IMLebanon

لبنان… اتساع فجوة الانهيار يهدّد بـ “ابتلاع” بقايا الاستقرار

 

لـ «الغرق المميت»، وفي الداخل «تتورّم» مظاهر الانهيار المتدحْرج والتي باتت في سِباقٍ مع بداياتِ انزلاقِ الشارع إلى فوضى، بعضها وليد تمدُّد «أحزمة البؤس» وبعضها الآخَر يُخشى أن يكون «استثماراً سبّاقاً» في الأرض التي تغلي، في تكرار لتجارب سابقة تحوّلت فيها أعمال الشغب من عُدّة «المشاغبة السياسية».

 

وتطلّ بيروت على أسبوعِ «اللقاء ذات الصدى العالمي» الذي ستشكّله قمة الفاتكيان للقادة الروحيين المسيحيين في لبنان التي تُعقد الخميس بدعوة من البابا فرنسيس وستطلق مساراً من المبادرات التضامنية سيُعمل على أن تكون الأسرة الدولية جزءاً لا يتجزأ منها على قاعدة الحفاظ على وجود «وطن الرسالة» الذي يرتكز على التعايش المسيحي – الإسلامي، وسط تقاطُع هذه الإحاطة الفاتيكانية «فوق العادية» للواقع اللبناني مع دينامية دولية متجددة تقودها واشنطن وباريس معاً للحؤول دون «زوال» هذا البلد.

وفي رأي أوساط مطلعة أن هذه الدينامية المتعددة الطرف لا تعني أن بالإمكان التفاؤل بقرب اجتراح مَخارج لمأزق تأليف الحكومة الذي يختزل كل عناصر «الأزمة الشاملة»، بمقدار ما أنه يعكس حَراجةِ الوضع اللبناني الذي يشي بفصولٍ أكثر عصْفاً مع تحوُّل الصراع السياسي – الحكومي لعِباً على حافة… الانفجار.

ولم يكن عابراً ما حملتْه الساعات الماضية من تسارُعٍ غير مسبوق في وتيرة الانهيار الذي باتت «فجوته» تتّسع في شكلٍ مخيف مُنْذِرةً بـ «ابتلاع» ما تبقى من أرضياتٍ مهتزة ولكنها لم تقع بالكامل بعد، خصوصاً أن «تَقَدُّم» الأزمات العاتية يقابِله تَراجُعٍ في «بصيص الأمل» باستيلاد الحكومة الجديدة التي صارت رهينةَ حساباتٍ داخلية تتصل بالصراع على السلطة والانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة (2022) كما بمقتضياتِ الواقع الإقليمي الذي يشكل الملف النووي الإيراني عنواناً رئيسياً فيه وهل سيبقى لبنان من ساحاتِ «المنازلة» حوله «حتى الرَمَق الأخير» من استقراره.

وجاءت أكثر التعبيرات وضوحاً عن «عوارض» تضخُّم الانهيار مع التداعيات «المركّبة» والمبّكرة لقرارِ دعْمِ استيراد المحروقات وفق دولار 3900 ليرة (عوض 1500 ليرة) والتي يُنتظر أن تَظْهَرَ ابتداءً من اليوم (حتى قبل صدور جدول الأسعار الجديد ونفاد الكميات المستوردة وفق السعر القديم والتي «حُجر» عليها في المستودعات والمحطات من أصحابها) مع التداول بأسعار جديدة و«صاروخية» لمختلف المواد الغذائية والسلع التي ستتأثر بارتفاع تكلفة نقلها (في غياب أي قدرة على لجْم الرفع العشوائي للأسعار) كما بزيادة تكلفة الاشتراكات بالمولدات الخاصة (للتجار والسوبرماركت والمحال) نتيجة رفْع سعر المازوت الذي سيدفع المواطنون ثمنه أيضاً في اشتراكاتهم المنزلية ثم لاحقاً في تدفئتهم (في الشتاء)، هذا ناهيك عن «القفزة الجهنمية» في الأسعار التي سُجلت في أيام قليلة بفعل تحليق الدولار في السوق الموازية عند حدود 18 ألف ليرة و…صعوداً.

ومجمل هذه «الصواعق» معطوفةً على أزمة الدواء والاستشفاء والكهرباء واحتجاز الودائع في المَصارف والاتجاه إلى «خَنْق» الأسواقِ عبر «تعطيشها» إلى الليرة تحت عنوان إحداث نوعٍ من التوازن على حُطام الواقع المالي – المصرفي – النقدي – الاقتصادي، تشكّل قوةَ الدفْعِ للاحتجاجاتِ التي استمرّت أمس على شكل قطْع طرق في مناطق عدة والتي تتحوّل كل يوم «بقعةَ زيتٍ» يُخشى أن تُرمى فوقها «نار» التأزم السياسي وفتائله المتعدّدة.

وتوجّستْ الأوساط المطلعة من التوترات الأمنية التي رافقت الاحتجاجات في عاصمتيْ الشمال والجنوب طرابلس وصيدا يوم السبت خصوصاً ليلاً في الأولى حيث جرت محاولات اقتحام سرايا المدينة وفرع مصرف لبنان ومنازل نواب حاليين وسابقين (بينهم عبد اللطيف كبارة وفيصل كرامي) ما أدى إلى مواجهات مع الجيش وعناصر حماية أمنية وسقوط نحو عشرين جريحاً بينهم 10 عسكريين أصيب 9 منهم في منطقة التل «بعدما أقدم شبان يستقلون دراجات نارية على رمي قنابل صوتية في اتجاه قوة من الجيش كانت تعمل على حفظ الأمن أثناء احتجاجات شهدتها المنطقة» وفق بيان المؤسسة العسكرية.

وفيما كانت صيدا التي عاشت أيضاً توتراتٍ وسقوط جرحى (أول من أمس) في إشكال مع الجيش شهدت أمس تحركات غاضبة، استفاقت طرابلس على هدوء (خرقه إطلاق نار على أحد المطاعم) غداة «عاصفة الليل»، وسط ارتيابٍ قديم – جديد من وجود «قرارٍ في مكان ما» بدفْع الوضع «من الخلف» في عاصمة «البؤساء» التي تُعتبر ثاني أكبر مدينة في لبنان ومن الأكثر فقراً على ساحل المتوسط نحو تصعيدٍ قد يَخْرج عن السيطرة وذلك لاعتباراتٍ تتصل باللحظة السياسية.

وإذ تستعيد الأوساط المطلعة ما شهدته طرابلس في يناير الماضي من فوضى تَقاطَعَ فيها وجع الجوع مع طغيان الحلّ الأمني والأزمة المحتدمة على جبهة تأليف الحكومة، فإنّ هذا التقاطُع نفسه ما زال قائماً مع حدّة أكبر في المكاسرة الحكومية بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وكل من رئيس البرلمان نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري الذي تُعتبر عاصمة الشمال من معاقل تياره التي لطالما استُخدمت «صندوقة بريد» بعد 2005 في كل معارك «ليّ الأذرع» السياسية.