IMLebanon

متحوّر “دلتا” في رحاب جمهورية “المناعة المفقودة”

جاء في الراي الكويتية:

أبى لبنان إلا أن يتجرّع بـ «جرعةٍ واحدةٍ» وبالتوقيت نفسه دخولَ المتحور الهندي (دلتا) ربوعه وتربُّعَه الصاعق والمفاجئ على الإصابات فيه، وكأن الصدمات المتوالية التي يعيشها في سياق «الارتطام الكبير» الذي يقترب منه… لا تكفيه.

في أقلّ من 24 ساعة (ابتداءً من بعد ظهر الجمعة) «اكتشف» اللبنانيون، مسؤولين معنيين ومواطنين، بدايةً تسجيل أول ثلاث حالات بالمتحور الهندي لفيروس «كورونا»، وبعد ساعات قليلة ارتفاع الرقم إلى 7، قبل أن تتوالى المؤشرات المخيفة إلى أن «دلتا» تَسَرَّب إلى البلد – الحُطام (مالياً واقتصادياً واستشفائياً) منذ أسابيع وأن غالبية الإصابات التي يشهدها باتت من المتحوّر الأشرس.

فبعد الإعلان الرسمي من وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن عن «تدشين» مرحلة المتحوّر الهندي لبنانياً (بأول 3 إصابات)، تكشَّف حال «كورونا» عن تغلغل «دلتا» في لبنان مستفيداً من «الأبواب المفتوحة» التي تعتمدها السلطات فيه أمام المغتربين والسواح لاستقطاب نحو 2.5 مليار دولار «فريش» تحتاجها الدولة المفْلِسة بشدة، ومن تراخي إجراءات الرصد والمتابعة لِما بعد وصول المسافرين إلى بيروت وما قبل تبلُّغهم نتائج فحوص الـ pcr التي تُجْرى في مطار رفيق الحريري الدولي (تحتاج نتائجها لنحو 48 ساعة) وهي الفترة التي يمكن للمصابين أن ينقلوا خلالها العدوى سواء لعائلاتهم أو عبر تنقُّلهم في البلاد التي أنهت كل القيود وتشهد بعض مناطقها ليالٍ عامرة بسهراتٍ لا تُراعى فيها شروط «الأمان الكوروني».

ولم يكن عابراً ناقوس الخطر الذي شكلته 3 مواقف:

* الأوّل من الوزير حسن الذي كشف مساء الجمعة أنه «تم تسجيل تسعة إصابات وافدة من متحور دلتا خلال الفترة الأخيرة: أثيوبيا، الرياض، الإمارات، بغداد؛ وما زالت جهود الوزارة منكبّة لخفض الإصابات واحتوائها؛ نناشد الجميع مشاركتنا المسؤولية للحفاظ على ما أنجزنا؛ لبنان ما بقى يحمل».

* والثاني من أستاذ العلوم البيولوجية والمسؤول عن فحوص الـpcr في مطار بيروت الدولي، الدكتور فادي عبد الساتر، الذي أكد أن النتائج المتصلة بالإصابات بمتحور دلتا «هي حصيلة فحوص الجمعة التي بدأناها في اليوم نفسه للمرة الأولى في إطار فحص المتحور دلتا»، موضحاً أنه «استناداً لتلك الفحوص تم تثبيت 3 حالات وافدة، إضافة إلى 4 حالات تعود نتائج فحوصها الإيجابية (pcr) إلى منتصف شهر يونيو، وكنا قد وضعناها جانباً للتأكد علمياً من المتحور، وقد تأكدنا بالأمس».

وإذ أكد «ان العدد المصاب بالمتحور الهندي أكبر من هيك بكتير»، لفت استناداً إلى الفحوص والتجارب العلمية التي يقوم بها والفريق إلى أنه «يمكن القول إن أكثرية الإصابات في لبنان اليوم هي دلتا»، مدللاً على ذلك بالقول إن من «أصل 55 حالة إيجابية مثبتة الأسبوع الماضي، هناك ما لا يقل عن 49 حالة يبيّن الـprofile الخاص بها أنها إصابات بمتحور دلتا وننتظر أن يثبت الأمر نهائياً»، وكاشفاً أنه «بوشر إجراء فحوص لعينات إيجابية تعود تواريخها للأول من يونيو الماضي وحتى اللحظة الراهنة لإعطاء صورة تقريبية عن نسبة انتشار المتحور الهندي في لبنان».

* والثالث لرئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا عبد الرحمن البزري الذي أعلن أن «العينات التي فحصت من فيروس «دلتا» المتحور من «كورونا» ليست عينات حديثة بل عينات عمرها أسابيع»، مضيفاً ان «هذا ما يؤكد ان فيروس دلتا سيصبح الفيروس الأساسي الذي سينتشر في العالم».

وفي حين جاء هذا التطور المخيف بعد أسابيع من انحسار الإصابات بكورونا في لبنان وتسجيل نسبة إيجابيةٍ في الفحوص بحدود 1.3 في المئة مع تَراجُع نسبة إشغال المستشفيات (في الأسرّة العادية كما العناية الفائقة) إلى نحو 5 في المئة للأولى وأٌقلّ من 7 في المئة للثانية وانخفاض معدل الوفيات اليومي إلى 2، فإن حبْس الأنفاس يسود حيال كيفية تطور المنحى الوبائي بعد دخول «دلتا» على الخط، وسط تسجيل ارتفاعٍ في الإصابات اليومية المحلية في اليومين الماضييْن بزيادة نحو 30 في المئة عن الأسبوع الماضي وبدء ارتفاع حالات الاستشفاء ولو بنسبة غير كبيرة.

وإذ يبرز سؤال حول هل ستكون حملة التلقيح التي شملت حتى الساعة نحو مليون ونصف مليون لبناني ومقيم (بينهم نحو مليون تلقوا جرعة واحدة ونصف مليون جرعتين) اي بنسبة نحو 21 في المئة و11 في المئة تباعاً على عدد السكان كفيلة بالإبقاء على معدّل الوفيات منخفضاً، فإن تحذيراتٍ تعالتْ من ترْك «دلتا» يفتك باللبنانيين والإصرار على «أولوية الدولار على الصحة» في ظلّ «الكوارث» المتشابكة الآتية:

* افتقاد المستشفيات غالبية مقوّمات العمل وخروجها تقريباً من الخدمة نتيجة الانهيار المالي وغياب المستلزمات الأساسية لتأدية خدمتها الطبية، وصعوبة أن تعاود فتْح أقسام «كورونا» التي أقفلتْها مع انحسار الوباء.

* أزمة فقدان الأدوية التي تجعل العثور حتى على علبة بانادول او فيتامين للمصابين بحالات خفيفة أشبه بالبحث عن «كنز مفقود» فكيف بالأدوية المعتمدة ضمن بروتوكولات علاج «كورونا».

* تأثيرات أزمة الكهرباء وانقطاع التيار شبه الكامل (عبر مؤسسة كهرباء لبنان) وتقنين ساعات التغذية من المولدات الخاصة البديلة التي تجعل المرضى الذي يحتاجون الى اوكسيجين في المنازل يواجهون خطر الموت الحتمي.

* هجرة الأطباء والممرّضين التي تفاقمت في الأشهر الماضية واستنزفت طواقم مستشفيات عدة على امتداد لبنان.

ولم يكن عابراً في غمرة هذا «الخطر» تحذير المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس أبيض من أنه «بالنسبة لغالبية المستشفيات في لبنان، فإن الشاغل الرئيسي حالياً ليس متحور دلتا، ولا نقص الأدوية او المستلزمات. مصدر القلق الرئيسي الآن هو الكهرباء، التي بدونها لا تعمل الآلات الطبية. لا يمكن للمولدات القديمة الاستمرار في العمل دون توقف. عندما تتعطل، ستكون الأرواح في خطر».

وكان أبيض نبّه صباح الجمعة من بدء ارتفاع نسبة الفحوص الإيجابية وسأل: «هل وصل متحور دلتا؟ هذا لن يكون مفاجئاً. يطبِّق لبنان حالياً سياسة الباب المفتوح في محاولة لجلب العملة الصعبة حيث الاقتصاد بأمسّ الحاجة لها، ويتم اتباع او تطبيق الحد الأدنى من اجراءات السلامة»، مضيفاً: «بالنظر إلى مشاكلنا الأخرى، فإن كورونا بالمستويات الحالية ليس مصدر قلق كبير بالنسبة للبعض. وهذا خطأ.ستسهل الأنشطة المتزايدة من انتشار جديد للعدوى. وعندما تبدأ الأعداد في الارتفاع، سيكون الأوان لإعادة السيطرة قد فات، واللقاحات وحدها لن تنقذنا».

… إذاً إنه «دلتا» في رحاب جمهوريةٍ لا تنفكّ أزمتها الشاملة تتحوّر تاركة البلاد من دون أي «مناعة» سياسية ومالية واقتصادية ومعيشية، فهل يكمل المتحوّر الهندي نصاب الانهيار المميت أم أن «يقظة» ولو متأخرة للجم «استيراد» الإصابات يومياً وفرْض الحجْر الإلزامي مع استمرار التلقيح سيجنّبان لبنان فواجع جديدة؟