IMLebanon

هل تدفع طرابلس ثمن تمسّكها بالدولة؟

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

نام الطرابلسيون ليلتهم أمس الأول على وقع الأزمات التي تحدق بهم من كل جانب، واستفاقوا على ملصقات ملأت جدران المدينة مكتوب عليها “حقك، مش رفاهية… بدك بلد؟ صار لازم تتحرك… حان الوقت”. ومع أن الملصقات تلك لم تذيّل بتوقيع أي حزب أو تيار أو أي جهة ثورية أو ما شاكل، ولم يظهر في اليوم التالي من يعلن تبنّيها، إلا أنها تأتي في وقت تعيش فيه مدينة طرابلس وعموم مناطق الشمال؛ أسوأ أزمة اقتصادية إجتماعية معيشية في تاريخها؛ وسط انقطاع للتيارالكهربائي والمحروقات وارتفاع غير مسبوق للأسعار.

وانقسم الناس في تحليلاتهم حيال هذه الملصقات التي دُسّت خلسة في الليل على الجدران إلى رأيين: أوساط رجحت أن تكون من فِعل أجهزة أمنية أو جهة سياسية ما، تريد أن تخضّ الوضع الأمني في المدينة أكثر، مستفيدة من النقمة الشعبية المتصاعدة، مشيرة إلى أن “هناك من يحاول دائماً جعل طرابلس الأولى في المواجهة والتحركات وكأنّ هذه المدينة هي وحدها التي تعاني وعليها دائماً أن تدفع كل الأثمان عن الشمال بشكل خاص وعن لبنان بشكل عام”. بالمقابل، رأى آخرون أن “هذه الملصقات قد تكون على الأرجح من قِبل أشخاص هم من نسيج المدينة ومن الطبقة الوسطى فيها وهم أكثرية أبناء طرابلس، فقد تضررت هذه الطبقة كثيراً وانسحقت منذ سنتين إلى اليوم. فهؤلاء باتوا أكثر الناس طمعاً في النزول إلى الشارع والثورة على ظلم الطبقة الفاسدة؛ لكنهم في نفس الوقت متخوفون من استغلال تحركاتهم من بعض المتحكمين بالشارع والمحسوبين على بعض الأجهزة أو السياسيين، الذين سيحوّلونها قطعاً للطرقات وتصادماً مع الجيش والقوى الأمنية، وستذهب حينها في غير اتجاهها الصحيح”.

في السياق؛ لا يستغرب عضو مجلس بلدية طرابلس السابق المحامي خالد صبح “دعوة الناس مجدداً عبر ملصقات مجهولة المصدر بالنزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم، وهي دعوات تبقى محقّة ونتمنى أن تلقى آذاناً صاغية من الشرفاء في المدينة على أن تبقى ضمن أطر حق التعبير وعدم التعرّض للأملاك الخاصة والعامة”.

أضاف: “أمام حالة الإنكار المستغربة المستهجنة عند القوى السياسية لما يجري في البلد من انهيارات مالية واقتصادية واجتماعية، تدفعك للقول أن من هذه القوى من يستعجل انهيار ما تبقى من هيبة الدولة المتمثلة بالجيش والقوى الأمنية… اللبنانيون جميعاً وعلى مختلف مشاربهم السياسية ومن أي مذهب أو طائفة أو منطقة؛ يعانون من تداعيات الأزمات المعيشية بسبب انهيار العملة وغياب أفق الحل للجم الانهيار أقله بسبب تعنت القوى المتحكمة بالقرار.

أما لماذا طرابلس بالذات؟ فلأنّ أهل طرابلس بشكل خاص والشمال بشكل عام متمسّكون بالدولة خلافاً لما يصوّر. فعندما قسّمت بيروت إبان الحرب اللبنانية واستلمت زمام امورها الأحزاب، بقيت طرابلس إلى جانب الشرعية… والآن هي كذلك. وكانت من اكثر المناطق التي تعاني الحرمان المدقع بسبب سياسات القوى السياسية المتعاقبة التي جعلت من هذه المناطق أكثر تأثراً بالأزمة المعيشية وفقدان أبسط حقوق المواطن في العيش الكريم.

ما جرى في الأيام الماضية هو نتيجة حتمية لحالة اللامبالاة من قبل السلطة في معالجة الهموم المعيشية مع غياب شبه تام للقوى السياسية في طرابلس والتي يفترض بها أن تهتم بأمور أهلها في المناطق الشعبية من التبانة والقبة وباب الرمل وغيرهم. الناس ملّت الصراخ وصمّ آذان المسؤولين عن سماع معاناة فقراء طرابلس… فكان لصوت الرصاص الأثر البليغ في الالتفاتة لما لحق بالناس من فقر وعوز وكان آخرها أن لا كهرباء ولا ماء تقي الناس العطش والحر واختناق المرضى. ومع هذا وللاسف لم نشهد اي حلول سوى تصريحات شعبوية واستنكارات من هنا وهناك أقل ما يقال عنها بانها لتبييض الوجه”. ويختم صبح بالقول “إن ما جرى في طرابلس في الأيام الماضية، هو تحرك طبيعي ولو كنت أفضّل عدم إطلاق الرصاص. وأؤكد بأن أهلنا كانوا وما زالوا إلى جانب القوى الأمنية من جيش وقوى أمن وأمن عام وغيرها… وعلى المتشدّقين أن يغلقوا نوافذ الفتنة المتأتية من لامبالاة الدولة والقوى السياسية بدلاً من إدانة أهلنا من فقراء طرابلس”.

تبقى طرابلس الأكثر وجعاً وألماً بين المناطق، تمثّل بالنسبة إلى الكثيرين القلب النابض للثورة ورفض الهيمنة والتسلّط على الحقوق، وأي تحرك تشهده يشدّ الأنظار إليها لأنها قلب الشمال وقلب الوطن.