IMLebanon

الأوروبيون يتغلبون على انقساماتهم لمعاقبة سياسيين لبنانيين

كتب ميشال أبو نجم في صحيفة الشرق الأوسط:

أخيرا، حزم وزراء الخارجية الأوروبيون أمرهم وتغلبوا على انقساماتهم وقرروا السير في فرض عقوبات على سياسيين لبنانيين بعد أن فقدوا الأمل من أن تضع الطبقة السياسية اللبنانية حدا للدوران في فراغ، وأن تتفق مكوناتها على تشكيل حكومة تمنع الانهيار التام للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وبعد جهود كبيرة بذلها وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان منذ أبريل (نيسان) الماضي لحض نظرائه الأوروبيين على وضع خلافاتهم جانبا والاهتمام بالوضع اللبناني المستمر المتهالك وممارسة ضغوط قوية على السياسيين اللبنانيين بشكل عقوبات، فقد حصدت باريس نجاحا وحققت ما تريد وكان لودريان المبادر في إعلان ذلك بعد ظهر أمس (الاثنين).

وفي بيان له عقب انتهاء أعمال وزراء خارجية الاتحاد في بروكسيل، أعلن لودريان أن الوزراء الأوروبيين «توصلوا للتو إلى إجماع سياسي من أجل وضع إطار قانوني قبل نهاية الشهر يوليو (تموز) الجاري من أجل فرض عقوبات أي قبل مرور سنة على الانفجار البائس في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) الماضي». وأضاف لودريان أن «الإطار القانوني سيكون بمثابة وسيلة لممارسة الضغوط على السلطات اللبنانية من أجل أن تمضي قدما إن في تشكيل الحكومة وهي ضرورة ملحة أو بالقيام بالإصلاحات الضرورية التي تترقبها البلاد».

وقبل الإعلان عن توافق الوزراء على خطوة العقوبات، عاد لودريان للتركيز على خطورة الأوضاع اللبنانية بعد أن اعتبر سابقا أن استمرار الأوضاع على حالها «ستعني زوال لبنان» بمعنى زوال بنى الدولة اللبنانية. وأمس، قال إن لبنان «بصدر تدمير نفسه منذ عدة شهور ولكن اليوم نرى أن هناك أمورا طارئة لمواطنين يعيشون حالة من البؤس».

ويأتي التطور المهم على الصعيد الأوروبي في بداية أسبوع حافل من الحراك الدولي بالنسبة للبنان. وكانت باريس قد وصلت إلى قناعة مفادها أن السبيل الوحيد لدفع السياسيين اللبنانيين إلى التحرك بالاتجاه الصحيح بعد أن أجهضوا مبادرة الرئيس ماكرون الإنقاذية التي أطلقها من بيروت بمناسبة زيارتيه للعاصمة اللبنانية في 6 أغسطس والأول من سبتمبر (أيلول) الماضيين، عنوانه فرض عقوبات على من يعدون من المعطلين لتشكيل الحكومة العتيدة أو من الضالعين في الفساد. وبما أن الضغوط والإغراءات التي تتوافر لباريس لم تكن ناجعة، فإن فرنسا سعت إلى «تغليظ» الهراوة من جهة، عبر دفع الاتحاد الأوروبي لملاقاتها في الضغوط على السياسيين اللبنانيين وهو ما تحقق كخطوة أولى أو من خلال التفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية. وجاء أفضل تعبير عن ذلك بعد المباحثات التي أجراها الوزير أنطوني بلينكن في باريس في 25 الشهر الماضي حيث اتفق الطرفان على ممارسة الضغوط المطلوبة. وتوسع الإطار مع الاجتماع الذي ضم الوزيرين المذكورين ونظيرهما السعودي في إيطاليا على هامش أعمال مجموعة العشرين في 29 يونيو (حزيران) وما استتبعه من زيارة لسفيرتي فرنسا والولايات المتحدة إلى الرياض الأسبوع الماضي.

بيد أن الجهود الفرنسية لا تنحصر فقط بتوفير أدوات الضغط بل هي تعمل في سياقات موازية. فمن جهة، عمد قصر الإليزيه إلى إرسال باتريك دوريل مستشار الرئيس ماكرون إلى بيروت مرة أخرى للنظر في ما آلت إليه جهود تشكيل الحكومة فيما سيلحقه وزير التجارة الخارجية فرنك ريستر. ويأتي ذلك كله قبل أيام قليلة من المؤتمر الذي سيدعو إليه الرئيس ماكرون في 20 يوليو للدفع من أجل توفير مساعدات إنسانية للبنان وسيكون الثالث من نوعه وبعد مؤتمر نظمته وزارة الدفاع الفرنسية منتصف الشهر الماضي لدعم الجيش اللبناني الذي تتخوف باريس من انعكاسات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على تماسكه بعد أن خرج من صفوفه ما لا يقل عن ثلاثة آلاف عنصر للاهتمام بتوفير حاجيات الحياة اليومية لعائلاتهم. وتتخوف باريس من تفاعلات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتكاثر الأحداث الأمنية واحتداد الخطاب السياسي والاصطفاف الطائفي وخصوصا تدهور العملة الوطنية والفقر المتنامي بين السكان. وهذه الأوضاع دفعت ماكرون للإعلان قبل أسابيع أنه في حال انهيار هذه الأوضاع، فإن باريس ستسعى لبناء آلية دولية لإدارة الأوضاع المالية والاقتصادية في لبنان الذي يكون قد تحول إلى دولة فاشلة.

وواضح أن كلام لودريان يعني عمليا أن الاتحاد الأوروبي قد اجتاز الخطوة الأولى نحو فرض العقوبات التي تريدها فرنسا سريعا جدا. وسبق لباريس أن فرضت عقوبات على مجموعة من السياسيين اللبنانيين بقيت أسماؤهم طي الكتمان بتجميد أصولهم المالية ومنعهم من دخول الأراضي الفرنسية. وإذا ما توصل الوزراء الأوروبيون إلى بناء القاعدة القانونية للعقوبات المطلوبة، إذ لا شيء في القوانين الأوروبية يتيح فرض عقوبات بسبب تعطيل تشكيل حكومة، فإن هذه العقوبات ستكون على شاكلة ما اتخذته فرنسا سابقا أي تجميد أصول ومنع الدخول إلى الفضاء الأوروبي.

وجاءت تصريحات لودريان مفاجئة إلى حد ما بعد الكلام الذي صدر عن «وزير» الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل صباحا وفيه شكك بقدرة الوزراء على التوافق على العقوبات. وقال بوريل: «لا أتوقع اتفاقا سياسيا اليوم بشأن (العقوبات على لبنان)». وذهب وزير خارجية لوكسمبورغ جان إسلبورن في الاتجاه عينه إذ أعلن أن «الوضع معقد في لبنان… ونقاش العقوبات لم ينته أوروبياً بعد». لكن يبدو أن أنصار تيار الضغوط قد نجح في التغلب على ممانعات عدد قليل من الوزراء الذين كانوا مترددين في السير في هذه الطريق.