفاً: «نعم نشجع على التشكيل والتأليف وعلى التنازلات، وسنستمر بالمشاركة في المبادرات الإيجابية، وشاركنا في مبادرة الرئيس بري، وسنشارك في الدعوة الإيجابية من أجل التلاقي والتفاهم».

وجاء كل هذا «التسخين» المفتوح على فصولٍ أكثر احتداماً تدير الظهرَ للانهيار المتدحرج، فيما كان المجتمع الدولي عبر مؤتمر باريس لدعم الجيش يحاول منْع سقوط «صمام الأمان» الأخير أمام وقوع لبنان في قبضة الفوضى، وهو ما حذّر منه العماد جوزف عون أمام المؤتمر في معرض دعوته «لمساندة الجيش اللبناني كي يبقى متماسكاً وقادراً على القيام بمهماته»، إذ قرع جرس الإنذار حيال «خطورة استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان» لأن ذلك «سيؤدي حتماً الى انهيار المؤسسات ومن ضمنها المؤسسة العسكرية وبالتالي فإنّ البلد بأكمله سيكون مكشوفاً أمنياً».