IMLebanon

لبنان في مرمى “صدمات” ما بعد “النار الخافتة” في الجنوب

 

بعد أسبوع إعلانها من الشارع «معركة مفتوحةً» وصولاً إلى الحقيقة والعدالة في «بيروتشيما»، ورسائل «الأرض المفتوحة» بين اسرائيل و«حزب الله» على تخوم الجبهة التي يتم «تسخينها» على خط إيران – المجتمع الدولي، يدخل لبنان مرحلة تَلَقّي «صدمات» حَدَثيْن تَرَكَ كل منهما ارتدادات راوحتْ بين الشعبية والسياسية والأمنية والتفّت من حول مأزق تأليف الحكومة الجديدة العالق في عنق الزجاجة.

وإذا كان واضحاً أن «الأربعاء الكبير» في الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت أرسى أرضاً صلبة لإكمال مسيرة الضغط نحو عدم «دفْن» الحقيقة في هذه الجريمة، فإن تداعياتِ ما بعد تحريك الجبهة النائمة اللبنانية – الاسرائيلية وترسيم معادلات ردعٍ بـ «النار الخافتة» تنطلق من الأبعاد العميقة التي عبّر عنها تكريسُ ربْط لبنان عبر «الأوعية المتصلة» بمسار ومصير الملف الإيراني على محوريْ النووي و«حرب الناقلات»، كما من دلالات التوترات التي أعقبت عملية «حزب الله» عبر منطقة العرقوب باتجاه مزارع شبعا المحتلة والتي كادت أن تمتدّ على مجمل رقعة «التماس» الشيعي – الدرزي.

 

وبعد أربعة أيام على «انتفاضة الحقيقة» التي شارك فيها عشرات الآلاف هاتفين «لن نسكت قبل أن تسقط الحصانات» (طلب المحقق العدلي القاضي طارق بيطار رفْعها عن وزراء سابقين هم نواب حاليون تمهيداً للادعاء عليهم كما فعل مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، بالتوازي مع أذونات طلب الحصول عليها لملاحقة قادة أجهزة أمنية وغيرهم)، جدّد أهالي ضحايا «بيروتشيما» ومجموعات من الحِراك المدني تحرّكهم الميداني بتظاهرة عصر أمس تحت عنوان «8/8 يوم العدالة لضحايا إجرام النظام في لبنان» و«كلنا ضحايا والمجرم واحد»، رفضاً لمحاولة تقويض التحقيق و«إخافة القاضي بيطار».

وجاء هذا التحرك غداة ما اعتبره معارضو «حزب الله» عملية «شيْطنة» قام بها أمينه العام السيد حسن نصرالله للتحقيق في انفجار 4 اغسطس 2020 الهيروشيميّ وذلك في معرض تأكيده أن لا علاقة للحزب بشحنة نيترات الأمونيوم التي خُزنت لنحو 7 أعوام في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت حتى انفجار ما بقي منها ولا للنظام السوري، متهماً جماعات لبنانية داعمة لمجموعات مسلّحة سورية بالمسؤولية عن هذه المواد، ومهاجماً بعنف المسار الذي يعتمده القاضي بيطار في تحقيقه «المسيّس والاستنسابي»، ومتحدثاً عن غياب «وحدة المعايير» في الملاحقات لرئيس حكومة حالي وليس سابق ووزير حالي دون سابق وقادة أجهزة أمنية دون غيرهم «هل لأنك تستضعف رئيس الحكومة الحالي”؟

وأضاف: «هذا المحقق القضائي يمارس السياسة ومسيّس، وهذا تحقيق مسيّس، وليعلن عن نتيجة التحقيق الفني والقضائي ثم يعود و«يمشي» الملف بمساره الطبيعي.

نحن لن نقبل بتضييع الحقيقة، ولن نسلّم للاستهداف السياسي، إما أن تعملوا تقنياً وقانونياً وبوحدة معايير وشفافية، أو القضاء يرى قاضي آخر يكمل مسار التحقيق».

وفيما عَكَسَت مواقف نصرالله ارتياباً كبيراً من مسار التحقيق واعتُبرت مؤشراً إلى «مكاسرة» تشقّ طريقها إلى هذا الملف، يتداخل فيها السياسي بالقضائي، فإن هذا لم يحرف الأنظار عن المساعي المستمرة لتطويق ذيول حادثة شويا التي صادر فيها شبان (دروز) الراجمة التي أطلقت منها صواريخ «الكاتيوشا» على مزارع شبعا المحتلة يوم الجمعة وتوقيف 4 من عناصر «حزب الله» وهو ما ترك تشظياتٍ على الأرض توزّعت بين صيدا وعاليه على شكل توترات ذات طابع مذهبي.

وقد حاول نصرالله في إطلالته ليل السبت «دوْزنة» الموقف من هذه الحادثة عبر التمييز بين أهالي شويا وبين «المعتدين» على مجموعة «حزب الله» وهم «معروفو الوجوه والأسماء» مع تأكيد أن «الحادثة وتصويرها ونشرها كان مشيناً ومعيباً ومحزناً وسيئاً جداً»، مع تبريره اختيار حاصبيا للردّ منها على الغارتين اللتين استهدفتا الجنوب يوم الأربعاء بمقتضياتٍ عسكرية تتصل بالرغبة في اختيار بقعة تتيح رداً «مناسباً ومتناسقاً» يعاود تثبيت قواعد الاشتباك والمعادلات القائمة منذ 2006 والتي خُرقت للمرة الأولى (بالغارتين)، وفي الوقت نفسه تفادي تصعيد يجرّ إلى حرب «لا نريدها ولكن مستعدين لها إذا فُرضت علينا».

ولم يكد أن يجفّ حبر كلام نصر الله حتى خرج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد بمواقف عالية السقف من موضوع «قرار الحرب والسلم خارج الشرعية»، استدرجت انتقادات عنيفة من قريبين من «حزب الله».

وقال الراعي «نقف بجانب أهلنا في الجنوب لنشجب توتّر حالة الأمن.

وقد سئموا – والحق معهم – الحرب والقتل والتهجير والدمار.

وفيما نُدين الخروق الإسرائيليّةَ الدوريّةَ على جنوب لبنان، وانتهاك القرار الدولي 1701، نشجب تَسخينَ الأجواءِ في المناطق الحدوديّة انطلاقاً من القرى السكنيّةِ ومحيطِها.

كما لا يمكننا القبول، بحكم المساواة أمام القانون بإقدامَ فريقٍ على تقريرِ السلمِ والحربِ خارجَ قرارِ الشرعيّةِ والقرارِ الوطني المنوط بثلثي أعضاء الحكومة وفقاً للمادّة 65 من الدستور».

وأضاف «صحيح أنَّ لبنانَ لم يُوقِّع سلاماً مع إسرائيل، لكن الصحيحَ أيضاً أنَّ لبنانَ لم يُقرِّر الحربَ معها، بل هو ملتزمٌ رسميّاً بهدنة 1949.

وهو حالياً في مفاوضاتٍ حولَ ترسيمِ الحدودِ، ويَبحث عن الأمنِ، والخروجِ من أزَماتِه، وعن النهوضِ من انهيارِه شبه الشامل، فلا يريد توريطه في أعمالٍ عسكريّةٍ تَستدرِجُ ردوداً إسرائيلية هدّامة».

وتابع «نَهيب بالجيشِ اللبنانيِّ المسؤول مع القوات الدولية عن أمن الجنوب بالسيطرة على كامل أراضي الجنوب وتنفيذ دقيق للقرار 1701 ومنع إطلاق صواريخ من الأراضي اللبنانية لا حرصاً على سلامة إسرائيل، بل على سلامة لبنان»، مؤكداً «نريد أن ننتهي من المنطق العسكري والحرب واعتماد منطق السلام ومصلحة لبنان وجميع اللبنانيّين».

وفي موازاة ذلك، بقي الغبار الكثيف يلف مسار تأليف الحكومة الذي يبدو أنه غارق في لعبة مناوراتٍ متجددة تعكس ثباتاً على الشروط التي عطّلت عملية التشكيل التي تدخل غداً عامها الثاني منذ استقالة حكومة دياب على وهج «بيروتشيما» فيما يُنْهي الرئيس نجيب ميقاتي اليوم الأسبوع الثاني من تكليفه المحفوف بأفخاخ وبتصاعُد عصْف الانهيار المالي الذي بلغ حدّ «استغاثة» 6 من مستشفيات بيروت الكبرى أمس «المازوت خلال ساعات أو الكارثة» وذلك بسبب النقص الحاد في هذه المادة.

وإذ كانت لافتة أمس تغريدة «مرّمزة» للسفير السعودي في بيروت وليد بخاري إذ كتب «غسان كنفاني من كبارِ الأُدباءِ الرمزيِّين الذي أضاف إلى الصَّمت بعداً أكثر فصاحة من الكلمات: الصمت لا يعني القبول دائماً؛ بل يعني أننا قد تعبنا من التفسير لأشخاصٍ لا تفهم»، تتجه الأنظار الى اللقاء الذي قد يُعقد غداً بين ميقاتي والرئيس ميشال عون وسط إشارات غير مشجعة.

ولم يكن عابراً بروز مؤشرات من الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله» إلى «نأي بالنفس» عن مسار التأليف وسط تسريباتٍ عن انطباعٍ بأن الكلام عن «مقايضاتٍ مطروحة» بين حقيبتيْ المال (من حصة بري) و«الداخلية» (يريدها عون لمسيحي ويتمسك ميقاتي بأن تبقى لسني) بما قد يفتح الباب أمام اختراق في عقدة الحقائب السيادية هو في إطار محاولة استدراج الثنائي للدخول على خط دعْم فريق عون، وهو ما رفضه بري على طريقته، فيما لم يبدُ نصرالله بعيداً عنه بكلامه عن أننا «ناطرين والقصة بين فخامة الرئيس ودولة الرئيس ولنرَ ما الذي سيطلع»، رغم اعتقاد خصوم «حزب الله» بأنه لا يمكن أن يكون بعيداً عن «إطالة عمر الأزمة الحكومية» لاعتباراته الاقليمية.
https://www.alraimedia.com/article/1548553/خارجيات/لبنان-في-مرمى-صدمات-ما-بعد-النار-الخافتة-في-الجنوب