IMLebanon

التكليف الثالث: “تجريب المجرّب”!

قُضي الأمر وخرج من “بيت الوسط” تكليف شرعي للرئيس نجيب ميقاتي يسلّمه راية التأليف بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن عموم نادي رؤساء الحكومات، ليبدأ ميقاتي اعتباراً من اليوم رحلة “الألف ميل” بخطوة أولى معلوم كيف تبدأ من قصر بعبدا لكن لا يُعرف إن كانت ستنتهي به في السراي الكبير… لا سيما وأنّ عملية تعبيد الطريق أمام تسميته اقتصرت فقط على منحه “الضوء الأخضر” من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لعبور جادة التكليف، مع إبقاء إذن “تسهيل المرور” نحو التأليف رهناً بمدى تجاوبه مع “دفتر شروط” البياضة.

وعلى هذا الأساس، تنعقد الاستشارات النيابية الملزمة الثالثة على التوالي في قصر بعبدا، بعد إجهاض تكليف السفير مصطفى أديب وإسقاط تكليف الرئيس سعد الحريري، لتفضي في محصلتها إلى تسمية ميقاتي رئيساً مكلفاً بأكثرية نيابية وازنة بعد قرار “حزب الله” صبّ أصوات كتلته في ميزان تكليفه، كما أكدت ليلاً مصادر قيادية في 8 آذار، بينما تعاملت أوساط سياسية معارضة مع التكليف الثالث على قاعدة “تجريب المجرّب”، قناعةً منها بأنّ “شيئاً لن يتغيّر في ذهنية العرقلة والمحاصصة، وما سيواجه ميقاتي هي العناوين نفسها التي سبق أن عطلت قيام حكومة الإنقاذ الإصلاحية تحت الشعارات الممجوجة عينها: وحدة المعايير وعدالة توزيع الحقائب والأسماء بين المكونات الطائفية”.

لكن بعد 9 أشهر من المراوحة ضمن حلقة التكليف والتأليف المفرغة، يبدي ميقاتي حرصه على خوض غمار التجربة بأقصر فترة ممكنة، واضعاً لنفسه سقفاً زمنياً فاصلاً بين التأليف والاعتذار، ولذلك آثر اختصار المسافات على نفسه والانطلاق في مشاوراته من “صاحب الربط والحل” في توقيع الرئاسة الأولى. إذ كشفت مصادر موثوق بها لـ”نداء الوطن” عن أنّ ميقاتي بادر فور عودته إلى بيروت إلى لقاء باسيل، فكان “عشاءً ودوداً بينهما السبت”، موضحةً أنّ الأجواء التي سادت العشاء “بدت مشجعة بحيث تطرق الحديث إلى جملة نقاط أساسية يمكن التفاهم عليها، غير أنّ الاتفاق الراهن اقتصر على تمرير استحقاق التكليف و”بعدين منشوف شو بيصير” في التأليف”.

توازياً، وبينما عُلم أنّ باسيل عمّم على نواب “التيار” وإعلامه عدم مهاجمة تكليف ميقاتي، أكدت المصادر أنّ تكتل “لبنان القوي” لن يعمد إلى تسمية أي شخصية للتكليف في استشارات بعبدا اليوم، “لا نواف سلام ولا سواه” ليكون ذلك بمثابة “بيعة” مزدوجة منه لكل من ميقاتي و”حزب الله” على حد سواء، لافتةً إلى أنّ باسيل تيقّن من أنه لن يستطيع “تقريش” ترشيح سلام في السوق الدولي والعربي، ولم يجد تالياً أي منفعة من مجرد استفزاز “حزب الله” بهذا الترشيح، ولا من إيصاد أبواب التفاهم المحتمل مع ميقاتي عبر تسمية مرشح مضاد لتكليفه.

وفي السياق عينه، نقلت المصادر أنّ قيادة “حزب الله” كانت قد قررت التصويت لصالح تكليف ميقاتي بالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، تأكيداً على السير بأي “خيار يحظى بغطاء الطائفة السنية”، ومن هذا المنطلق جاءت زيارة المعاون السياسي لأمين عام الحزب حسين الخليل مساءً لميقاتي حاملاً له “مباركة الحزب لتسميته”، مع الإبقاء على “خط الرجعة” مفتوحاً عبر التشديد على أنّ البحث خلال اللقاء انحصر “بمسألة التكليف مع ترك النقاش في تفاصيل التأليف إلى وقت لاحق”.

ومع انضواء أغلبية الكتل النيابية تحت لواء تكليف ميقاتي، بقيت كتلة “الجمهورية القوية” خارج كواليس التكليف والتأليف، مفضلة النأي بنفسها عن اللعبة الحكومية باعتبار أنّ “تأليف الحكومات في الوقت الراهن، وفي ظل وجود الأكثرية النيابية الحالية التي أوصلت البلاد إلى ما هي فيه اليوم، لن يفيد بأي شيء”، وفق ما عبّر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أمس خلال استقباله وفداً من مجلس الشيوخ الفرنسي في معراب، معيداً التأكيد على أنّ “الحل الوحيد للأزمة اللبنانية يكمن في إعادة تكوين السلطة والذهاب مباشرة إلى انتخابات نيابية مبكرة من شأنها أن تفرز أكثرية نيابية جديدة، ورئيس جمهورية جديداً وحكومة بالفعل جديدة وعندها تبدأ عملية الإصلاح والإنقاذ”.

وفي الغضون، جدد البطريرك الماروني بشارة الراعي مناشدة أهل الحكم تكليف “شخصية وطنية إصلاحية يثق بها الشعب المنتفض والباحث عن التغيير الحقيقي ويرتاح إليها المجتمعان العربي والدولي المعنيان بمساعدة لبنان للخروج من الانهيار”، داعياً في عظة الأحد في الديمان، “المعنيين بموضوع التكليف والتأليف أن يتعاونوا ويسهلوا، هذه المرة، عملية تشكيل الحكومة سريعاً، فلا يكرروا لعبة الشروط والشروط المضادة وبدعة الاجتهادات الدستورية والتنازع على الصلاحيات (…) وأن ينتهوا من تأليف الحكومة قبل الرابع من آب، تاريخ تفجير مرفأ بيروت”، وتوجه إلى المسؤولين بالقول: “لم تقدّموا إلى الشعب الحقيقة، فقدّموا إليه على الأقلّ حكومة”!