IMLebanon

الحريري فَعَلَها واعتذر… ولبنان في مهبّ المجهول!

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية: 

“الله يعين البلد”. أقلّ من سطر اختتم به الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري إعلان اعتذاره، غير المفاجئ، من القصر الجمهوري أمس، لتُطوى صفحة عمرها نحو 9 أشهر طبعتْها حروب «تكسير عظام» و«تَبادُل سكاكين» فوق «جثة» دولةٍ يتآكلها الانهيار الشامل، و«تزحل» رويداً رويداً نحو «مجهول معلوم» عنوانه الفوضى المفتوحة على أسوأ السيناريوهات.

15 تموز 2021، لن يكون بالتأكيد مجرّد تاريخ يسجّل اعتذار الحريري عن المضي بالتكليف الذي فاز به «رغم إرادة» رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي في 22 أكتبور 2020. فما حصل أمس أبعد بكثير من إسدال الستارة على مرحلة، بعدما جاءت كل مقدّمات انسحاب زعيم «تيار المستقبل» من التكليف وحيثياته، على طريقة «الإحراج فالإخراج»، مدجَّجةً بفتائل سياسية وطائفية تشي بمضاعفات بالغة الخطورة في ظل إدراك الجميع بأن البلاد على موعد مع أزمة تكليف أعتى من مأزق التأليف، «تغذّيها» اضطراباتٌ اجتماعية كانت بدأت تتمدّد على وقع انفلات الأزمات المتناسلة التي حوّلت الشارع «قنبلة موقوتة».

أمس تَجَرَّعَ الحريري «القرار المُر» بالاعتذار بعد أشهر من الصراع الأمرّ مع رئيس الجمهورية وفريقه (التيار الوطني الحر)، الذي احتجز قرار الإفراج عن الحكومة العتيدة التي بحّ صوت العالم، بشرقه وغربه، الداعي إلى تشكيلها كـ «ممرّ الزامي» لإطلاق مسار من المساعدات المالية والإغاثية من شأنه تجنيب لبنان، الذي يواجه ثالث أسوأ أزمة في العالم قاطبة منذ القرن التاسع عشر خطر التفكك والزوال.

أشياء كثيرة قالها الحريري أولاً من القصر الجمهوري ثم في إطلالته التلفزيونية ليل أمس عن «حرب التكليف والتأليف» مع عون وصهره ووريثه السياسي، رئيس «التيار الوطني» جبران باسيل وأدوار الآخَرين في الداخل والخارج… وأشياء أكثر ستقال عن «داحس والغبراء» التي دارت رحاها فوق الهشيم اللبناني… المبادرات والمناورات والأفخاخ والمكائد والأحقاد والقطب المخفية والشهيات المفتوحة، والشبهات التي جعلت الوطن الجميل مجرد وليمة تنهشها الأجندات والمصالح.

ولم يكد الرئيس المكلف أن «يفْعلها» معلناً اعتذاراً لوّح به في الأسابيع الماضية وعلّقه أول من أمس لمدة 24 ساعة بانتظار معرفة موقف عون من تشكيلة «الفرصة الأخيرة» التي قدّمها إليه (عصر الأربعاء) ليُبنى على الشيء مقتضاه، حتى لاحت أول مؤشرات «السيناريو المُرعِب» الذي دخله لبنان حيث قفز سعر صرف الدولار للمرة الأولى إلى ما فوق 21 ألف ليرة في السوق الموازية، وسط تحركات شعبية تداخلت فيها الاحتجاجات على الوثبة الأعلى للعملة الصعبة مع غضبة بيئة «تيار المستقبل» حيال «إحراج الحريري وإخراجه».

وقد سُجلت تحركات في مناطق واسعة بدأت من طرابلس وترافقت مع أعمال تكسير مطاعم في صور وقفل طرق في بيروت (شملت اوتوستراد الجنوب) والجبل والشمال والبقاع مع حصول مواجهات مع الجيش في أكثر من نقطة، وسط مخاوف من أي تظهير لخروج الحريري من مسرح التكليف على أنه انتصار لفريق عون الذي كان أطلق عشية تسمية زعيم «المستقبل» معركة استبعاده مخاطباً عبر رسالة متلفزة، في سابقة لم يعرفها لبنان، البرلمان داعياً إياه لعدم تكليف الحريري.

وعكست كلمة الحريري المقتضبة من القصر الرئاسي عقب اجتماع نصف الساعة مع عون ملابسات قراره، اذ قال: «التقيت الرئيس عون وأجرينا مشاوراتنا في الموضوع الحكومي. ومن ضمن الكلام، كانت هناك تعديلات يطلبها الرئيس، أعتبرها أنا جوهرية في التشكيلة.

كما تناقشنا في الأمور التي تتعلق بالثقة أو بتسمية الوزراء المسيحيين الآخَرين وغير ذلك.

الواضح أن الموقف لم يتغيّر في هذا الموضوع، والواضح أننا لن نتمكن من الاتفاق مع فخامة الرئيس. وخلال الحديث مع فخامته، طرحت عليه أنه إذا كان يحتاج إلى مزيد من الوقت كي يفكّر بالتشكيلة، فقال لي إننا لن نتمكن من التوافق. ولذلك، قدمت اعتذاري عن تشكيل الحكومة، و«الله يعين البلد».

بعدها، صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية بيان أوضح أنه«خلال اللقاء عرض الرئيس عون على الرئيس المكلف ملاحظاته على التشكيلة المقترحة طالباً البحث في إجراء بعض التعديلات للعودة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال الفترة الماضية من خلال مسعى الرئيس نبيه بري.

إلا ان الرئيس الحريري لم يكن مستعداً للبحث في أي تعديل من أي نوع، مقترحاً على الرئيس عون أن يأخذ يوماً إضافياً واحداً للقبول بالتشكيلة المقترحة.

وعليه سأله الرئيس عون ما الفائدة من يوم إضافي إذا كان باب البحث مقفلاً. وعند هذا الحد انتهى اللقاء وغادر الرئيس الحريري معلناً اعتذاره».

وأضاف البيان: «شدد الرئيس عون على ضرورة الالتزام بالاتفاق الذي تم التوصل إليه سابقاً إلا أن الرئيس الحريري رفض أي تعديل يتعلّق بأي تبديل بالوزارات وبالتوزيع الطائفي لها وبالأسماء المرتبطة بها، أو الأخذ بأي رأي للكتل النيابية كي تحصل الحكومة على الثقة اللازمة من المجلس النيابي، وأصر على اختياره هو لأسماء الوزراء».

وتابع: «إن رفض الرئيس المكلف لمبدأ الاتفاق مع رئيس الجمهورية ولفكرة التشاور معه لإجراء أي تغيير في الاسماء والحقائب يدلّ على أنه اتخذ قراراً مسبقاً بالاعتذار ساعياً إلى إيجاد أسباب لتبرير خطوته وذلك رغم الاستعداد الذي أبداه رئيس الجمهورية لتسهيل مهمة التأليف إدراكاً منه لدقة المرحلة والتزاماً منه بضرورة الاسراع في تأليف حكومة قادرة على الاصلاح، فضلاً عن الالتزام بما أبلغه رئيس الجمهورية إلى سائر الموفدين الإقليميين والدوليين الذين زاروا لبنان في الأيام الماضية والمراسلات التي تلقاها من مسؤولين عرب وأجانب.

وعليه، وبعد اعتذار الرئيس المكلف، سيحدد رئيس الجمهورية موعداً للاستشارات النيابية الملزمة بأسرع وقت».

وما أن أعلن الحريري قراره، حتى تدافعتْ الأسئلةُ عما بعد هذه الخطوة التي كان المجتمع الدولي تهيّبها وسرّع خطى إنشاء«شبكة أمان»انسانية خشية انزلاق لبنان إلى فوضى شاملة في أعقاب الاعتذار الذي يختلف ما بعده هذه المرة عن أي محطات سابقة لاعتذارِ رئيس مكلف أو استقالة أو إسقاط حكومة، ذلك أن زعيم«المستقبل» ومعه رؤساء الحكومة السابقون ودار الفتوى ضمناً رفضوا أن«يكفلوا»أي اسم بديل وفق ما كان يصرّ رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله»، وسط علامات استفهام حول إذا كانت أي استشارات جديدة للتكليف متاحة في وقت وشيك في ظل عدم وضوح الرؤية حيال إمكان مشاركة النواب السنّة فيها، في ضوء تسلسل الأحداث الذي وضع اعتذار الأقوى لدى هذا المكوّن في سياقِ عملية ممنْهجة لـ«التخلص منه»اتُّهم بها فريق عون استكمالاً لما اعتُبر«مسار تقويض اتفاق الطائف»والمساس بصلاحيات رئيس الحكومة في التأليف وتكريس أعراف جديدة كاسِرة لتوازنات النظام.

وإذ بدا من المبكر الجزم بالخطوة التالية للائتلاف الحاكم (عون -«حزب الله») بعد اعتذار الحريري وتالياً السقوط الصريح للمبادرة الفرنسية، فإن من غير المستبعد أن تستمرّ حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة لأشهرٍ وصولاً ربما للإشراف على انتخابات مايو 2022 النيابية، ما لم تحصل تطورات أو تفاهمات إقليمية تفضي الى حكومة جديدة بدا واضحاً أنها احتُجزت رهينةً لحسابات الداخل ومقتضيات الصراع الاقليمي خصوصاً الملف النووي الإيراني، ومن دون أن يسْقط من الحسبان ضغط الشارع المتوقّع ان يتصاعد على وهج لهيب الدولار وتشظياته وصولاً إلى الذكرى الاولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس التي تشي بإمكان أن تكون شرارة ثورة متجددة.

وقبيل زيارة الحريري للقصر الجمهوري، ساد مناخان حيال خلفيات تَقاطُع عون والرئيس المكلف عند شعار«التشاور بإيجابية»على تخوم مهلة الـ 24 ساعة التي كان حدّدها زعيم«تيار المستقبل»لحلول«ساعة الحقيقة»، فيما كانت الضغوط الدولية تتصاعد عبر رسائل عاجلة وبيانات من عواصم قرار تحضّ على إنهاء الأزمة الحكومية وتشكيل حكومة قادرة على بدء تنفيذ الإصلاحات الشَرْطية للحصول على دعْمٍ مالي.

فمنذ أن أُعلن أن الحريري اتصل بعون صباح أمس فكان توافق على ضرورة استكمال التشاور وجهاً لوجه في تشكيلة الـ 24 وزيراً الجديدة، طغى على«سِباق الإيجابية» تفسيرٌ قوامه أن الأمر لا يعدو كونه تكراراً لمناورات سابقة تحت سقف قراريْن لن يحيد عنهما عون والحريري: الأوّل بأنه وفريقه لا يريدان أن يترأس زعيم «المستقبل» الحكومة الجديدة التي تطلّ على استحقاقات مفصلية في 2022 (انتخابات نيابية ورئاسية)، والثاني بأنه قدّم كل ما يمكن من تسهيلاتٍ وأن أي تراجُعات إضافية ستجعله أمام «مهمة انتحارية» ستحرقه مع البلد.

وفي هذا الإطار، سرت قراءةٌ بأن عون الذي «تجرَّع» سابقة أن يمهله الحريري 24 ساعة لتقديم «جوابه النهائي» قبل أن يحسم قراره بالاعتذار كما التغييرات الجوهرية التي أَدْخَلَها الرئيسُ المكلف على حقائب أساسية مثل الداخلية (عادت الى المكوّن السني بعدما كان جرى تفاهم على أن تكون لمسيحي)، أدرك أن الحريري رمى بين يديْه صيغةً ليرفضها فتتحوّل هذه الـ «لا» الشرارة التي تشعل ورقة الاعتذار وإعلانها خلال مقابلته التلفزيونية التي كان أُعلن عنها (مساء الخميس) تحت عنوان«سعد الحريري من دون تكليف»، وتالياً فإن رئيس الجمهورية ارتأى «حشْر» زعيم «المستقبل» بإيجابية مصطنعة من باب «الحاجة لمزيد من التشاور» بِما يعطّل اندفاعة الانسحاب من التكليف وتحميله المسؤولية عن هذا التطور البالغ الخطورة أمام الداخل والخارج.

في المقابل برزت قراءةٌ بأن الحريري، الذي لا يمكنه إدارة الظهر لـ«حسن النية»، ولو بالكلام، من رئيس الجمهورية والاندفاع تالياً نحو اعتذار«بلا مسوّغات»، تعمّد الالتفاف على رغبة عون بفتْح مهلة التشاور و«تنفيس» سيناريو الاعتذار، فقاد عملية «حشْر مضاد» عبر طلب موعد ليسمع مباشرةً الملاحظات على التشكيلة التي قدّمها، فإذا كانت «ناسفة» لمرتكزاتها واستعيدت معها نغمة رفْض أن يسمي الرئيس المكلف الوزيريْن المسيحييْن مع عودة ضمنية لشروط في الحقائب وتوزيعها تحت مسمى التوازن بين الطوائف وغيرها أو توسيع التشاور حولها ليطول مختلف المكونات الطائفية، فإن الحريري سيكون عندها في حلّ من أي حاجة لوقت إضافي قبل بت الاعتذار.

أما إذا استشعر بأن المزيد من الوقت للتشاور الذي سيطلبه رئيس الجمهورية يستند إلى نية جدية بالوصول إلى مخرج بعيداً من محاولات تمييع الضغط الدولي وإعادة كرة التعطيل إلى مرماه فعندها يكون لتمديد مهلة«الفرصة الأخيرة» معنى.

وإذ ترافق وصول الحريري الى بعبدا عند الرابعة بعد ظهر أمس مع أجواء نقلت عن زوار عون أنه«لا يمكن للرئيس المكلف ان يحضر تشكيلة جاهزة ويضع رئيس الجمهورية» أمام خيارين فقط الموافقة او الرفض وأن التعديلات التي أدخلها الرئيس المكلف على تشكيلة الـ 18 (أضاف اليها 6 وزراء وبدّل في توزيع حقائب) تحتاج الى تشاور لمعرفة موقف غالبية المكونات منها وهذا يحتاج الى أيام، فإن المعلومات التي كانت توافرت عن تشكيلة الـ 24 تحدثت عن أنها راعتْ تقسيمة 3 ثمانيات أي بلا ثلث معطّل لأي فريق وضمّت أسماء اختصاصيين من غير الحزبيين بعيداً من أي محاصصة سياسية، وأنها أعطت وزارتي الدفاع والخارجية لفريق عون (الأخيرة كانت للدروز في التشكيلة السابقة) مع تبديلات في حقائب طوائف مسيحية.

وذُكر من بين الأسماء التي تضمنتْها التشكيلة، وقيل إن بعضها كان عون أبدى تحفظاً عنه، خالد حمود أو وليد العاكوم للداخلية وفاديا كيوان للخارجية وأنطوان شديد للدفاع ومارك غريب للعدل وكارول عياط للطاقة ويوسف خليل للمال ومارون حلو للأشغال ولميا مبيض للاقتصاد ووسيم وهبة للزراعة وفراس أبيض (الصحة)، فراس أبي ناصيف (الاتصالات)

وفي موازاة ذلك، كان الضغط الأميركي – الفرنسي يتصاعد في اتجاه إنجاز تفاهم على ولادة الحكومة«الآن الآن وليس غداً»، وهو الضغط الذي بدا موجّهاً نحو رئيس الجمهورية الذي استقبل سفيرتيْ الدولتين دوروثي شيا وآن غريو اللتين سلّمتاه رسالة خطية مشتركة من وزيري خارجيتي بلديهما انطوني بلينكن وجان ايف لودريان أكدا فيها«اهتمام بلديهما بالوضع اللبناني وضرورة الإسراع في تشكيل حكومة جديدة تواجه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان».

وترافق ذلك مع إعلان لودريان في معرض شرح خلاصات محادثاته في واشنطن مع بلينكن ومسؤولين آخرين في الخارجية الأميركية أنه«جرى تفاهم (مع بلينكن) على ضرورة المضي بالتنسيق الوثيق لخطواتنا الداعمة لتشكيل حكومة في لبنان قادرة على تطبيق الإصلاحات المطلوبة لإخراج البلد من أزمته السياسية والاقتصادية والإنسانية»، مؤكداً«سننسق إجراءاتنا المشتركة للضغط على المسؤولين عن الطريق المسدود (الذي وصل إليه الملف الحكومي)، إضافة إلى القرارات التي تم اتخاذها في اجتماع مجلس وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في 12 الجاري (الاتفاق على وضع نظام عقوبات على مسؤولين لبنانيين بحلول نهاية الشهر). وسنعمل معاً لحشد دعم حلفائنا الإقليميين لهذه الجهود بعد تحرك سفيرتيْ الولايات المتحدة وفرنسا في اتجاه الرياض في 8 يوليو 2022».

وأمس، اعتبر لودريان ان«لبنان يشهد حالة تدمير ذاتي والطبقة السياسية اللبنانية تتحمّل مسؤولية ذلك».