IMLebanon

تتعدّد السيناريوهات والنتيجة… لا حكومة

رغم الواقع الجهنمي – المأسوي وأنين الناس في الداخل، وتلاشي مبادرات الخارج وتحذيراته بـ «مكبرات الصوت»، فإن تسعة أشهر لم تكن كافيةً لانتهاء المخاض الهستيري لتشكيل الحكومة، لا بولادة طبيعية ولا على نحو قيصري، الأمر الذي يُشْعِلُ التحريات عن سرّ هذه «الأحجية» المستعصية التي تكتوي البلاد بنارها المفتوحة والتي تصيب «إطفائيي» العواصم المشغولة البال على لبنان بالذهول والصدمة وخيبة الأمل.

والأكثر إيلاماً و«نيرونية»، هو أن تَعاظُم الضوء الأحمر من مغبة «تفكك» لبنان وزواله، ومظاهر انفلات الفوضى وانهيار المؤسسات وشلل آلة الحكم وجعْل الناس حطباً في وليمة النار المفتوحة، لم يحرّك «فاصلة» في ملف تشكيل الحكومة، الذي تزداد التقديرات باحتمال ترحيله إلى ما بعد الانتخابات النيابية بعد نحو ثمانية أشهر، والتي تحوط بإمكان إجرائها في موعدها شكوك مبكرة.

 

فوهْج الدينامية الدولية حول لبنان، وآخِر مظاهرها لقاء الفاتيكان أمس واجتماع وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، لم يحرّك المياه الحكومية الراكدة في بيروت التي استحضرت كواليسُها سيناريوهاتٍ على الطاولة وتحتها، كاحتمال رمي الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، الكرة في مرمى رئيس الجمهورية ميشال عون، توطئة لـ «اعتذارٍ منظّم» عبر الذهاب إليه بحكومة من 24 وزيراً ومن دون ثلث معطّل لأي طرف وتعكس روحية المبادرة الفرنسية، وسط تقديرات بأن عون سيردّها على أعقابها مما يدفع الحريري إلى «الخطة ب»، أي الاعتذار وبتوقيت يتلاءم مع خطوته التالية.

… وهكذا، صيغة الـ18 وزيراً إلى الـ24، ومن الـ3 ثمانيات إلى 4 ستات، ومن لعبة الحقائب والطوائف إلى الثلث المعطل الصافي أو المضمر… هندساتٌ ورسوم تشبيهية وأفخاخ ومكائد وحروب كلامية وتَنازُع صلاحياتٍ ومعارك «وجودية» ونكء غرائز وعصبيات… كل ذلك يجري فوق «تسونامي» انهيار لبنان وفواجع أهله الذي شلّهم اليأس، كأنهم في… الرمق الأخير.

لماذا كل هذا الرقص المجنون فوق حُطام البلاد وأزماتها المميتة؟

يحلو لأوساط واسعة الإطلاع القول لـ «الراي»، إن «القفل والمفتاح» في عملية تشكيل الحكومة هما بيد عون، الذي سلّم أمره لرئيس حزبه النائب جبران باسيل، الذي يخوض معارك لضمان مستقبله السياسي كمرشح أول لرئاسة الجمهورية، وتالياً فإن تشكيل الحكومة واحد من ساحات قتاله ولو بـ «السلاح الأبيض». وهما أيضاً في يد الحريري، الذي يخوض معركة التشكيل وكأنها مفصلية في تحديد مستقبله السياسي ومكانته في الداخل والخارج على حد سواء.

وفي تقدير هذه الأوساط أن باسيل يريد انتزاع ضمانة من أربعة خيارات أمامه، هي:

• لا حكومة، ومهما كلف الأمر، من دون إمساكه بـ«ثلث معطل» صافٍ، ما يجعله رقماً صعباً في إدارة البلاد وعلى النحو الذي يضمن حظوظه الرئاسية بملاقاة استحقاق الـ2022.

• المضيّ في القبض على «توقيع» مراسيم أي حكومة محتملة ومقايضة حليفه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله لضمان «وعدٍ» بتبنّيه مرشحاً للرئاسة، على غرار ما حظي به عون.

• عدم الممانعة في ترك المأزق الحكومي يأخذ مداه، واستخدامه سلاحاً لاستدراج الأميركيين لرفع «الفيتو» عنه (العقوبات) ومعاودة الاعتراف بمكانته، وذلك كضمانةٍ لحماية مستقبله السياسي.

• الرهان على أن الانهيار الشامل في البلاد سيقود إلى فوضى لن يكون في الإمكان إخمادها إلا عبر طاولة تفضي إلى ما هو أكثر من اتفاق الدوحة وأقل من اتفاق الطائف، الأمر الذي يضمن له الجلوس على رأسها كممثل أول للمسيحيين.

واحدة من أربع فرضيات يريدها باسيل، وفق هذه الأوساط، في لعبة «الكر والفر» فوق مسرح العمليات الحكومية الذي تبقى أضواؤه مصلتة على الرئيس الحريري في حركته التي تراوح بين لاءاته الراسخة وتلويحه غير المحسوم بالاعتذار.

وتعتقد الأوساط الواسعة الاطلاع أن الحريري في «صموده» أمام الشروط والضغوط المرفوعة في وجهه، يريد هو أيضاً إصابة عصفورين بحجر واحد، هما:

• تثبيت مكانته في اللعبة السياسية كزعيم أول وبلا مُنازِع للسنّة، بعدما التف حوله رؤساء الحكومات السابقين ودار الفتوى وبعض مَن كانوا في المقلب الآخر، كما استنهاض شعبيته المتصدّعة مع العد التنازُلي للانتخابات النيابية.

• الإيحاء للخارج، لا سيما الإقليمي، بأن الحريري نسخة 2021، المُمْسك بورقة «تشكيل الحكومة» لن يفرّط أو يتراجع ولن يقدم تنازلات لعون و«حزب الله»، وهو ما يتيح له تالياً استعادة مكانته التي يحرص على ترميمها عبر أسفاره.

وفي رأي الأوساط أن الحريري، الذي يحتفظ بورقة الاعتذار في جيبه، ربما لن يفرّط بها سريعاً لكنه سيكون جاهزاً لاستخدامها كـ«خيار أخير» بعد ترتيب أوراقه وعلاقاته على النحو الذي يجعل من اعتذاره مصدر قوة لا ضعف.

وفي الفاتيكان (أ ف ب)، التقى البابا أمس، عشرة من رؤساء الكنائس الموجودة في لبنان، البلد الذي يودّ زيارته قريباً وغالباً ما يذكره في صلواته، في إطار يوم تأمُّل حول الوضع المقلق في البلاد وللصلاة معاً من أجل «عطية السلام».

وتوجّه البابا مع ضيوفه سيراً على الأقدام إلى كنيسة القديس بطرس، حيث عقدت وقفة صلاة «من أجل عطية السلام في لبنان». وانتقلوا بعدها إلى القصر الرسولي حيث عقدت ثلاث جلسات مغلقة بإدارة السفير البابوي في لبنان المونسنيور جوزف سبيتري.

واستبق الحبر الأعظم اللقاء بتغريدة الأربعاء، قال فيها «أدعو الجميع إلى الاتحاد معنا روحياً بالصلاة كي ينهض لبنان من الأزمة الخطيرة التي يمر بها وأن يُظهر مجدداً وجهه، وجه السلام والرجاء».