IMLebanon

لبنان… ألف قِصة وغصّة عن فواجع “صراع البقاء”

 

وكأنّ لبنان «المخطوف» يُقتاد وعن سابق تَصَوُّر وتصميم إلى ما هو أكثر من «بئس المصير» في «البئر العميقة» التي بات يصرخ فيها ولا مَن يُجيب، بعدما حُشر في زنزانة إقليمية «أقفلت» على وطنٍ سلّم «مفاتيحه» لسجّانٍ أدْخل شعباً بكامله في «صراعِ بقاءٍ» مع «وحش الانهيار» الذي حرمه الضوء والدواء وجَعَلَ لقمةَ العيش مغمّسةً بألف قِصة وغصّة عمّن صنع للشرق «سويسراه» وكان للمتوسط لؤلؤته.

كل شيء في لبنان «المحطّم» يزداد سخونةً وكأنه غليان ما قبل انفجار «البركان»، وسرعة السقوط الحُر لا تنفكّ تأخذ دفْعاً جراء تَوالُدِ الأزماتِ «الكاسِرة» لأبنائه والمهاجرين إليه واللاجئين فيه… وحدها أزمة تأليف الحكومة الجديدة التي أطفأتْ أمس «شمعة سنة أولى» منذ استقالة الرئيس حسان دياب على وهج تفجير مرفأ بيروت (وقع في 4 أغسطس 2020) وكأنها في «مسارٍ جليدي» لا يأبه لانزلاق البلاد والعباد إلى «العصر الحجري».

 

في يوميات بيروت وأخواتها، لم يَعُد من مكان إلا صغير للعناوين الكبرى التي تشكّل واقعياً «المسرح السياسي» لـ «الجريمة ضد الإنسانية» التي تُرتكب بحق اللبنانيين.

… فلا «أصْل الصراع» المتمثل في التموْضع الاستراتيجي لـ «بلاد الأرز» وأكلاف حرْفها عن حضنها العربي وجرّها لـ «ممرّ الفيَلة» له صدى أقوى من صوت «استغاثات» المرضى الباحثين عن أدوية كأنها «كنز مفقود» وعن سرير بالمستشفى بات «الحلم والكابوس».

… ولا تحوير مسار لبنان بما يلائم مقتضيات «الاقتصاد المُقاوِم» له موقعٌ بين الباحثين عن قطرة ضوء تتلاشى يومياً مع كل شحّ إضافي في المازوت بدأ يستولد كوارث «جرّارة».

… ولا الخفايا الداخلية والاقليمية للمأزق الحكومي، ولا ربْط السماح للبنان بالتقاط «فرصة النجاة» من الارتطام المميت بإفلات إيران من قضبان العقوبات ومن أي محاولاتٍ لتقصير «حبْل الدور» الذي تَمَدَّدَ في ساحات العالم العربي، لها وقْعٌ وموقعٌ في سلّة الفواجع التي تنضمّ إليها «صفوف» من أزمات كان آخِرها الغاز بعد عودة مشاهد الطوابير أمام محطات المحروقات.

ولم يكن أكثر تعبيراً عما يعيشه لبنان من التوصيف الذي أطلقه مدير عام مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس أبيض (عبر موقع «المدن») بكلامه عن «أننا نعيش في أزمة بلا أفق.

لا نعرف إذا كنا سنشهد في نهاية النفق الحالي الضوء ونعثر على بارقة أمل، أم سنتفاجأ بقطار مسرع يأتي ويصدمنا».

توصيفٌ انطلق من التداعيات المتدحرجة لانقطاع المازوت على المستشفيات التي استنجدت أمس مجدداً «حذار أمّ الكوارث ما لم توفّروا المازوت» والتي بالكاد تواجه «باللحم الحي» الموجة الجديدة من «كورونا» في ظل تأثيرات الأزمة المالية على مخزونها من الأدوية الرئيسية والمستلزمات الطبية الأساسية، وهو «النداء» الذي تَرافَق مع «تسونامي عتمة» بدأ يجتاح مناطق عدة تلتحق تباعاً

بـ «دائرة الظلام الشامل» في «دومينو» لن يتأخّر في إصابة كل لبنان الذي بات واقعاً بين مطرقة غياب إمكان تمويل شراء الفيول والصيانة لمعامل الكهرباء وبين سندان قرار ضمني بوقف دعم استيراد المشتقات النفطية من أموال ما بقي من احتياطي إلزامي لدى «المركزي».

وفيما كان «زحف العتمة» يستدرج تحركات احتجاجية تتحوّل «بقعة زيت» في أكثر من منطقة بينها الجنوب والضاحية الجنوبية، وبعضها استعاد مشهدية مصادرة صهاريج محمّلة بالمازوت كانت تمرّ فيها وتوزيعها على أصحاب المولدات الخاصة (كما جرى في طرابلس)، ارتسمت معالم سيناريوات موجعة لأزمة المازوت على مستويين: الأول يطول «لقمة الفقير» (الخبز) مع إعلان تجمع المطاحن توقف العديد من المطاحن قسرياً عن العمل بسبب فقدان هذه المادة، وأن «المطاحن الأخرى ستتوقف خلال أيام معدودة ما سيؤدي حكماً لعدم توافر الطحين لصناعة الخبز العربي».

والثاني الأمن الصحي مع إعلان شركة مختبرات ألفا لصناعة الأمصال التوقف عن إنتاج الأمصال بسبب فقدان المازوت، مناشدة المعنيين العمل على حل هذه المشكلة الكبيرة والتي تهدد حياة اللبنانيين بشكل عام، ومؤكدة أن «صناعة الأمصال تعتبر صناعة استراتيجية، وهناك أمصال يتم إنتاجها بشكل يومي خصوصاً تلك التي تستخدم في غسيل الكلى». علماً أن مختبرات الشركة تغطي 70 في المئة من السوق اللبنانية وحاجة المستشفيات.

ولم يكن ينقص اللبنانيين لتكتمل «الدائرة الجهنمية» التي زُجوا فيها والتي التحقت بها أمس صورة مؤلمة لبيع أحد السوبرماركت صنفاً من الجبنة بـ «الحبة» عوض العلبة في مؤشر إلى حجم البؤس اللبناني، من ارتسام أزمة غاز بسبب عدم فتح اعتمادات في المصرف المركزي لاستيراد كميات جديدة، وهو ما تُرجم طوابير ذلّ أمام مداخل الشركات والمعامل الموزعة لهذه المادة التي تقاطرت إليها حشود من المواطنين تسابقوا على ما بقي من كميات تردَّد أنها بالكاد تكفي لأسبوع.

عنوانان فقط كسرا هذه «الحلقة المقفلة» من الاهتمامات بما يُفترض أنه من أساسيات الحياة وحقوق الإنسان… التحقيقات بـ «بيروتشيما» والتطاول المبرْمَج على البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعد «الضرب بعصاه» وتصويبه بوصلة النقاش ووضعه «الإصبع» على مكمن المشكلة التي تتمثل في وضعية سلاحه خارج الشرعية وجرّه البلاد إلى مشروع إقليمي لا علاقة للبنان به.

وفي هذيْن العنوانيْن، نقطة مشتركة شكّلها «حزب الله» سواء عبر «مضبطة الاتهام التخويفية» غير المسبوقة التي وجّهها أمينه العام السيد حسن نصر الله بحق المحقق العدلي في تفجير المرفأ القاضي طارق بيطار داعياً لاستبداله ما لم يَعُد «إلى وحدة المعايير ويخرج من تسييس التحقيق»، أو من خلال التخوين الخطير لمناصريه وأحزاب قريبة منه للبطريرك الماروني والتي اعتُبرت من معارضي الحزب في إطار «تحصين» حاجز الخوف لدى رافضي وضعيّته والذي جرى بناؤه «حجراً حجراً» على مدى نحو 16 عاماً.

وبعد مواقف ندّدت بالتطاول على الراعي من كل من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ثم الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، أجرى الرئيس ميشال عون أمس، اتصالاً بالبطريرك جرى فيه «التطرق لِما تعرّض له المقام البطريركي وشخص البطريرك من حملات مدانة ومرفوضة من أي جهة أتت وتحت أي أي ذريعة او حجّة».

وشدّد الرئيس اللبناني على «أن حرية الرأي والتعبير مصانة بموجب الدستور، وأي رأي آخر يجب أن يبقى في الاطار السياسي ولا يجنح الى التجريح والإساءة حفاظاً على الوحدة الوطنية ضمانة الاستقرار العام».

من جهته، أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ردّاً على الحملة على الراعي: «بكركي تتحدّث باسم أكثرية اللبنانيين والحملة مرفوضة ولا تجوز وأقول للمفتي (الجعفري الممتاز الشيخ أحمد) قبلان«لبنان دائماً كان بلاد سيادة وحرية واستقلال وكان هكذا قبل حزب الله وهكذا سيبقى ولا يمكنكم قمع رأي الآخر».

وفي موازاة ذلك، كان الملف الحكومي محكوماً بـ «اللف والدوران» حول تعقيداتٍ يعتقد البعض أنها «مانعة للتأليف» الأمس واليوم وغداً وتتصل بالحقائب وتوازنات التشكيلة و«توقيت» الإفراج عن الحكومة بمعانيه الإقليمية، وسط استعادة بيروت مناخات ضخ تفاؤل بأن ينجح الرئيس المكلف نجيب ميقاتي حيث فشل الحريري وذلك خلال عشرة أيام أو أسبوعين، وهو ما تقول أوساط سياسية إنه سيبقى مرهونا «بخواتيم الأمور» ملاحظة أن لقاءً لم يُعقد أمس بين عون وميقاتي وهو ما يعني أن أي خرق حقيقي لم يحصل بعد.

ولم يسجّل الملف الحكومي أمس، إلا نفييْن، الأول من عون لأن يكون طلب الحصول على 12 مقعداً وزارياً من أصل 24 في الحكومة العتيدة، معتبراً أن هذه المعلومات «تهدف الى التشويش المقصود على التعاون القائم بين الرئيس عون والرئيس المكلف»، والثاني من ميقاتي الذي أكد أنه «لم يعقد أي لقاء بينه وبين أي وسيط لرئيس الجمهورية، وتحديداً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل».
https://www.alraimedia.com/article/1548825/خارجيات/لبنان-ألف-قصة-وغصة-عن-فواجع-صراع-البقاء