IMLebanon

أفكار للنقاش.. من أجل لبنان الواعد

كتب فارس فتوحي في “الجمهورية”:

نقترب، بعد ثلاثة أشهرٍ تقريباً، من حلول الذكرى الثانية لاندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. نقول انتفاضة، فهي ليست أبداً حدثاً عابراً، ولكنّها، في الوقت عينه، لا تستحقّ أن تسمّى «ثورة».

لسنا هنا لنجري قراءة معمّقة لهذا الحدث الكبير، ولو أنّ مثل هذه القراءة باتت حاجة، خصوصاً لدى من تحمّسوا له، ونحن منهم، وإن لم ننخرط في واحدة من المجموعات الناشئة بعد هذا التاريخ، وهي مدعوّة أيضاً للمشاركة في هذه القراءة.

إنّ الانتفاضة على الطبقة السياسيّة، بغالبيّتها الساحقة، هي انتفاضة حقّ بسبب ممارسات هذه الطبقة، ولكن ما يعيب مجموعات الانتفاضة أنّها لم تطرح بعد مشروعاً واحداً بديلاً، وهي إن جلست وتحاورت لاختلفت على أمور أساسيّة كثيرة، ناهيك عن دخولها في التفاصيل حيث يَكمن الشيطان عادة.

وتعوّل هذه المجموعات على موعد الانتخابات النيابيّة لإحداث التغيير المطلوب. ولكن، هل هذه الانتخابات قادرة على فعل ذلك؟ إنّ الانتقال من الدولة المزرعة الى الدولة القانون يستوجب ما هو أكبر بكثير من انتخاباتٍ يملك قانونها القدرة على تحديد الأحجام، حتى قبل عمليّة الاقتراع.

يتطلّب الأمر قضاءً نزيهاً شفّافاً متجرّداً من كل تدخّل سياسيّ وتأثير طائفي.

ويتطلّب قوى أمنيّة غير موزّعة على القوى السياسيّة والطائفيّة، فيتحكّم بها الزعماء عبر ولاء رؤسائها لهم.

ويتطلّب إصلاحات تحتاج الى نيّات وإرادة بإسقاط الزبائنيّة التي تتحكّم بالإدارة اللبنانيّة.

ويتطلّب تسليماً بالولاء للبنان فقط، لا لأيّ دولة أخرى، مع الانفتاح شرقاً وغرباً، بلا عقدٍ وبلا خضوع.

ويتطلّب، أيضاً وأيضاً، ديكتاتوريّة عادلة وإصلاحيّة ومتطوّرة في الحكم تشبه نموذج دبي التي كانت، في مرحلة نموّها، تأخذ لبنان نموذجاً وقد يكون مناسباً اليوم أن نتشبّه بها. نظامٌ يشجّع الاستثمارات ويفتح الأبواب أمام الفرَص، ويترك القرار السياسي لمَن يحكم بعدل وبتشدّد سقفه القانون

قد يقول قائل إنّ ما نطلبه مستحيل وصعب المنال. هو ليس كذلك إذا توافّرت الإرادة والنيّة. وإن لم تتوافرا، فالأنسب المضيّ في نقاشٍ وطنيّ للوصول الى اللامركزيّة الإداريّة الموسّعة.

إنّ الأزمة التي يعيشها لبنان لا حلّ لها بالترقيع ولا بالتسويات التي أنتجت خراباً، أو، في أحسن الحالات، هدنة موقّتة. كما أنّ انتظار فرض الخارج لحلّ قد يكون، هذه المرّة، مضيعةً للوقت وهو أثمن ما لدى اللبنانيّين هذه الأيّام.

الحوار الوطني ضرورة إذاً، وبعمق، شرط أن يتمثّل المنتفضون بمن يمثّلهم من قوى تقليديّة وناشئة، من أجل رسم خريطة طريق للبنان الغد، سياسيّاً واقتصاديّاً. وسيحتاج الأمر، لكي ينجح، الى تنازلاتٍ من الجميع تبدأ من قبول التحاور بلا تخوين واتهاماتٍ مسبقة. لا قدرة لأحد على إلغاء الآخرين في لبنان، والتجارب كثيرة في الحرب والسلم.

إنّ لبنان الذي عرفناه وأحببناه مُقبل على زوال. ليس في الأمر مبالغةً ولا تهويلاً. ومن واجب كلّ لبنانيّ وطنيّ أن يستشعر هذا الخطر وأن يساهم في الخروج منه.

هذا ما نقوم به، على قدر إمكاناتنا وحضورنا، عبر الحزب اللبناني الواعد، من دون أن نشكّل متراساً جديداً في الحياة السياسيّة اللبنانيّة بل نافذة على أفكار وبرامج للنقاش والبناء.

وإذ نحضّر لمؤتمرٍ عام يطرح ورقة الحزب السياسيّة، نمدّ اليد لذوي النيّات الحسنة والإرادة الوطنيّة لكي نحفر الصخر معاً، ولو بإبرة، لأنّ التفرّج على الانهيار جريمة لن نرضاها لأنفسنا.

فلتكن ثورة في الأفكار والطروحات والنقاش الغنيّ. وليكن التزامٌ بلبنان النموذج في التنوّع، لا غالب فيه ولا مغلوباً، تُترك فيه السياسة لداخل الأبواب المغلقة مع تأمين الاستقرار الأمني والمناخ الاستثماري، وهذان كافيان لكي يصنع اللبناني المعجزات.