IMLebanon

لبنان ما بعد لقاء الفاتيكان… أي صدى لـ”الصرخة البابوية”؟

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:

لبنان «يلفظ أنفاسه». عبارةٌ لم تتردّد مصادر واسعة الاطلاع في إسباغها على الواقع المُفْجِع في «بلاد الأرز» التي بحّ صوت المجتمع الدولي وهو «يتوسّل» الطبقة السياسية فيه تشكيل حكومةٍ موثوقة تؤسس لمسار الإنقاذ، فيما حساباتُ استحقاقات 2022 الانتخابية والأهمّ وقوع الوطن الصغير رهينة مقتضيات الصراع الكبير في المنطقة يمعنان في «ربْط أقدامه» بحبالٍ لا تنفك تشدّه إلى أعماق «جهنّم» الذي… فُتحت أبوابه.

وفي رأي هذه المصادر أنه بعد «تجنيد» واشنطن وباريس ديبلوماسيتيْهما لحضّ اللبنانيين، «بالعصا والجزرة»، على تأليف حكومةٍ تعطي أول إشاراتِ انتهاء اللعب وفق «قواعد الفساد السياسي والإداري» بانتظار «تغيير حقيقي» يُراهَن على أن تحمله الانتخابات النيابية (أيار 2022)، فإن الصرخة الفاتيكانية التي عبّرتْ عنها مواقف البابا فرنسيس في ختام «يوم التأمل والصلاة من أجل لبنان» لم تقلّ تعبيراً عن الخطر الوجودي الذي بات يواجه «بلاد الأرز» وعن إصرار الكرسي الرسولي على استنفار «جيشه الديبلوماسي» في «معركة هادئة» لدى عواصم العالم لمنْع زوال «البلد الحَبِيب، كَنْزُ الحَضارةِ والحياةِ الرُّوحِيَّة، الذي شَعَّ الحِكْمَةَ والثَقَافَةَ عَبْرَ القُرُون، والذي يَشْهَدُ علَى خِبْرَةٍ فَريدَةٍ مِنَ العَيْشِ السِّلْمِي مَعاً».

ورغم تَرَسُّخ حقيقةِ أن وحدَها تقاطُعاتٌ إقليمية – دولية يمكنها أن توقف انهيارَ «الهيكل» اللبناني باعتبار أن التفوّق الإيراني داخلياً بلغ مرتبةً تجعل حلفاءها يتعاطون على قاعدة أن في سقوط البلاد «فرصة» وأن لنهوضها «ممرّاً إلزامياً» لا يمكن عزْله عن سياقات حرب النفوذ في المنطقة، فإن المصادر نفسها تعتبر أنه وبمعزلٍ عن إمكان أن ينجح الفاتيكان حيث فشل كل الآخرين حتى الساعة، فإن خلاصات يوم لبنان في عاصمة الكثلكة في العالم جاءت مدجَّجةً برسائل بارزة يجري رصْدٌ دقيق لِما بعدها على خطينْ:

* الأول على مستوى الخطوات التالية للبابا فرنسيس الذي لا يمكن تَصَوُّر أنه عقد لقاءً لرؤساء الكنائس المسيحية في لبنان لمجرّد «تسجيل موقف» هو الذي خصّ الوطن الصغير باحتضانٍ بارز يُلاقي مكانته الثابتة لدى الفاتيكان كـ«رِسالَة عالَمِيَّة، رِسالَة سَلامٍ وأُخُوَّة تَرْتَفِعُ مِنَ الشَّرْقِ الأوْسَط» (كما قال البابا).

* والثاني على صعيد ما سيقوله ويقوم به البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي كان واضحاً أن مجمل كلامه حيال مرتكزات الأزمة، بأبعادها السياسية المحلية والاستراتيجية المتعلقة بجرّ لبنان إلى لعبة المَحاور ومسألة سلاح «حزب الله» وقرار الحرب والسلم، كما بالفساد، وصولاً لإصراره على مؤتمر دولي تحت عنوان «حياد لبنان» لا تخرج عن سياقات مقاربة الفاتكيان للواقع اللبناني وإن اختلفت التعبيرات.

وتعتبر الأوساط أن جوهر كلام البابا يوم الخميس تمحور حول أن لا دور للمسيحيين خارج رسالة التعايش المسيحي – الإسلامي «وأنْ يَكُونَ (لبنان) أرْضَ تَسامُحٍ وَتَعَدُدِيَّة، وَواحَةَ أُخُوَّةٍ تَلْتَقِي فِيها الأدْيانُ والطَوائِفُ المُخْتَلِفَة، وَتَعِيشُ فِيها مَعاً جَماعاتٌ مُخْتَلِفَة»، وأن لا بقاء للبنان خارج وقف اسْتِخْدامه (والشَّرْقِ الأوْسَط) «لِمَصالِحَ وَمَكاسِبَ خارجِيَّة»، ولا بترْكه «رَهينَةَ الأقْدارِ أو الَّذينَ يَسْعَوْنَ من دونِ رادِعِ ضَمير وَراءَ مَصالِحِهِم الخاصَّة»، مع دعوة بارزة «لوجوب إعْطاء اللبنانِيِّينَ الفُرْصَةَ لِيَكُونوا بُناةَ مُسْتَقْبَلٍ أفْضَل، علَى أرْضِهِم وَمن دونِ تَدَخُّلاتٍ لا تَجُوز».

ولم يكن عابراً «التقريع الناعم» من البابا للطبقة السياسية في لبنان والتي عبّر عنها قوله «كُلُّ مَنْ فيِ يَدِهِ السُّلْطَة، فليَضَعْ نَفْسَهُ نِهائِيًا وَبِشَكْلٍ قاطِعٍ في خِدْمَةِ السَّلام، لا في خِدْمَةِ مَصالِحِهِ الخاصَة»، وتوجُّهه الى المواطنين اللبنانيين «لا تَيْأَسُوا، وَلا تَفْقِدُوا رُوحَكُم، ابْحَثُوا في جُذورِ تاريخِكُم عَنِ الرَّجاء، لِتُزْهِروا وَتَزْدَهِرُوا مِنْ جَدِيد» وَلـ «أَنْتُم القادَة السِياسِيِّين»: «لِتَجِدُوا، حَسَبَ مَسْؤُولِياتِكُم، حُلُولًا عاجِلَة وَمُسْتَقِرَة لِلأَزْمَةِ الاقتِصادِيَّة والاجتِماعِيَّة والسِياسِيَّة الحالِيَّة»، ومحدداً إطاراً عاماً لمسيحيي لبنان لا يمكن إلا إسقاطه على أداء قادتهم السياسيين قوامه «لا يُمْكِنُ أنْ تَقُومَ العَلاقَاتُ بَيْنَ الناسِ علَى السَّعي وَراءَ المَصالِحِ والامْتِيازاتِ والمَكاسِبِ الخاصَة لِلبَعض».

وفي حين يسود تَرقُّب لمفاعيل الصوت البابوي الذي دوّى في اليوم التاريخي للبنان في الفاتيكان وسط معلومات عن أن البابا سيلتقي سفراء الدول الكبرى المعتمدة في روما لاطلاعهم على نتائج ما دار في اللقاء مع رؤساء الكنائس المسيحية، كما سيتواصل مع الرئيس الأميركي جو بايدن لوضعه في أجواء ما حصل، استوقفت الأوساط عيْنها المواقف التي أطلقها البطريرك الراعي (عبر محطة ام تي في) والتي عكست أنه فور عودته الى بيروت سيعاود تزخيم مساعيه المتصلة بالملف الحكومي، رغم تقاطُع الأجواء عند أن لا حكومة في لبنان أقلّه قبل الخريف ما سيعني ترْك الأزمات «تفترس» البلاد التي باتت تصارع «باللحم الحيّ» لغالبية أبنائها وحش الانهيار الشامل.

فالراعي الذي أكد «أن مجرّد دعوة البابا فرنسيس لاجتماعٍ حول لبنان في الفاتيكان حرّك الرأي العام الدولي، وكل الأنظار كانت متّجهة الى لبنان، وتحدّثنا عن الحياد والمؤتمر الدولي»، أوضح «أن البابا فرنسيس مصممٌ وهو وضع القضية اللبنانية نصب عينيه وسيستمر بدوره، واللقاء في الفاتيكان كان مناسبة كي يستمع البابا للتفاصيل وهو لم يتدخّل فيها، وفي النهاية قال كلمته و(الفاتيكان ما بيمشي على العمياني)إنما يفكّر ويعمل بطريقته الديبلوماسية».

وأعلن أنه سيعمل جدياً بعد لقاء الفاتيكان «على موضوع جمع المسؤولين (في لبنان) من أجل تشكيل الحكومة»، لافتاً إلى «أن المجتمع الدولي يقول إنه غير راضٍ عن المسؤولين وأدائهم والجميع يُخالفون الدستور ومن ضمنهم رئيس الجمهورية بدءاً من طريقة تأليف الحكومة وصولاً إلى طريقة العمل ككلّ»، رافضاً في الوقت نفسه المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية «فالمسؤولية ليست محصورة به بل تتعلق بكل المجموعة السياسية».

وفي موازاة ذلك، وإذ كانت الأنظار شاخصةً على القاهرة التي ذكرت معلومات أن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري توجّه إليها للقاءٍ مفترض مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، فإن الملف الحكومي بدا وكأنه يدور في الحلقة المقفلة نفسها وسط احتفاظ الحريري بورقة الاعتذار «للوقت المناسب» ومعاودة تلويح نواب في «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) بإمكان الاستقالة من البرلمان، فيما عصف الأزمات يتعاظَم، من المحروقات التي بقي الحصول عليها (رغم رفْع سعرها بنحو 50 في المئة) رهن الوقوف في طوابير الذل القديمة – الجديدة، إلى الكهرباء التي تقترب من العتمة شبه الشاملة (عبر مؤسسة كهرباء لبنان) وسط تقنين يشتدّ من أصحاب المولدات الخاصة الذين لم يتسلّموا بعد الكميات الكافية من المازوت، ناهيك عن «جنون» الأسعار التي تمْضي في الارتفاع لتقذف المزيد من الأسر تحت خط الفقر.