IMLebanon

لا حكومة ولا انتخابات بل مؤتمر تأسيسي؟! (بقلم رولا حداد)

الوصول إلى اتفاق الطائف في العام 1989 كلّف أكثر من 150 ألف ضحية في حرب أهلية مشؤومة ومئات آلاف المصابين والمعوّقين والمهاجرين والمهجّرين، إضافة إلى خسائر مالية واقتصادية بعشرات المليارات.

بعد 32 عاماً يبدو أن “دستور الطائف” تخطاه الزمن بمفهوم توازنات القوى الداخلية والخارجية. في الإقليم إيران باتت تلعب دوراً أكبر من حجمها بحدودها بكثير. احتلت 4 عواصم عربية، وباتت قاب قوسين أو أدنى من تصنيع قنبلة نووية وتفاوض وحيدة الدول العظمى. أما في الداخل فتمكن “حزب الله” عبر تكوين ميليشيا إيرانية متكاملة بتجهيزاتها وصواريخها، وخصوصا الدقيقة منها، إضافة إلى سلسلة الاغتيالات في لبنان وانقلاب 7 أيار العسكري، وأيضاً عبر المشاركة في الحروب الإقليمية من سوريا والعراق وصولا إلى اليمن، من فرض معادلات جديدة كان أبرزها فرض انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية والسيطرة على الأكثرية النيابية وتعطيل الحكومات كما الإمساك بسياسة لبنان الخارجية والدفاعية!

لم تعد توازنات “الطائف” تصلح في الـ2021. إنه الواقع بكل بساطة، تماماً كما خاض “حزب الله” في الكواليس اعتباراً من مؤتمر سان كلو في الـ2007 طرح معادلة المثالثة رافضاً الاستمرار بالمناصفة التي كرّسها “الطائف”.

هكذا كان “حزب الله” أمام خيارين لإسقاط “الطائف” لأن تغيير الأنظمة لا يمكن أن يتم “على البارد”: إما خوض حرب داخلية لفرض المعادلات الجديدة التي يريدها، ومثل هذه الحرب ستكون مكلفة وليست بنزهة. وإما هدم كل شيء: المؤسسات الدستورية والاقتصاد والوضع المالي، والأهم هدم مثلث صمود لبنان وهويته الاقتصادية، أي القطاع المصرفي والقطاع الاستشفائي والقطاع التعليمي!

سياسة الهدم هذه من خلال فرض تجويع اللبنانيين تهدف إلى التأسيس للمرحلة الجديدة. يريد “حزب الله” أن يستسلم اللبنانيون ويصرخوا من دون حرب: فلنذهب إلى مؤتمر تأسيسي وأي نظام جديد من أجل عودتنا إلى حياة طبيعية.

كل ما يجري منذ أكثر من سنة وحتى اليوم يهدف إلى إيصالنا إلى هذه الخلاصة. لن تكون هناك حكومة جديدة، ولن تكون هناك انتخابات نيابية جديدة ولا انتخابات رئاسية. لا يريدون إعادة تكوين المؤسسات الدستورية وفق “الطائف”. سنشهد كل أنواع الفوضى على الطرقات وفي الساحة إلى أن يرضخ الجميع ويذهبوا إلى المؤتمر التأسيسي.

من يتحدث عن الدولة سيخيب أمله. من يراهن على المجتمع الدولي سيُصاب بالإحباط. الخارج يتعامل مع الأقوياء، وللأسف فإن جميع معارضي “حزب الله” لا يملكون اليوم من عناصر القوة ما يدفع المجتمع الدولي لمخاطبتهم أو الاستماع إليهم.

على الجميع الإدراك أن كل يوم تأخير يصبّ في مصلحة “حزب الله” لأنه يعزّز مواقعه في مقابل تقهقر الآخرين. كل يوم يمرّ في ظل المعادلات القائمة سيتضخم فيه نزيف الهجرة والتحلّل المالي والاقتصادي، في مقابل احتفاظ الحزب بالحد الجيد من عناصر القوة مدعوماً من إيران في مقابل تخلّي الجميع عن خصوم الحزب لأنهم لا يتحركون ويتجنبون مواجهته.

إنها الحقيقة المرّة والمجرّدة… فهل من يتحرّك بالاتجاه الصحيح قبل خسارة كل شيء؟