IMLebanon

من الذل إلى الإذلال اليومي

كتب فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:

بعد أن تمّ تدمير وكسر وإفلاس كل القطاعات الإنتاجية والشركات الخاصة عمداً، وحتى المؤسسات العامة في لبنان، إتجهت الآن الأيادي السوداء إلى تدمير الشعب اللبناني وترهيبه وتركيعه وإذلاله.

ما ان يستيقظ اللبناني من النوم في الصباح الباكر، هذا إذا كان قادراً على إغماض عينيه، يبدأ مسلسل الإذلال المتواصل في كل دقيقة من يومياته. عندما يُحاول أن يضيء نور التيار الكهربائي، لا يجده، لأن التقنين بات سيد الموقف، ولا يستطيع أن يدفع فاتورة مزدوجة للدولة ولمولد الإشتراك، وفي حال كان لديه مولد خاص لا يستطيع تصليحه باعتبار أنّ الصيانة والمعدّات مفقودة، في ظل بوادر انقطاع مادة المازوت.

ثم يحاول غسل وجهه، فيكتشف أن المياه مقطوعة، ولم يعد في مقدور شاحنات المياه الخاصة تسليمها إلى المستهلك لأنه ليس لديهم وقود للتنقل ولا قدرة للمنازل على دفع أتعابهم المرتفعة.

ثم ينزل المواطن المسكين مشياً على الدرج بسبب انقطاع التيار عن المصعد، وحينما يدخل سيارته المستهلكة يكتشف أنها خالية من البنزين. ولا حلّ لديه إلّا الاتجاه إلى محطات الوقود أو بالأحرى محطات الذل بانتظار ساعات طويلة في الطوابير المصطفّة لتعبئة بعض الليترات الخجولة التي توازي الليترات التي استهلكها في الانتظار.

وبعد هذه المغامرات المذلّة يُحاول الإتجاه إلى مكان عمله إذا بقي لديه عمل، وأثناء الطريق، في حال تعطّلت سيارته، يُمكن أن يكون محكوماً بتركها في منتصف الطريق، لأنه لا يوجد قطع غيار لها، وإذا وُجدت بأعجوبة ستكون بأسعار باهظة لا يستطيع تحمّلها.

وحين يُواصل هذا المسار المهلك والشائك، إذا قصد صيدلية لإيجاد دواء له أو لعائلته، عليه التسوّل من صيدلية إلى أخرى لإيجاد حبّة واحدة لتخفيف أوجاعه وآلآمه. أما إذا قصد مختبراً لفحص روتيني أو إذا اقتضت الضرورة إدخاله المستشفى، فهنا الإذلال الكبير لقبوله، وحتى إذا تم ذلك، فالمستشفيات خالية من المعدّات الطبية الضرورية لعدم القدرة على صيانتها.

إما إذا اتجه هذا اللبناني المذلول إلى إحدى مؤسسات الدولة لاستكمال معاملة رسمية، فهناك حلقة من الإذلال من المعيار المختلف، لأن بين إضراب وآخر، حتى موظفي الدولة، ليسوا قادرين على العمل وخدمة الشعب.

وأخيراً إذا وصل إلى مكان عمله، يُفاجأ بأنّ شركته أفلست أو قيد الإقفال، ففي حال حالفه الحظ، يتقاضى جزءاً ممّا تبقى من راتبه الذي خسر قيمته الشرائية، وقدرته النقدية، والذي سيسمح له بتأمين لقمة العيش لبضعة أيام.

وفي طريق عودته، إذا توقف عند أي تعاونية أو سوبرماركت لشراء السلع الأساسية والضرورية، يتعرّض لإذلال مختلف، لأنّ نصف السلع مفقود، والنصف الآخر الموجود بكميات ضئيلة باتت أسعاره باهظة وخيالية لا يستطيع تحمّلها.

أما إذا حاول تسجيل أولاده في المدرسة، أو في الجامعة، فهنا أيضاً يقع ضحية الأسطوانه نفسها وعدم قدرته على تأمين سنت واحد لتعليم أولاده، بهدف أن يحصلوا في نهاية المطاف على شهادة جامعية من أجل أن يجدوا عملاً خارج البلاد.

في هذا السياق، إذا إتجه إلى أي سفارة لتأمين تأشيرة دخول للهروب من هذا الإذلال المتراكم، هنا أيضاً طوابير الذل تنتظره، لأنّ طالبي التأشيرة كثر والفرص محدودة.

أخيراً، بعد هذا الذل والاذلال المتواصل يعود إلى منزله، حيث يُحاول أن يصعد مشياً على قدميه بعد إرهاقه، وإذا استطاع أن يُشاهد شاشات التلفزة، يقع وجهاً لوجه أمام السياسيين الذين أوصلوه إلى هذا الذُل، والذين يتبادلون تراشق المسؤوليات المبهمة، أو يعدون المواطنين بوعودهم الكاذبة والوهمية.

وبعد هذا النهار المذلّ والمرهق يُحاول أن يُغمض عينيه كي يُحاول أن يتناسى هذا الإذلال المتواصل، ويتمنى ألّا يفتح عينيه مجدداً على هذا المشهد المؤلم المتكرر يومياً.

إن طريق الإذلال لن يتوقف إذا لم يستيقظ المذلول، ويرفض الإذلال ويُدافع عن حقوقه المشروعة، ويُواجه بشغف وشرف، ولم ولن يستسلم لهذا الإذلال المتواصل والمستدام.