IMLebanon

“صواريخ شويا” تعيد خلط الأوراق الجنوبية

قبل التطورات الأخيرة التي انتهت اليها عمليات القصف الصاروخي من منطقة العرقوب باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة كانت الأندية الديبلوماسية تحفل بالسيناريوهات التي تحاكي عملية التمديد للقوات الدولية المنتهية ولايتها نهاية آب الجاري. وهو ما دفع الى الإسراع ببناء مقاربة جديدة للمحطة الأممية التي ستنعكس بما يمكن ان تنتهي اليه على الوضع في الجنوب في ظل صعوبة القيام بأي تغيير اساسي ومهم بالنسبة الى كل الأطراف المعنية بها.

تعترف مراجع سياسية وعسكرية تحدثت الى “المركزية”، ان وقبل اي ربط محتمل بين العملية ومجموعة الأحداث المتلاحقة على الساحة اللبنانية الداخلية بما فيها محطة 4 آب والمؤتمر التضامني مع لبنان الذي نظمه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون فان الخوف من ربط ما حصل وترددات مسلسل الأحداث المرتبط بالمواجهة المفتوحة بحرا وبواسطة الحرب السيبرانية بين اسرائيل وايران والذي ينبغي التوقف عند تردداته على قرار التمديد للقوات الدولية وامكانية التعديل المقترح في دورها ومهامها وعلى “قواعد الإشتباك” بين الجانبين من دون التراجع عما حققه القرار 1701 من امن واستقرار لم تنعم به إسرائيل من قبل ولا الجنوب اللبناني رغم الفوارق في قدرة الطرفين على تحمل ما يؤدي الى هدم منزل او تكسير زجاج في ظل الضائقة الإقتصادية التي يعانيها اللبنانيون ومنهم الجنوبيون الذين يعيشون كما باقي اللبنانيين في ظل فقدان ابسط مقومات العيش.

قبل أسبوعين تقريبا وتحديدا في السادس والعشرين من تموز الماضي زار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا بيروت وجال على القيادات اللبنانية السياسية والحكومية والعسكرية وقدم طرحا تحذيريا من مسألة استمرار المخالفات المرتبكة والتي تشكل خروجا على ما نص عليه القرار 1701 في شكله ومضمونه بمعزل عن الخروقات الإسرائيلية التي تسجل يوميا الى درجة اعتبر فيها الموفد الأممي انها تحتاج الى “سجل خاص مفتوح” لإحصائها. ولكن ذلك لا يحول دون تأكيد التزام اللبنانيين بمقتضيات القرار ومندرجاته مع تفهم الامم المتحدة للواقع اللبناني والصعوبات التي تواجه الجيش اللبناني المكلف بمهمة تساوي مهمة الوحدات المشاركة في قوات الأمم المتحدة “اليونيفيل”.

ولا ينسى المراقبون ان زيارة لاكروا لم تكن الوحيدة المعنية بملف التمديد ففي أروقة الامم المتحدة كانت الطروحات قد تجددت من اجل اعادة النظر ببعض ما هو مسموح به من تفلت السلاح غير الشرعي في منطقة الامم المتحدة – عن قصد او عجز سيان- وهو امر ترجمته الاطراف المتهمة بخرق الاتفاق بتعطيل كل الخطوات التي نوت عليها قيادة الأمم المتحدة بما فيها مراقبة مناطقها لوقف مسلسل الخروقات وأخطرها عمليات اطلاق الصواريخ “اللقيطة” التي لم يكن احد يعترف بهويتها قبل عملية شويا وما رافقها من دلالات وضعت حدا لمسلسل المجموعات المجهولة على الاقل بالنسبة الى اللبنانيين.

كان لاكروا سمع من رئيس الجمهورية وغيره من المسؤولين اللبنانيين رسالة شبه موحدة ومفادها تمسك لبنان بدور ومهام القوات الدولية. وبان لبنان يرغب في التمديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب من دون أي تعديل مقترح من أطراف عدة في السر والعلن وفي اروقة الامم المتحدة وبعض العواصم الغربية في العديد والمهام لما في ذلك من فائدة للمحافظة على الامن والاستقرار في الجنوب.

كما لفت لبنان الى اهمية وقف المشاريع الخاصة بتعديل موازنتها ما ينعكس على خدماتها للجنوبيين وهو ما لا يفهمه كثر من اللبنانيين فالحركة المالية الناجمة عن وجود آلاف الجنود الدوليين في الجنوب أنعشت الاقتصاد المحلي الى درجة لم يكن يتوقعها أحد، وهو امر يعرفه من يراقب مستوى حياة الجنوبيين في السنوات الأخيرة. وعليه فان الحفاظ على هذا المستوى من الخدمات مع ما يترافق من بناء مشاريع انمائية محلية بيئية وصحية وخدماتية وتربوية لا يمكن تجاهله على الإطلاق وان اي تلاعب به سيمس حياة آلاف العائلات الجنوبية التي لا ينفعها اطلاق صاروخ من هنا او هنالك كما يرى كثر من المعنيين في الملف.

وبناء على ما تقدم فان عملية شويا اقلقت الجانب الدولي الذي لم يكن قد استخدم في بياناته عبارات تدل الى حجم ومخاطر ما جرى بالأمس. فالحديث السابق عن قدرة الامم المتحدة والجانبين المعنيين اسرائيل ولبنان بالقدرة على ضبط الوضع تجاه اي خرق امني بات في خطر جدي، لمجرد توريط الساحة الجنوبية بما لا يخدم الامن والاستقرار فيها وان الحديث عن انفلات الوضع بات على قاب قوسين او ادنى ما لم ترتدع المجموعات غير الشرعية عن استخدام مناطق “اليونيفيل” للقيام بما يؤدي إلى اي شكل من أشكال الحروب التي غابت عن المنطقة طيلة عقد ونصف.

على كل حال فإن الربط في العملية الأخيرة بين الساحتين اللبنانية والسورية كان واضحا من خلال اختيار وتبني اسماء “شهداء العملية” بين اختيار من قتل في لبنان وفي سوريا في علمية واحدة وهو ما يرفع نسبة القلق على إمكان انفلات الوضع طالما ان العمليات الاسرائيلية مستمرة في سوريا ومعها المواجهة الإيرانية – الاسرائيلية مفتوحة في عرض البحار وعبر الشبكات السيبرانية ما يضع البلاد مرة أخرى تحت تأثيرات خارجية ليس من المضمون قدرتها على تحملها في ظل الازمة الخانقة التي تكبل اللبنانيين وتشل قدرتهم على المواجهة المتعددة الوجوه.

وبناء على ما تقدم تلفت المراجع الديبلوماسية عبر “المركزية” الى ضعف المواقف اللبنانية الرسمية تجاه ما حصل في العرقوب امس، وسط مخاوف من تفسير اممي ودولي واقعي يضعهم جميعا في دائرة العجز عن مواجهة ما يجري والقدرة على تحمل المسؤولية ان اتخذ قرار خارجي بانفلات الوضع. فردات الفعل الرسمية تفاوتت بين الدعوة الى تأمين أوضاع العائلات المهجرة من الجنوب في وقت لم يتحدث فيه أحد عن هجرة كما ان الاضرار لم تلحق باي منزل بشكل لا يتحمله انسان. اما عن الشكوى الى الأمم المتحدة فهي “خطوة ميتة سلفا” طالما ان القوات الدولية هي التي سجلت الخرق الاول من الجانب اللبناني. هذا عدا عن تورط “حزب الله” في العملية الذي انهى الحديث عن مجموعات غير منضبطة ومتفلتة من العقاب فبقدرة اللبنانيين جمع صفوفهم والتفاهم على اعادة لبنان الى موقعه المحايد مما يجري في العالم إلا إن كانت هذه هي السياسة الثابتة للبنان الرسمي وهو ما سيؤدي إلى استمرار دفع الأثمان الباهظة التي يدفعها اللبنانيون منذ عقد من الزمن نتيحة تورطهم في حروب المنطقة الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا.