IMLebanon

متى نجرؤ على البحث عن بديل؟ (بقلم رولا حداد)

أثبتت المرحلة الأخيرة من عمر لبنان اعتباراً من 17 تشرين الأول 2019 وحتى اليوم أن لبنان يعيش واقعاً فدرالياً بامتياز، وعلى قواعد طائفية ومذهبية من دون مواربة، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى. يكفي أن نراقب كل ما يقوم به “حزب الله” من أجل تأمين صمود بيئته الخاصة، وكل ما اتخذه من إجراءات وخطوات مثل بطاقة “سجّاد” وتأمين المواد الغذائية المدعومة في مناطقه، إضافة إلى الالتفاف الكبير بين الثنائي الشيعي من دون أن ننسى دور سلاح الحزب الذي أسّس لدويلة متكاملة. ويكفي درزياً أن نراقب الالتفاف الدرزي واجتماع خلدة بهدف رص الصف الداخلي من دون أن ننسى كل الإجراءات التي قام بها وليد جنبلاط لمحاولة تأمين بعض الحاجات لأبناء طائفته ومنطقته. سنياً أيضاً لم يتردّد سعد الحريري في الاجتماع بمن كان يسمّيهم “سُنّة حزب الله” أمثال النواب جهاد الصمد وعدنان طرابلسي وعبد الرحيم مراد، كما استنفر رؤساء الحكومات السابقين والمفتي والمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى…

لاحظوا كيف أن كل الأطراف أعلاه تدّعي رفض الفدرالية وتمارسها بأبهى حللها، كما ترفض منذ الطائف وحتى اليوم تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة التي نصّ عليها اتفاق الطائف. يحمل الثنائي الشيعي بفعل هيمنة “حزب الله” مشروع إيران في المنطقة ويسعى إلى تحويل لبنان جزء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو على الأقل تحويل لبنان دولة تابعة يحكمها الحزب. وفي حين يفضّل أركان طائفة الموحدين الدروز التكاتف إنطلاقاً من حساباتهم كأقلية في المنطقة يفضّلون ألا يدفعوا أثمان المواجهات الكبرى، ينتظر المسؤولون السُنّة الحسابات الخليجية لاستعادة الدور الذي خسروه تدريجياً اعتباراً من لحظة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

في المقابل يعيش المسيحيون حالاً من الضياع لأسباب متعددة. بعد انكسار مشروع 14 آذار، ومن دون الغوص في أسباب هذا الانكسار، حاولت “القوات اللبنانية” أن تجري مصالحة مسيحية مع “التيار الوطني الحر”، فكان اتفاق معراب في محاولة لاستعادة توازن مفقود، ولكن على قاعدة “مين جرّب المجرّب كان عقلو مخرّب”… فشل الاتفاق وانهارت المصالحة. وبالخلاصة يبقى المسيحيون اليوم مشرذمين من دون مشروع محدد. قسم منهم في السلطة ويسعى للتمديد عبر تأمين الوراثة السياسية، والقسم الآخر يتمسّك بدولة لم تعد موجودة بحكم الأمر الواقع، أو على الأقل بنظام أثبت فشله باعتراف الجميع الضمني رغم المزايدات العلنية.

الإشكالية المطروحة اليوم تكمن في السؤال عن المشروع الذي يحمله المسيحيون او يجب عليهم أن يحملوه ليلاقوا أي نقاش مقبل حول النظام. البطريرك الماروني يرفع عنوان الحياد ويطالب بعقد مؤتمر دولي من أجل لبنان، لكن ذلك يبقى بعيداً عن أن يكون مشروعاً قابلاً للبحث حول نظام جديد يعالج الأسباب العميقة للأزمات اللبنانية المتلاحقة.

من قال إن على الطوائف أن تحمل مشاريع أنظمة جديدة للبحث؟ ليس بالضرورة على الإطلاق أن يجري أي نقاش إنطلاقا من الخلفية الطائفية، رغم أنها تبقى أساسية في بلد كلبنان. إنما المطلوب وبشكل جدي أن ننتقل من رفض الاعتراف بالواقع وبانهيار وتحلّل كل شيء في لبنان والمكابرة عبر رفض النقاش الجدي في البدائل الممكنة عن النظام المنهار.

هل يمكن أن تكون الفدرالية بديلاً؟ ليس بالضرورة. لكن الضروري أن تسقط المحرمات في البحث بغض النظر عن الشعارات. قد يمكن البحث في أي إطار جديد على قاعدة حماية التعددية والنظام الحر، وإسقاط منطق القبلية والزبائنية على طريق بناء وطن يخرجنا من مستنقع المزرعة ودولة تحترم الانسان وتؤمن الازدهار والرفاهية لجميع مواطنيها.