IMLebanon

يدمنون إضاعة الوقت والفرص! (بقلم رولا حداد)

بات تفصيلاً أن يتم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة، وخصوصاً أن الجميع مقتنع بأن ميقاتي لن يتمكن من تشكيل حكومة جديدة، لأن ما لم يعطه الرئيس ميشال عون والنائب جبران لباسيل لمصطفى أديب ولسعد الحريري لن يعطياه لميقاتي. ولهذا السبب حدّد ميقاتي لنفسه مهلة شهر سيعتذر بعدها إن لم تولد حكومته، ويمكن توقّع اعتذاره منذ اليوم. وإذا كانت الأشهر التسعة التي تم إهدارها خلال مرحلة تكليف الحريري غالية جداً وكلفتها باهظة، فإن كل يوم يمرّ ويمعن فيه المسؤولون في التفنّن بإهدار الوقت عبثاً على مفاوضات تشكيل محكومة سلفاً بالفشل!

إنطلاقاً من هذه المعطيات يمكن التأكيد أنه بات مستحيلاً استيلاد حكومة جديدة في عهد الرئيس ميشال عون، ليس حصراً لأن عون يرفض تسهيل التشكيل ويريد تأمين المستقبل السياسي لباسيل، إنما أولاً لأن “حزب الله” يستسيغ تعطيل كل شيء، النظام والمؤسسات الدستورية وكل الحياة السياسية في لبنان، وهدفه تغيير النظام إلى جانب إبقاء لبنان رهينة لدى إيران وورقة في ضمن أوراقها في مفاوضاتها النووية.

وبعيداً عن استشارات التكليف، وصراعات التشكيل التي ستؤدي إلى الاعتذار الثالث على التوالي بفعل تناتش الصلاحيات ظاهريا والتعطيل الإيراني عملياً، لا بدّ من الاعتراف بأننا وصلنا إلى طريق مسدود داخلياً بسبب عوامل متشعّبة، وأهمها وجود دويلة “حزب الله” داخل الدولة والتي ألغت الدولة، كما أنشأت مجموعة مؤسسات رديفة واقتصاد أسود رديف. ومن العوامل أيضاً غياب الثقة بشكل كامل بين الأطياف اللبنانية سواء على المستوى السياسي أم على المستوى الشعبي، وهذا موضوع أساسي لأنه أدى إلى انتهاك الدستور بشكل كامل، وإلى استعمال العراضات الطائفية و”الميثاقية” لتعطيل كل شيء في نظام بات أشبه بنظام عشائري أو “لوياجيرغا” سياسية غير منظمة.

وإذا كانت منظومة الفساد ساهمت بوصولنا إلى ما وصلنا إليه من انهيار، إلا أن الأساس يبقى في من قادنا عن سابق تصوّر وتصميم إلى جهنم الدولتي والمالي والاقتصادي، من خلال احتلال لبنان والمشاركة في الحروب الإقليمية وعزل لبنان عن محيطه العربي، وأعني به بشكل واضح “حزب الله”.

ونجح الحزب في إضعاف الجميع: قسّم المسيحيين وشرذمهم من خلال اتفاق مار مخايل الذي أنجزه مقابل الوعد بإيصال عون إلى رئاسة الجمهورية، إضافة إلى الاغتيالات ومحاولات الاغتيال. أنهك السُنّة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وباحتلال بيروت في 7 أيار 2008 وبسلسلة الاغتيالات، واستتبع الدروز من خلال التهويل على وليد جنبلاط وبمحاولة اجتياح الجبل في 10 أيار 2008. ووصلنا إلى خلاصة ثابتة: تفكك الجبهة المناهضة لـ”حزب الله” ما مكّنه من إحكام سيطرته ما أدّى إلى تحلّل كل مؤسسات الدولة، بحيث أصبحنا دولة فاشلة بعدما نجح الحزب في دفع الأطراف إلى ممارسة لعبة التعطيل المتبادل برعايته… فسقط النظام.

السؤال الكبير اليوم هل يمكن لأحد الرهان على محاولة تعويم “الطائف”؟ الإجابة يعرفها الجميع وهو أن هذا الأمر بات مستحيلاً ولن يقبل به “حزب الله” على الإطلاق. لكن السؤال الأخطر هو هل يمكن اليوم إطلاق بحث جدي حول نظام جديد في ظل هيمنة السلاح ومصادرة القرارات الوطنية وإضعاف كل المكونات الوطنية؟ طبعاً الجواب هو كلا، ولن ينفع الرهان في المدى المنظور على “الثورة” وعلى الشعارات الكبرى غير القادرة على إحداث فرق فعلي بسبب اختلال موازين القوى.

هل هذا يعني أن الأفق مسدود؟ حتماً لا، فلبنان بلد العجائب، والأمر لا يحتاج أكثر من “عجيبة” إقليمية بمفهوم التسوية الكبرى أو الصدام الكبير لأن التعويل على “عجيبة” داخلية بات بدوره يحتاج إلى عجيبة كبرى، وخصوصاً مع طبقة سياسية أدمنت إضاعة الوقت وهدر الفرص!