IMLebanon

ذكرى 4 آب… فورة غضب محدودة أم تجديد للثورة؟

كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:

تحلّ الذكرى السنوية لانفجار الرابع من آب في أوج التجاذب بين القوى السياسيّة والأهليّة على اجتراح مخارج قانونية لإجهاض إندفاعة المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار الرامية إلى “كسر” قدسيّة الحصانات وتتبع كافة الخيوط المرتبطة بملف “الأمونيوم المتفجّر”، وصولاً إلى كشف المتورطين في ثالث أقوى إنفجار من صنع البشرية في العالم.

إنفجار، إستحوذ على تعاطف دولي في بلسمة جراح أهالي الشهداء والضحايا والجرحى، ولم يرقَ إلى درجة تحويل الفاجعة إلى قضيّة تتحمل الأمم المتحدة مسؤولياتها في كشف المتورطين بها، لتقتصر الإندفاعة الدولية على تأمين المستلزمات الطبيّة والغذائية، إلى جانب المساعدة الميدانيّة في عمليّة الإنقاذ. فصُوَر الأقمار الإصطناعيّة حُجبت عن المحققين، لصالح فرضيّة “الإهمال والفساد” التي طرحها الرئيس الفرنسي في زياراته المتتالية عقب الإنفجار إلى بيروت، في محاولة لإبعاد شبهات ضلوع العدو الإسرائيلي وأي فرضيات لعملٍ عدواني استهدف العنبر مع مواده المتفجرة، والتي تكللت بطلب أمين عام الحزب السيّد حسن نصرالله من المحقق العدلي الإسراع في ختم التحقيق والإعلان أن لا عمل إرهابياً وراء تفجير “العنبر رقم 12″ وان لا علاقة لـ”حزب الله” به ولا بنيترات الأمونيوم كما حاولت تسريبات وتلميحات كثيرة أن تتهمه به، تمهيداً لتدفق دولارات الشركات الضامنة على المتضررين في خضم الضائقة الإقتصادية التي يمر بها البلد وتنتهي القضية عند هذا الحدّ.

“الإرتياب المشروع” الذي أطاح بالمحقق العدلي السابق فادي صوّان لم يقف عائقاً أمام القاضي طارق بيطار في إكمال التحقيق وتوسيع لائحة الإدعاء، لتتحول بعدها المطالب الأهلية نحو إسقاط الحصانات وتوجيه أصابع الإتهام الى المتواطئين على تمييع مسار العدالة، عبر إجهاض التحقيق العدلي من خلال إعداد عريضة إستحوذت على تواقيع نواب، أُدرجت أسماؤهم على لائحة العار، من أجل تحويل التحقيق إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي يتطلب ثلثي أعضاء المجلس من أجل الإدعاء بعد التثبت من وجود شبهة على أحدهم، وهذا ما لن يتوفر.

المواكبة الشعبيّة لرفع الحصانات شكلت يقظة لدى الأجهزة الأمنية المدرجة على لائحة الإتهام، تحديداً مع إنضمام وجوه من “الثورة” وأحزاب سياديّة إلى “قافلة النعوش البيضاء” أمام منزل وزير الداخلية محمد فهمي، الذي رفض إعطاء إذن ملاحقة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ما دفع إلى محاولة إجهاض الدعوات التي توعدت بـ “يوم غضب شعبي” إحياءً للذكرى السنوية في 4 آب، عبر الإيحاء أنه يتم إخراج الإحتضان الشعبي لمطالب أهالي الضحايا عن سياقه الوطني الصحيح من خلال محاولة تحويل غضب الشارع إلى ذبيحة إلهيّة يترأسها البطريرك بشارة الراعي في المرفأ بعد أن أوكل بقول كلمة الفصل من قبل أهالي الشهداء والضحايا. مع العلم أن البطريرك كان المحتضن الأول لهذه القضية حيث نزل إلى مرفأ بيروت ومقر فوج الإطفاء ونال تقديراً كبيراً وثناء على خطوته. وبالتالي لا يمكن اللعب على المسألة الدينية في هذه القضية والقداس يدخل ضمن الحالة الشعبية التي يمكن أن تأخذ أشكالاً كثيرة.

وليَم نون شقيق الشهيد في فوج الإطفاء جو نون والذي دعا مراراً إلى يوم غضب شعبي في 4 آب، يقول لـ “نداء الوطن” إنّ بعض الأهالي أرادوا أن تكون الذكرى للصلاة والتأمل بعيداً عن التحركات الإحتجاجيّة في الشارع، رغم وجود تحضيرات لقيام 3 تظاهرات شعبيّة تلتقي جميعها عند تمثال المغترب المقابل موقع الإنفجار قبل أنّ يتوجّه الأهالي إلى المرفأ.

في حين يؤكد إبراهيم حطيط باسم أهالي الضحايا، أنّ الذكرى السنوية ستكون للصلاة واستذكار الشهداء وأن تحركاتهم ستكون بما يليق بالمناسبة، تبدأ من “نهاركم سعيد” على “LBC”، وتختتم في “صار الوقت” عبر “MTV”، وبالتالي لا يوجد توجه للقيام بأي تصعيد في هذا النهار تماشياً مع المطالبات في التوجه إلى مجلس النواب، مشدداً في الوقت نفسه على حقّ “مجموعات الثورة” في القيام بما ترتئيه مناسباً لها، بعيداً عن مشاركة أهالي الضحايا.

وعن الطابع الديني المذهبي الذي قد يسيطر على التحرّك مع ترؤس الراعي الذبيحة الإلهيّة، يوضح أنّ هذه الفرضيّة تسقط مع مطالبة المسلم الشيعي من الجنوب والمسلمين السنّة، من البطريرك التكلم باسمهم ونقل أوجاعهم ودعم مطالبهم في رفع الحصانات وتحقيق العدالة، ليشدد حطيط في الوقت نفسه على مشاركة العائلات الروحية الأخرى من خلال تلاوة آيات قرآنية وقراءة دعاء، من قبل أفراد لا ينتمون لأي مرجعية دينيّة أو سياسيّة.

في موازاة ذلك، يلفت ناشطون في الحراك إلى أنّ ما أصاب بيروت لا يمكن حصره بعوائل الضحايا، واقتصار المشاركة في “قداس المرفأ” على المدعوين “إسمياً”، لأن الفاجعة أصابت الجميع رغم احترام خسارتهم لأقاربهم، ولذلك فإن هذه القضيّة هي وطنية، والمطالبة بالحقيقة يجب أن تكون كذلك.

على صعيد آخر، تشير جهات سياسيّة متابعة إلى وجود قرار بعدم كشف الحقيقة، تماشياً مع الإتجاه التي تسلكه القضيّة من خلال إبعاد القوى السياسيّة المؤثرة أكانت حزبيّة أو من “الثورة” عن متابعة التحركات المرتبطة بالإنفجار، وحصرها بـ “الأهالي” وتحركاتهم المحدودة، عوض تكوين حالة شعبيّة تستطيع إستقطاب إهتمام دولي ضاغط لكشف الحقيقة، بعيداً عن حصر التحقيق في الإهمال الوظيفي “المهزلة”، لأنّ جريمة موصوفة بهذا الحجم تتطلب تعاوناً دولياً غير موجود، لتعقب مسار باخرة النيترات والممولين والمخططين والمسهلين والوجهة الأخيرة التي سلكتها الكميات الكبيرة التي أُفرغت من العنبر قبل إنفجار القليل المتبقي منها… ليبقى الترقب للقرار الظني الذي سيصدره المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، والمعطيات والأسماء التي ستشملها اللائحة الإتهاميّة.