IMLebanon

اشتعال فتائل الأزمات المعيشية يسابق محاولات التطبيع الرئاسي

 

يتكرّس في لبنان ارتسامُ خطّيْن متوازييْن لا يلتقيان إلا على تأكيد المؤكد لجهة انزلاق البلاد إلى قعرٍ أعمق في رحلة السقوط الحر: الأوّل «اشتعالُ» فتائل الأزمات المعيشية المربوطة بالانهيار المالي – الاقتصادي – النقدي – المصرفي، والثاني محاولة تبريد الجبهات الرئاسية التي «انفجرتْ» أخيراً ولكن ليس تمهيداً لإنزال «كاسحةِ الألغامِ» الكفيلة بتفكيك تعقيدات الأزمة الحكومية المستعصية، بل من ضمن مسارٍ «تطبيعي» يرمي لمُعاودةِ ضبْطها تحت سقفٍ يُراد له أن يحكم مرحلة «تقطيع الوقت» بانتظار توافر الظروف الإقليمية والداخلية لاستيلاد الحكومة.

ولليوم الثاني على التوالي، بدا أن «لا صوت يعلو فوق صوت» الكارثة المتسلسلة التي تُطْبِق على اللبنانيين في معيشتهم والتي غيّرت وجه يومياتهم ومائدتهم وصبحياتهم وأمسياتهم وتركت صحّتهم بلا «أحزمة أمان»، حتى بدت خفايا الأزمة الشاملة وخلفياتها ثانوية أمام أولوياتٍ هي من «أبسط حقوق العيش» لمواطنين ما عادوا يكترثون إذا كانت «المصائب» التي تنهمر على رؤوسهم هي وليدة تَناحُرٍ على السلطة وكعكتها، أو أنّها نتيجة تحوّل تشكيل الحكومة حلبة «مبارزة بالسيف» لتسجيلِ نقاطٍ مبكّرة ذات صلة بالانتخابات النيابية ثم الرئاسية (ربيع وخريف 2022)، أو أنها ترتبط بـ «الصراع الأمّ» في المنطقة ورغبة إيران، «المتفوّقة» في الواقع اللبناني، بإبقاء هذه «الورقة» في يدها، أو كلّ هذه الأبعاد مُتشابِكة.

 

ومَن يَجُل في شوارع بيروت وعموم لبنان الغارقة بالسيارات التي «تتسوّل» بضع ليترات من البنزين، وفي السوبرماركت التي لا تنفكّ أسعار السلع فيها «تطير» من أعلى لأعلى، وفي الصيدليات التي يفتك بها «داء» فقدان الدواء…

ومَن يَجُل في المستشفيات التي تحوّلت لـ «الحالات الطارئة فقط»، وفي سنترالات هيئة «اوجيرو» التي تصارع كل لا «يصرع» انقطاع الكهرباء خطوط الاتصال وتواصل لبنان مع العالم (بالانترنت)، وفي الليالي التي كانت قوسَ قزحِ أفراح وأحلام، فإذ بها موحشة بلون الكوابيس التي تكمن للوطن الصغير…

مَن ينزل بين الناس يجِد أن دويّ المواجع، ولو ما زالت غالبية تعبيراتها حتى الساعة داخل البيوتات التي هجرتْها راحة البال، أقوى من أصداء «الحروب الصغيرة» السياسية التي بلغت ذروتها الأحد مع «تفجير» رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون) العلاقة مع رئيس البرلمان نبيه بري ونسْف مبادرته الحكومية واستعانته بالأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله «أمين على حقوق المسيحيين».

ولم يكن عابراً أمس، أن تزدحم أجندة هموم اللبنانيين بعناوين جديدة – قديمة على متن مؤشراتٍ إلى دخول البلاد مرحلة رفْع الدعم بحُكم الأمر الواقع عن السلع التي كان مصرف لبنان يوفّر لها دولارات على منصة 3900 ليرة (عوض سعر نحو 15300 ليرة للدولار حالياً في السوق الموازية).

من البن الذي ضجّت وسائل الإعلام بارتفاع سعره ليناهز 100 ألف ليرة للكيلوغرام الواحد (كان مدعوماً وتوقف مصرف لبنان عن فتح اعتماداته) بما يشي بحرمان كثير من المواطنين حتى «صبحية القهوة» ورفيقة الضيافة اللبنانية، إلى الصعود الكبير في أسعار الأجبان والألبان حتى المحلية الصنع (كيلو اللبنة بـ 40 ألفاً والقشقوان بـ 125 ألفاً)، مروراً برفع سعر ربطة الخبز مجدداً، وصولاً لاعتبار لجنة الصحة النيابية (النائب بلال عبدالله) «أن المواطن اللبناني يجب أن يعي أن الرخاء الصحي الذي كنا ننعم به انتهى، ولذلك، يجب ترشيد دعم الدواء وإعطاء الأولوية له»… كلها عناوين اقتحمتْ الواقع اللبناني من خلف ظهر الأزمة المتدحرجة التي يشكلها شحّ المحروقات والتي تقف على عتبة المأزق الأكبر وصولاً لرفع تسعيرة البنزين وفق دولار 3900 (عوض 1510) كمرحلة انتقالية (وسط تشكيك كبير بأن توفّر انتظاماً في الاستيراد) لشهرين أو 3 بانتظار إقرار البطاقة التمويلية.

وقد شهدت أزمة البنزين أمس فصلاً جديداً مع تحذير أمين سر نقابة موزعي المحروقات في لبنان، حسونة غصن، من «نفاد مخزون المحروقات»، لافتاً إلى أنه «اعتبارا من اليوم (أمس) ستتضخم أزمة البنزين، في وقت كان يفترض السير بخطة وزير الطاقة ريمون غجر برفع اعتماد شراء المحروقات من دولار 1500 إلى دولار 3900 (سيرفع سعر الصفيحة لأكثر من 60 ألف ليرة تتغيّر وفق سعر النفط عالمياً)، بحسب الاتفاق الذي تم مع حاكم مصرف لبنان»، وسط تأكيد تقارير أن مخزون البنزين الحالي سينفد بحلول الاثنين وإعلان أن «أصحاب أكثر من 140 محطة محروقات رفضوا تسلم البنزين من الشركات بسبب تعرضهم للمشاكل والابتزاز والضرب ولم يستطيعوا حماية أنفسهم».

وإذ كانت «طوابير البن»، ولو مصغَّرةً عن طوابير البنزين، تشقّ طريقها الى «خريطة الذلّ» اللبنانية مع تهافُت المواطنين على شراء ما تبقى من كميات مدعومة منه في الأسواق واصطفافهم أمام متاجر في أكثر من منطقة، لم تقلّ كارثية التقارير (محطة ام تي في) التي كشفت أن بعض التجار «المتاجرين بصحة الناس»، عمدوا لاستيراد زيوت مخصصة لأعلاف الحيوانات وإعادة تعبئتها في لبنان على أنها زيوت نباتية وبيعها في الأسواق المحلية بأسعار مرتفعة أسوة بكل ماركات الزيوت التي تشهد منذ بدء الأزمة الاقتصادية جنوناً في الأسعار، كاشفة أن جهاز أمن الدولة ضبط أطناناً منها في البقاع وأوقف لبنانييْن وسوري قبل أن تحصل تدخلات سياسية للفلفة الموضوع.