IMLebanon

نذر الانفجار الاجتماعي تطلّ من طرابلس

تعرب أوساط واسعة الاطلاع في بيروت عن اقتناعٍ بأن مجمل الحِراك الخارجي المستعاد بإزاء لبنان، على أهميته، لا يعني بالضرورة أن شيئاً ما وشيكاً سيتغيّر في واقعه الذي يَمْضي من حفرة إلى حفرة أعمق.

وإذ اعتبرتْ الأوساط عبر «الراي»، أن الدينامية الجديدة، الغربية – العربية – الفاتيكانية تتقاطع حتى الساعة مع عودة التأزّم إلى الملف النووي الإيراني الذي باغتتْه واشنطن ببدء استعادة «قوة الردع» عبر الضربات على الحدود السورية – العراقية ضد فصائل مدعومة من طهران، توقفت عند رسالة متعددة الوجه أطلقها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أمس، وبدت برسم رئيس البرلمان نبيه بري كما الرئيس المكلف سعد الحريري بعد أيام من دخول «حزب الله» على خط التوسط بينهم و«تدليك» مبادرة بري الحكومية.

فباسيل أعلن في تغريدة على «تويتر»، انه «لا يجوز الاستمرار كما نحن… على رئيس الحكومة المكلّف أن يحسم أمره إذا يريد أن يؤلّف أو أن يعتذر؛ وبحال استمرّت المماطلة. على البرلمان أن يحسم أمره، إمّا بتعديلٍ دستوري لوضع المهل أو باستعادته القرار، وإلا فليعلن عجزه وينهي ولايته بتقصير مدّتها… ما منقدر نكفّي هيك!»

وإذ كان هذا الموقف يعكس الأفق المسدود لكل ما قيل عن محاولاتٍ لتبريد «الجبهات» بين الرئيس ميشال عون وكل من بري والحريري تمهيداً لمعاودة إدارة محركات تأليف الحكومة، فإن الأوساط تخوّفت من بوادر انفجار الوضع في طرابلس أمس، مبدية الخشية من استثمار الغضب العارم حيال الوضع المعيشي المزري من أكثر من جهةٍ لمحاولة دفع الحريري إلى اعتذار مازال يضعه على الطاولة، ولا سيما أن عاصمة الشمال تضمّ مرشحين لرئاسة الحكومة لم يعُد يخفى أنهم فوتحوا بتولي هذ المنصب بعد عزوف زعيم «تيار المستقبل».

وشهدت طرابلس توتر كبيرا مع احتجاجاتٍ تخللتْها صِدامات مع الجيش ولا سيما في منطقة باب التبانة وجوارها، حيث نزل المئات إلى الشارع مدفوعين بوجع الجوع وواقع البؤس، وسط تسجيل ظهور عدد من المسلّحين وإطلاق نار في الهواء ورمي قنبلة في نهر ابوعلي.

وفيما أشارتْ تقارير إلى أن الصدام مع الجيش بدأ بعد إطلاق عناصر منه النار في الهواء لإبعاد المحتجين، أفادت معلومات أخرى بأن عدداً من الشبان بادر إلى رمي الآلية العسكرية بالكراسي والحجارة، وسط معلومات عن أن «الاحتجاجات» جاءت على خلفية أخبار، نفاها أكثر من مصدر في المدينة، حول وفاة طفل بنقص الأوكسجين، فيما أفادت تقارير أخرى أن وفاة الطفل «ع.أ.ع» (من مدينة المنية) البالغ من العمر تسعة أشهر سببها سوء التغذية، حيث لم تنجح الإسعافات التي أعطيت له في احد المستشفيات بإنقاذ حياته.

وإلى جانب طرابلس كانت مناطق عدة تشهد توترات وقطْع طرق على وقع استمرار أزمة المحروقات (بنزين ومازوت) رغم رفْع الدعم الجزئي عنها (رفَع أسعارها بنحو 35 في المئة عما كان عليه الاثنين وليصبح سعرها ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عام) وذلك نتيجة تحفُّظ الشركات المستوردة عن التوزيع، بسبب ما رأت أنه غبن لحق بها في جدول تركيب الأسعار الجديد وطريقة احتسابه، وأن موزعي المحروقات بدورهم يتحدّثون عن فروق بنسبة 10 في المئة لم يغطّها مصرف لبنان الذي بات يوفّر دعمَ كامل سعر الصفيحة وفق دولار 3900 ليرة (عوض 1514 ليرة).

وفي حين سُجّلت إشكالات عدة أمام محطات محروقات بعضها تخلله تضارُب بالسكاكين، كما حصل في بيروت، وبعضها الآخر إطلاق نار، في ظل توالي التحذيرات من «الكوارث» التي ستترتب على عدم تسليم المازوت لزوم تشغيل المولدات الخاصة بحلول اليوم، وفق ما عبّرت عنه نقابة المستشفيات محذّرة «المازوت فوراً وإلا في حال انقطعت الكهرباء سيتعرّض المرضى بالعناية المركزة لخطر الموت، ولن يستطيع المرضى إجراء غسيل الكلى»، لم تحمل جلسة البرلمان التشريعية حلولاً آنية بعدما جاء إقرار البطاقة التمويلية معلَّقاً على توفير الحكومة التمويل لها بنحو نصف مليار دولار سنوياً (سيراوح سقفها لكل عائلة مستفيدة بين نحو 93 دولاراً و127 دولاراً).

وإذ أرفق إقرار البطاقة بتعهّد من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بتنفيذ برنامج ترشيد الدعم، فإن «قتالاً» مبكراً «على جلد الدب قبل اصطياده» لاح على خلفية «تبلغ وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني أن المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي ناقش اقتراح تخصيص حقوق السحب الخاصة للدول الأعضاء ( SDR ) ليحال بعدها على مجلس المحافظين الذي يدرسه بدوره في شهر يوليو، وأن المتوقع أن تكون حصة لبنان نحو 900 مليون ‏ دولار، ‏يستطيع الاستفادة منها بعد الإقرار، وهو ما جعل البعض يلمح لإمكان استخدام هذا المبلغ لتمويل البطاقة التي تُرشق أصلاً بأنها ستكون «انتخابية»، في مقابل دعوة نائب «حزب الله» حسن فضل الله لمنع التصرف بمبلغ الـ900 مليون دولار «من دون قانون من مجلس النواب».

وقال بون خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، أمس، إن «الموقف الأميركي هو نفسه على ما اعتقد (مثل الموقف الفرنسي) بإبقاء الضغط الأقصى وعدم استبعاد أي خيار بما يشمل فرض عقوبات إضافية».

واتفق وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان يوم الجمعة الماضي في باريس على ممارسة ضغط مشترك على المسؤولين عن الأزمة من دون تحديد أي شكل يمكن أن يأخذه.

من جهته يتطرق وزير الخارجية الفرنسي تكراراً، وأيضا على المستوى الأوروبي، إلى «احتمال أو ضرورة فرض عقوبات»، كما ذكر بون أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ.

وقال «لا أعرف ما إذا سيتم اتخاذ قرار (على مستوى الاتحاد الأوروبي) لأنه نقاش حساس ولكن هناك الرغبة الأوروبية للنظر في عقوبات محتملة في الأسابيع المقبلة وفي مطلق الأحوال إبقاء الضغط».

وأضاف «الفكرة هي وضع نظام عقوبات، للإشارة إلى لبنان بأننا مستعدون للقيام بذلك ضد الأطراف السياسية الفاعلة التي تبقى مسؤولة عن العرقلة». وتابع أن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل «يعمل على حزمة محتملة من العقوبات بناء على طلبنا وسنواصل استخدام الجزرة والعصا لكي تكون حزمة العقوبات هذه متوافرة».

من جهتها اعتمدت فرنسا في الآونة الأخيرة قيوداً على دخول الأراضي الفرنسية ضد شخصيات لبنانية تعتبر مسؤولة عن العرقلة لكن من دون كشف هوياتها. ودعا بلينكن ولودريان ونظيرهما السعودي الأمير فيصل بن فرحان الثلاثاء، أيضاً القادة اللبنانيين على هامش اجتماع مجموعة العشرين، إلى تجاوز خلافاتهم لحل الأزمة التي تعصف ببلدهم.