IMLebanon

هل يحضر لبنان المتهالك في القمة الأوروبية؟

 

… المنطقةُ تتحوّل، و«رقعةُ الشطرنج» الإقليمية تشهد نَقْلاتٍ مفصليةً، فيما لبنان غارقٌ في «متحوّراتِ» أزمته التي أطلقت «دومينو» انهيارٍ مرشّح لمزيد من الفصول العاتية في ظلّ تعطيل «دينامو» الإنقاذ الذي يبدأ بولادةِ حكومةٍ تحظى بثقة المجتمعيْن العربي والدولي.

وفيما كانت مناخاتٌ إيجابيةٌ تُعمَّم في ما خص حصول تقدُّم في المفاوضات حول النووي الإيراني، بقيَ واقِعُ «بلاد الأرز» يتراجع خطواتٍ داخل الحفرة التي باتت بلا قعرٍ، وسط صعوبةِ تقديرِ هل سيكون أي انفراجٍ إقليمي، يقفز فوق ملف أذرع طهران في المنطقة وصواريخها البالستية، كافياً لكبْح للانفجار الشامل الذي يقف الوطن الصغير على مشارفه وتالياً بلوغ تسوية حكومية، أم أن مصيرَ لبنان سيبقى رهنَ مدى نجاح إيران في تكرار مقايضة «النووي مقابل الدور» التي انطوى عليها واقعياً اتفاق يوليو 2015.

 

وتَسابقتْ أمس مؤشراتُ ازديادِ سرعة الانزلاق نحو الفوضى في ضوء تَناسُل الأزمات المعيشية، مع محاولات لجْم اندفاع مأزق تأليف الحكومة نحو «خطوط الـ لا عودة» التي ستشكّلها أي خطوة «هجومية» من رئيس الجمهورية ميشال عون، على وهج الجسور المحروقة في علاقته مع كل من الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس البرلمان نبيه بري.

وفي حين أفادتْ المعلوماتُ المتعلّقةُ باللقاء الذي جَمَعَ ليل الثلاثاء رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر عون) ورئيس وحدةِ الارتباطِ والتنسيقِ في «حزب الله» وفيق صفا أن الحزبَ ما زال مؤيِّداً لمبادرة بري ووساطتِه – رغم ما بدا أنه «رصاصة قاتِلة» أطلقها باسيل عليها (في إطلالته الأحد) – وأن الأخيرَ مُتَمَسِّكٌّ بشروطه، فإنّ أوساطاً مطلعةً اعتبرتْ أن خياراتِ عون لكسْر الجمود ضيّقة، في ضوء إمساك بري بـ «قِفْل» الباب الدستوري لأي محاولةٍ متجددة لسحب تكليف الحريري، كما أن أي خطوة من نوع الدعوة لطاولة حوار محكومةٌ برفْضِ الرئيس المكلف أي «تجيير» لصلاحية التأليف لغيره كما بموقفٍ سبّاق عبّر عنه الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي أمس معتبراً «أن لا جدوى من التحاور قبل التعهد العلني من المعنيين باستكمال تطبيق اتفاق الطائف، وعدم فتح مواضيع جدلية لا طائل منها وتقودنا لسجالات طائفية عقيمة نحن في غنى عنها».

وإذ ترافقتْ هذه الأجواء مع معطياتٍ عن احتمالِ إعلان باسيل رسمياً عدم المشاركة في الحكومة واستطراداً عدم منْح الثقة لأي تشكيلة يترأسها الحريري بما يعني عودة ملف التأليف الى نقطة الصفر، فإن معلوماتٍ متضاربةً سادتْ حيال حضور الملف اللبناني في القمة الأوروبية اليوم وغداً ‏وسط تأكيد تقارير أنه سيكون على الطاولة من بوابة تقرير المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل حول زيارته لبيروت، في مقابل تقارير أخرى نقلتْ عن مصادر الاليزيه أن هذا الملف سيغيب وربما يُطرح خلال مأدبة العشاء التي تقام للرؤساء المشاركين.

وكانت الخارجية الفرنسية أعلنت أن وزراء الخارجية الاوروبيين «أعربوا (خلال اجتماعهم التحضيري للقمة) عن قلقهم البالغ للوضع ‏الخطير في لبنان بعد زيارة بوريل وشدّدوا على أهمية ‏تشكيل حكومة، واستأنفوا عملهم حول وضع إجراءات ملموسة إزاء مسؤولين لبنانيين عن التعطيل والفساد في ‏لبنان وهي إجراءات تتمثل بعقوبات».

وفي موازاة ذلك، وعلى وقع تصنيف لبنان كثالث أغلى عشر مدن في العالم بالنسبة للعمال الأجانب وفق مسْحِ ميرسر لتكلفة المعيشة لـ 2021، تتمدّد الأزماتُ المعيشيةُ وسط خشيةٍ من تَفاقُم وطأتِها على مستوى الأمن الغذائي كما الصحي، ناهيك عن بدء تَدَحْرُجِ تداعياتِ شحِّ المحروقات الذي أخذ يستولد نتائجَ كارثيةً تطلّ برأسها تباعاً على صعيد البنزين كما المازوت.

وبعد طوابير البنزين الذي استمرّت التحذيراتُ من قرب نفاذه وسط اصطدام آلية الدعم الجديدة التي حُكي عنها من ‏خلال منصة 3900 ليرة للدولار (عوض 1500 ليرة) بعقباتٍ عدة، برزتْ صفوفٌ غير مسبوقة أمام وزاراتٍ «رفعت الراية البيضاء» بفعل فقدان المازوت للمولّدات ما عطّل قدرتها على إنجاز المعاملات، كما حصل مع عشرات المواطنين أمس في وزارة الخارجية فاحتشدوا غاضبين في محيطها بانتظار أن «تشحذ» كمية مازوت تعيدها إلى العمل.

وفي حين كانت أزمةُ المحروقات تصيب اللبنانيين حتى في «الخطة ب» التي تعوّض انقطاعَ «كهرباء الدولة» مع تَوالي إطفاء مولّداتٍ في أكثر من منطقة بفعل عدم تسليم المازوت وتهديد أخرى بالخروج من الخدمة ما لم يتمّ «تأمين المادة خلال ساعات» وهو ما فجّر احتجاجات في صيدا، بدا غذاء أبناء «بلاد الأرز» أمام خطر مزدوج:

* الأول جراء فقدان المازوت وهو ما عبّرت عنه تقارير حذرت من انخفاض مخزون السوبرماركت من هذه المادة الحيوية التي تضمن لها من مولداتها الخاصة تبريد منتجاتها على مدار الساعة، خصوصاً في ظل زيادة ساعات التقنين من مؤسسة كهرباء لبنان، مشيرة إلى أن قدرة هذه المتاجر الكبرى على الصمود قد لا تتجاوز منتصف الأسبوع المقبل بحال خفضت ساعات فتْح أبوابها.

• والثاني عكسه تحذير نقابة مستوردي المواد الغذائية من خطر «يهدّد استمرارية التدفقات الغذائية من الخارج وبالتالي الأمن الغذائي للبنانيين ما لم يدفع مصرف لبنان المبالغ المستحقة للمستوردين والعائدة لملفات الدعم (على منصة 3900 ليرة) المنفّذة منذ أشهر عدة والمقدّرة بنحو 75 مليون دولار»، لأن ذلك سيكبّدهم خسائر كبيرة لا طائل لهم على تحمُّلها، مشيرة في الوقت نفسه إلى «أن آلية دعم السلة الغذائية اليوم في موت سريري، فهي موجودة على الورق بحيث لم يتم وقف مفاعيل قرار وزارة الاقتصاد رقم 87 المعني بموضوع الدعم، إنمّا عملياً وعلى أرض الواقع الدعم متوقّف نتيجة عدم فتح مصرف لبنان الاعتمادات اللازمة»، وهو ما يفسّر بدء تجار بالاستيراد وفق دولار السوق الموازية (نحو 15500 ليرة) وتالياً ارتفاع أسعار سلع كانت مدعومة مثل البن.

وإذ كانت تتسع ظاهرة «مصادرة» أهالي في أكثر من منطقة، آخرها في عكار أمس، صهاريج بنزين وقيامهم بتعبئة غالونات وتوزيعها مباشرة على الناس باعتبارهم أحقّ بها من تهريبها إلى سورية أو إبقائها في المستودعات، لم يقلّ كارثيةً تحذير «تجمع أصحاب الصيدليات» من «ان الحالة المأسوية التي وصل اليها واقع السوق الدوائي أصبحت تنذر بعواقب سيئة للغاية على صحة المرضى»، كاشفةً أنه «بعد توقف غالبية الشركات عن تسليم الأدوية للصيدليات برزت ظاهرة خطيرة هي انتشار الأدوية القاتلة المهرَّبة والمزورة بشكل كبير لتحل محل الأدوية المفقودة في السوق حيث يقوم التجار باستغلال حاجة المرضى للدواء لتسويق أدويتهم والمستحضرات السمّية التي قد تتسبب بمضاعفات خطيرة خصوصاً تلك التي تحتاج الى تبريد مستمر كأبر الهورمون والكزاز والانسولين وغيرها».

وفيما اعتُبرت مجمل هذه المؤشرات البالغة القتامة من «مظاهر» ما وصفه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بـ «الأيام السود» التي يتّجه إليها لبنان، فإن هذا «الأفق الخطير» نفسه هو الذي يطغى على خلفيات اللقاء الاستثنائي الذي يُعقد السبت بين جنبلاط وكل من رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان، ورئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب، من فوق «الهوة السحيقة» الاستراتيجية التي تفصل الأول عن الأخيريْن وخصوصاً بالنسبة الى الموقف من النظام السوري، وسط تَقاطُع القراءات عند أن هذا الاجتماع يهدف بالدرجة الأولى لتحصين البيت الدرزي حيال المرحلة الصعبة لبنانياً وتفادي أي ارتداداتٍ أمنية لها في الجبل، وهو ما عكسه ارسلان بتأكيده «لكل منّا خياراته في السياسة، فنحن في موقع استراتيجي واضح ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في موقع آخر، إلا أن هذا لا يمنع تنظيم الخلاف على قاعدة حماية الاستقرار في الجبل ولبنان».

ما سرّ زيادة تحويلات اللبنانيين إلى مصارف سويسرا بـ 2.7 مليار دولار في 2020؟
من خلف كل العناوين الصاخبة التي تشغل بيروت، برز ما نشره موقع «فاي نيوز» السويسري عن تحاويل مصرفية من لبنانيين إلى سويسرا حصلت خلال 2020 بزيادة نحو 2.7 مليار دولار لترتفع الأموال المودعة في مصارف سويسرية ومصدرها لبنان إلى 7 مليارات دولار.

وبتدقيق كشفت صحيفة «النهار» أنها قامت به من خلال الموقع الإلكتروني للمصرف المركزي السويسري الذي يَنشر قيمة هذه الأموال بدقة أمام العامّة، تبيّن أن مجموع الأموال المحوّلة إلى سويسرا نحو 6 مليارات و455 مليون فرنك سويسري أي ما يقارب الـ7 مليارات دولار، وازدادت في 2020 نحو 2.7 مليار دولار.

وفيما بدأ المسار التصاعدي للتحاويل منذ 2017، فإن فترات سابقة سجّلت وفق التدقيق نفسه انخفاض قيمة ودائع اللبنانيين في سويسرا، «وبين العامين 2011 و 2012 تراجعت الودائع 19.8 مليون فرنك سويسري، وتراجعت قيمة الودائع بين العامين 2012 و2016 ما يقارب الـ21 مليون فرنك سويسري».

وقوبل ارتفاع قيمة الودائع في فترة الانهيار، ولا سيما منذ 2018، بتساؤلات حول المنظومة التي تمكنت من التحويل رغم القيود التي فرضتها المصارف على السحوبات النقدية والتحاويل الخارجية وتحديداً في أعقاب بدء السقوط المالي – المصرفي – النقدي الذي احتُجزت معه أموال المودعين.
https://www.alraimedia.com/article/1541607/خارجيات/هل-يحضر-لبنان-المتهالك-في-القمة-الأوروبية