IMLebanon

قانون الشراء العام وسيلة لإرساء الحكم الرشيد

كتب شربل مارون في “الجمهورية”:

يشكّل الشراء العام محوراً اساسياً من محاور الانفاق العام الملحوظ في الموازنات العامة للدولة. ويذهب 20 % تقريباً من الانفاق العام الملحوظ في الموازنة الى الشراء العام. في السلبق كانت عمليات الشراء العام، قبل اقرار القانون في 30 حزيران 2021، تخضع بشكل اساسي لنصّين قانونيين قديمين هما: نظام المناقصات الصادر بالمرسوم التنفيذي رقم 2866 / 59، وقانون المحاسبة العمومية المنفذ بالمرسوم رقم 14969 / 63 . وضع المرسوم الأول الأسس الموحدة لمنظومة الصفقات العمومية في لبنان، ونَص المرسوم الثاني على طرق وقواعد إجرائها.

بعد عقود طويلة، ظهرت الحاجة الى العمل على تحديث هذه النصوص القانونية وتطويرها وسد الثغرات الموجودة فيها، ووضع حَد للخلل في التطبيق والتنفيذ، من خلال الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا الاطار.

كان الواقع في ظل هذين المرسومين يحفل بثغرات كثيرة، منها لامركزية الشراء العام بشكل فوضوي غير منظّم، إذ كانت صلاحيات ادارة المناقصات تنحصر بالادارات العامة في ما يتعلق بالصفقات العمومية، في حين تُجرى الصفقات المتعلقة بالمؤسسات العامة والبلديات بإدارة هذه المؤسسات والبلديات وإشرافها.

ونتيجة التطورات التي طرأت على الشراء العام والتعقيدات التي ترافق هذه العمليات، كان من الضروري وضع قانون عصري متطوّر يتضمن قواعد عملية توفّر العلنية، الشفافية، العدالة، الشمولية والمنافسة العادلة بشكل اساسي.

لا يمكن النظر الى قانون الشراء العام الذي تمّ إقراره بوصفه قانوناً مستقلاً، بل هو يشكل جزءاً من منظومة قانونية مترابطة تشمل قوانين الماليّة والموازنة العموميّة وبرامج الدولة ومشاريعها وخططها الاستراتيجية على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

انّ الهدف من اي تشريع يتعلق بالصفقات العمومية هو السعي الى توفير فرص متكافئة امام المؤسسات والشركات المعنية واتاحة مجال المشاركة امام المؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم، والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة بمرتكزاتها الثلاثة: الانسان والاقتصاد والبيئة.

إنطلق قانون الشراء العام الذي أعدّ مسودته الأولية «معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي» بمشاركة 13 خبيراً لبنانياً ودولياً، من القانون النموذجي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للتجارة العالمية، والذي حظي بموافقة الجمعية العمومية للمنظمة الدولية بقرارها رقم 66 / 95 تاريخ 9 كانون الأول 2011. وشدّدت الجمعية على ان هذا النموذج سيكون مرجعياً لإصلاح قوانين المشتريات العامة، وأوصَت الدول بالاستناد الى هذا النموذج عند صياغة قوانين الشراء العام لتقييم انظمة المشتريات العامة، ولتقييم أنظمة الشراء العام. وانطلاقاً من ذلك، شكّل مستنداً اساسياً في قانون الشراء العام في لبنان.

أولاً: مضمون قانون الشراء العام: من اجل فهم افضل لمضمون قانون الشراء العام ينبغي الاضاءة على الثغرات التي كانت موجودة في النصوص القانونية السابقة

1 – الواقع السائد مع القوانين السابقة: يمكن اختصار أبرز ثغرات هذه القوانين بالتالي: أ – اقتصار الجهات المشمولة بصلاحيات ادارة المناقصات على الادارات العامة من دون الأمنية والعسكرية منها، فيما تقوم المؤسسات العامة والبلديات بتطبيق أسس مختلفة عن تلك المنصوص عليها في نظام المناقصات.

لا بل انّ المؤسسات العامة، لا سيّما ذات الطابع التجاري والصناعي، لم تكن تخضع في إنفاقها المال العام للقواعد المنصوص عنها في قانون المحاسبة العمومية.

ب – غياب الدفاتر النموذجية المطلوبة للصفقات.

ج – عدم وجود وصف دقيق لطرق الشراء ومجالات تطبيقها يضمن استخدامها بطريقة فعّالة بعيداً عن التفسيرات والاجتهادات.

د – تشكيل لجان تلزيم الصفقات في الادارات والمؤسسات العامة والبلديات من دون أسس موحّدة ، مع تجاهل قواعد الاستقلالية والكفاءة المنصوص عليها في نظام المناقصات.

هـ – تخفيض مهل الاعلان عن تلزيم الصفقات من دون اي مبرّر ما يعطّل فتح باب المنافسة، لا سيّما بالنسبة الى الشركات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة.

و – اللجوء الى عقد الاتفاقات بالتراضي من دون اي مبرّر، وتغطية بعض الاتفاقات بموافقة مجلس الوزراء، ما يشكّل مخالفة قانونية وعملاً فاسداً.

ز – غياب السعر التقديري السري الذي من شأنه الحدّ من الفساد وهدر المال العام.

ح – تجزئة الصفقات تفادياً لرقابة سلطات الوصاية وديوان المحاسبة وادارة المناقصات.

ط – عدم وجود نظام للشراء الالكتروني.

ي – وصول الجمهور الى المعلومات المتعلقة بالشراء العام مقيّد ومحدود.

ك – عدم وضع برنامج سنوي للصفقات العمومية تلبية لطلب ادارة المناقصات، وغياب التخطيط العلمي عن موازنات غالبية الادارات والمؤسسات العامة والبلديات .

2 – قانون الشراء العام: إنطلاقاً من هذا الواقع جاء قانون الشراء العام ليعالج الكثير من الثغرات الموجودة، وحدّد ﻗﻭﺍﻋﺩ إجراء الشراء العام بحسب أفضل المعايير والمبادئ الدولية والممارسات الجيّدة، وهو يهدف الى:

– تطبيق الاجراءات التنافسية كقاعدة عامة.

– إتاحة فرص متكافئة من دون تمييز للمشاركة في الشراء العام.

– توفير معاملة عادلة ومتساوية وشفافة ومسؤولة لجميع العارضين والملتزمين.

– علنية الاجراءات ونزاهتها ومهنيتها بشكل يُفعّل الرقابة والمحاسبة.

– تشجيع التنمية الاقتصادية المحلية والانتاج الوطني على اساس القيمة الفضلى من إنفاق المال العام، من دون الاخلال بالفعالية.

ويرتكز القانون على عدد من المبادىء الأساسية، هي: الشمولية، التخطيط والدمج، المساءلة، الفعالية والمنافسة، النزاهة، الشفافية، التمهين والاستدامة.

وهو يندرج في 116 مادة مقسمة الى 9 فصول كالتالي:

الفصل الأول: أحكام عامة. يحتوي على أحكام عامة تنطبق على الاجراءات كافة.

الفصل الثاني: يتضمن قواعد عامة لإعداد عمليات الشراء وإجرائها وتنفيذها، ويفصّل قواعد عامة بحسب دورة الشراء.

الفصل الثالث: يتناول طرق الشراء، ويفصّلها مع شروط استخدامها.

الفصل الرابع: يضع أسس الشراء الالكتروني.

الفصل الخامس: يتناول التخصص وبناء القدرات، ويحتوي أحكاماً خاصة بالمهنة والتدريب.

الفصل السادس: حوكمة الشراء العام.

يُنشىء هذا الفصل الهيئة الناظمة ولجنة الاعتراضات، ويفصّل مهامها بالاضافة الى مهام لجان التلزيم والاستلام، ويتناول المهام الخاصة لسلطات التعاقد.

الفصل السابع: يفصّل إجراءات الاعتراض في مرحلة ما قبل التعاقد.

الفصل الثامن: النزاهة والمساءلة. يحدّد عقوبات متعلقة بمخاطر الفساد في إجراءات الشراء.

الفصل التاسع: يتضمن أحكاماً انتقالية ختامية.

ويمكن اختصار مضمونه بالتالي: أ – يخضع القانون اكبر قاعدة من الادارات والمؤسسات العامة والبلديات التي تنفق المال العام لأحكام موحّدة.

ب – ينص القانون على انّ الدفاتر النموذجية للصفقات وغيرها من الوثائق المعيارية، مثل محاضر عمل لجان التلزيم ووضع أسس أعداد التقارير ونماذج إعداد البرنامج السنوي، هي من صلاحية هيئة الشراء العام.

ج – يتبنّى القانون آليّة تشكيل لجان التلزيم المنصوص عنها في نظام المناقصات الصادر في المرسوم رقم 2866 / 1959. وتم بالتالي توحيد النصوص وتحديثها ووضع ضوابط لها مع مراعاة قواعد الاختصاص والكفاءة والنزاهة في تأليف اللجان. وبمقتضى القانون الجديد أصبحت معايير تشكيل لجان التلزيم تمرّ بهيئة الشراء العام، وتُعرض اللوائح على هيئة التفتيش المركزي.

د – لم يقارب القانون مهلة الاعلان عن الصفقات من خلال ربط الموافقة على تخفيض هذه المهلة بجهة شرائية معيّنة او الهيئة الناظمة العامة، إنما وضع ضوابط قانونيّة لذلك، واصبحت كل المهل والوقائع المرتبطة بعملية الشراء العام تُبلّغ مسبقاً لهيئة الشراء العام. واذا ما وجدت الهيئة انّ مهلة الاعلان عن مناقصة لا تتيح فرصة كافية للعارضين لتحضير مستنداتهم مثلاً، يمكنها اللجوء الى استخدام حق الاعتراض او المراجعة امام القضاء وهيئة الاعتراضات التي نصّ عليها القانون. وهذا إنجاز في غاية الأهمية، من شأنه تأمين المنافسة والمساواة.

هـ – يضع القانون ضوابط صارمة وحقيقية بشأن الاتفاقات بالتراضي، تحصرها ضمن قيَم الصفقات الصغيرة والظروف الاستثنائية الطارئة. وتم بموجب القانون إلغاء المادة 47 – الفقرة 12 من نظام الصفقات العمومية التي كانت تُجيز لوزير عرض الصفقات لإجرائها بالتراضي على مجلس الوزراء، بمعزل عن توفّر الظرف الاستثنائي.

ويشكّل القانون الجديد في هذا الجانب تطوّراً نوعياً من شأنه الحد من امكانية حصول ممارسات فاسدة في الصفقات العمومية، لأنّ قسماً كبيراً من هذه الممارسات يتم من خلال إجازات مفتوحة من مجلس الوزراء للوزراء بعَقد صفقات بالتراضي من دون وجود اسباب موضوعية تبرّر ذلك.

و – ينصّ القانون على العمل بالسعر التقديري، وبذلك بات المتعهّد او الملتزم الذي يريد التعاقد يعرف مُسبقاً الكلفة الحقيقية التقريبيّة لما يريد التعاقد بشأنه. وهذا يَحدّ كثيراً من احتمالات التواطؤ والاتفاق بين العرضين، واللجوء الى رفع السعر بما يتجاوز السعر الواقعي وتقاسم الفارق في ما بينهم.

كما تمّت ازالة كل النصوص المتضاربة بشأن السعر التقديري.

ز – يتجه القانون الى اعتماد نظام التخطيط، وتالياً اعتماد البرنامج السنوي في الادارات والمؤسسات العامة والبلديات. وهو يُلزم الجهات المشمولة بصلاحياته بوضع خطط للشراء، وان تكون هذه الخطط متجانسة مع الموازنات التي تعدّها، والاعتمادات التي تطلبها والتي تخصّص لها. وهذا يحقّق اندماج عمليّة الشراء العام ضمن منظومة الماليّة العامة.

ح – يضع القانون ضوابط عديدة لأداء الوزير في عمليات الشراء العام. صحيح انّ المبادرة بقيت بيَدي الوزارة لناحية تحضير دفاتر الشروط واجراء المناقصات، لكنّ ذلك يتم في ظل عين رقابة ساهرة لهيئة الشراء العام. واذا لم تكن لدى هذه الهيئة في معظم الحالات الاستثنائية، بحسب القانون الجديد، سلطة وَقف الانحرافات، الّا انها تتمتّع بسلطة الرصد والتوجّه الى المراجع القضائية او الادارية المختصّة بطلب إجراء المقتضى.

ط – سيكون اصدار المراسيم بشأن تطبيق قانون الشراء العام ضمن الحدّ الأدنى المعقول وما يتعلّق بالسياسة العامة للدولة التي يختصّ بها مجلس الوزراء عملاً بأحكام الدستور. وتصدر المراسيم عن المجلس بناء على اقتراح او توصية من هيئة الشراء العام . مثال ذلك إعطاء الأفضلية للمنتجات الوطنية وللمؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم.

ي – يخصّص القانون فصلاً يتعلّق بجرائم الصفقات العمومية، ويحدّد عقوبات لها. وتمّت مراعاة الجرائم المنصوص عنها في قانون العقوبات، لكنّ الأعمال التفصيلية التي لا تقع بشكل مباشر ضمن اطار قانون العقوبات، والتي تشكّل مخالفة لقانون الشراء العام، تمّت كتابة نصوص لها وتحديد العقوبات الملائمة.

وللمرة الأولى ينص القانون على عقوبات على الجهة الشارية، مثل تنزيل الاعتماد المخصّص للعملية اذا انغمست او دخلت في ممارسات تواطؤية او فاسدة، مع بقاء المسؤولية الشخصية لكل من يتدخّل في عملية الشراء العام. مع الاشارة الى انّ النص القانوني السابق كان يتضمّن عقوبات على الملتزمين مع الادارة غالباً لا تنفّذ، مثل الاقصاء عن المناقصات مستقبلاً.

لكنّ القانون الجديد مع كل التغييرات الجذرية التي يحدثها، يتضمن ثغرات بسيطة منها أنه لم يتم الأخذ بوجهة نظر ادارة المناقصات لجهة وجوب إخضاع التلزيمات المتعلقة بالشراكة مع القطاع الخاص لأحكام القانون الجديد.

لكن هذه الثغرة ليست معيبة، لأنّ دولاً كثيرة تنظّم عمليّات الشراكة بقوانين خاصة. والمهم في هذا السياق ان تتضمّن هذه القوانين آليات ومبادئ تقوم على العلنيّة والمنافسة والمساواة واختيار العرض الأفضل.

ويُظهِر الجدول التالي التغييرات الأساسية التي طرأت على عمليات الشراء العام مع اقتراح القانون الجديد:

ثانياً : ابرز ما يحققه القانون: ينقل القانون عمليات الشراء العام الى واقع جديد مختلف جذرياً عما كان سائداً فيما لو تم إبعاد التأثيرات السياسية عن تطبيقه. ويمكن تلخيص الانجازات التي يحققها القانون بالتالي:

أ – تعزيز صلاحيات ودور هيئة الشراء العام: كانت ادارة المناقصات بمثابة مرصد يعمل بعينيه بشكل اساسي، ومنح القانون هيئة الشراء العام ما يمكن تسميته بأسنان تسمح لها بالتدخّل والعمل للتقيّد بالقانون ومبادئ الحكم الرشيد.

الهيئة بموجب القانون هي هيئة رصد واشراف وتنظيم ورقابة غير عقابية. وبالتالي، فإنّ الهيئة يمكنها عند تسجيل اي مخالفة وقف بعض عمليات الشراء العام. وهذه الصلاحية ليست شاملة، بمعنى انّ القانون نَصّ عليها في حالات معيّنة، ولم يشر اليها في حالات اخرى.

ويمكن اختصار الصلاحيات الأساسية للهيئة بثلاث: – اعداد تقارير دورية تصدر عنها، وتكون بمتناول الرأي العام بما يتيح الاطلاع الكامل على عمليات الشراء العام وكل تفاصيلها، وإبراز العقبات في حال وجودها، واقتراح الحلول المناسبة. وتكرّس هذه الصلاحية الشفافية بدرجة عالية.

– الادعاء امام القضاء. وهو ما يشكّل الترجمة الأقوى لإعطاء الهيئة أسناناً في ممارسة مهامها، فهي باتت قادرة على مواجهة المخالفة والخروج عن النصوص القانونية بالمراجعة امام القضاء، إمّا لوقف الضرر والمخالفة وإمّا للمحاسبة.

ونورِد مثلاً على ذلك لو كانت هذه الصلاحية موجودة سابقاً لكان بإمكان ادارة المناقصات الادعاء على مجلس الانماء والاعمار امام القضاء نتيجة المخالفات التي تمّ رصدها في تنفيذ الأنفاق عند المدخل الجنوبي لبيروت، وما تسبّبت به من كوارث وتعطيل مصالح الناس عند تساقط الأمطار.

التوجّه مباشرة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة لشرح مسار عملها واطلاعهم على العقبات والعراقيل عند وجودها من خلال مراسلات مباشرة، وهو ما يعطيها سلطة معنوية، ويساعدها على عرض ما تواجهه امام المسؤولين في السلطتين التنفيذية والتشريعية وطلب مساعدتهم، ما قد يحلّ الكثير من المشاكل اذا توافرت النيات السياسية المطلوبة.

ب – مركزية الرقابة ولا مركزية التطبيق: يوفّر القانون تطبيقاً عملياً لمبدأ إصلاحي معتمد في عمليات الشراء العام، وهو «المركزية في الرقابة واللامركزية في التنفيذ»، بحيث يعطي ادارة الشراء العام دوراً اساسياً في الرقابة، ويترك الاجراءات التطبيقية في الصفقات للادارات والمؤسسات العامة والبلديات برقابة الهيئة. ويمكن القول انّ القانون المقترح يوفّر مرونة في التنفيذ وصرامة في الرقابة.

ج – إقرار مبدأ الشمولية في صلاحيات هيئة الشراء العام: كانت ادارة المناقصات التابعة لهيئة التفتيش المركزي تتولّى جزئياً صفقات الادارات العامة. وكان ما يُقدّر بأقل من 5 % من الانفاق العام على الصفقات يتمّ من خلال الهيئة، فيما تجرى 95 % من عمليات الشراء العام بعيداً عن هذه الهيئة. وعلى سبيل المثال، تجاوزت قيمة الصفقات التي أنجزتها بلدية بيروت وحدها في عام واحد مجموع ما أنجَزته ادارة المناقصات في الادارات العامة مجتمعة .

ومع القانون المنتظر فإنّ صلاحية الهيئة باتت تشمل 100 % من صفقات الشراء العام، وبإمكان الهيئة التدخل في هذه العمليات والتأثير في مجرياتها.

د – حق الاستعلام لهيئة الشراء العام: قبل إقرار القانون لم يكن من موجب لدى المؤسسات العامة والبلديات لإعطاء ادارة المناقصات اي معلومات عن الصفقات التي تجريها. وهذا هو الواقع مثلاً مع كل صفقات مؤسسات كهرباء لبنان التي شكّلت الجزء الأكبر من الدين العام البالغ حوالى 100 مليار دولار، وما رافَقها من علامات استفهام بشأن الهدر فيها.

ومع القانون الجديد صار إيداع المعلومات لهيئة الشراء العام موجب قانوني مع النشر. وبالتالي، بات بإمكان مجلس النواب والرأي العام معرفة كل المعلومات عن صفقات الشراء العام، ما يعزّز امكانية المحاسبة.

هـ – الشفافية: من خلال تكريس موجب النشر لكل ما يتعلّق بعمليات الشراء العام، لا سيّما دفاتر شروط الصفقات وطريقة اجرائها بكل مراحلها بعكس ما هو عليه الواقع القائم حالياً. هذا الواقع مثلاً حال دون نشر اي معلومات عن العقد الموقّع بين الدولة اللبنانية وشركة «سوناطراك» الجزائرية منذ العام 2005 بذريعة انه بين دولتين. وهو ما يمنع اي إمكانية للمحاسبة واصلاح الوضع في حال وجود اي مخالفة.

ثالثاً: الاقتراحات والتوصيات: ينبغي اللجوء الى عدد من الخطوات والاجراءات التي تضمن وضع القانون موضع التطبيق بما يعزّز قيم الحكم الرشيد، من خلال التالي:

أ – سيادة القانون العصري: يتم ذلك من خلال الإسراع بإصدار المراسيم التنظيمية والتطبيقية اللازمة حتى لا يبقى حبراً على ورق، كما هي الحال مع قانون انشاء المحاكم الادارية وقانون الحق بالوصول الى المعلومات، والعمل على منع تعطيل تطبيقه كما حصل مع القانون 175 / 2020 المتعلق بمكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والقانون رقم 462 الصادر عام 2002 والمتعلق بتنظيم قطاع الكهرباء.

ب – تكريس الكفاءة والاختصاص: يتم ذلك من خلال :1 – تعيين هيئة الشراء العام المكوّنة من 5 اعضاء، بمراسيم تصدر عن مجلس الوزراء بالاستناد الى القاعدتين المذكورتين بعيداً عن المحاصصة، بحيث يتولى ادارة الهيئة اشخاص محايدون يتمتعون بالكفاءة، مرجعهم القانون والمصلحة العامة. كما ينبغي منع التدخل السياسي في عمل الهيئة .

2 – العمل على توفير الكادر البشري المؤهل والكفوء في ملاك هيئة ادارة الشراء العام والوزارات والادارات والمؤسسات العامة والبلديات، وتأهيله لتطبيق القانون بعد صدوره ونشره .

ج – تحقيق التنمية في الادارات والمؤسسات العامة والبلديات: يكون ذلك من خلال : 1 – توفير التكنولوجيا المطلوبة في هيئة ادارة الشراء العام والوزارات والادارات والمؤسسات العامة والبلديات بما يساعد على تطبيق سليم لقانون الشراء العام من دون عراقيل.

2 – تحقيق الربط الالكتروني بين الهيئة وهذه الوزارات والادارات والمؤسسات والبلديات لتهّسل التواصل المباشر المطلوب.

وهذا من شأنه ان يطوّر العمل الاداري المتعلّق بالشراء العام، وينقل الادارات والمؤسسات العامة والبلديات خطوات الى الأمام، ويجعلها مواكبة للتطورات التتكنولوجية.

د – الشفافية: تتحقق من خلال حرية النشر وايصال المعلومات الى المعنيين. ويتم ذلك من خلال:

1 – إنشاء المنصة الالكترونية التي تتيح جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بالشراء العام ووضعها بتصرّف الرأي العام.

2 – إصدار الوثائق النموذجية الموحّدة لاجراءات الشراء العام.

هـ – تكريس الحق بالاستعلام والمعرفة: يتم ذلك من خلال: 1 – القيام بحملة اعلامية منظمة على وسائل الاعلام التقليدية ووسائل الاعلام الحديث لشرح القانون وحسناته للرأي العام ، والضغط من اجل وضعه موضع التطبيق السريع .

2 – وضع دليل إرشادي علمي ومفصّل يشرح تفاصيل القانون الجديد بعد صدوره ونشره.

و- تكريس مبدأ المصلحة العامة: يتم العمل على مستويات عديدة لجعل قانون الشراء العام على أجندة الرأي العام اللبناني، يحقّق من خلاله المصلحة العامة. ويكون ذلك من خلال:

1 – الاتصال بالمؤسسات والشخصيات العاملة في القطاعين العام والخاص وهيئات المجتمع المدني من اجل تبنّي المطالبة بتطبيق القانون وابعاد التأثيرات السياسية عنه.

2 – إقرار استراتيجية وطنية وخطة عمل للاصلاح، لأنّ الاصلاح عملية متكاملة ومترابطة، لا تقتصر على إصلاح منظومة الشراء العام.

هذا الأمر يتم في اطار التعاون بين جريدة الجمهورية ومنتدى الحكم الرشيد التابع لمرصد الوظيفة العامة والحكم الرشيد في جامعة القديس يوسف ومؤسسة كونراد اديناور . كما يأتي في اطار التزام مرصد الوظيفة العامة وجامعة القديس يوسف العمل على دعم الخطوات الإصلاحية وارساء ثقافة الحوكمة انطلاقاً من القيم اليسوعية، وانه ستكون هناك اوراق عمل اخرى ستنشر لاحقاً.