IMLebanon

إيران تتجرَّأ في لبنان: قرارٌ بالمواجهة!

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

لا يمكن النظر إلى مسألة البواخر الإيرانية المحمَّلة محروقاتٍ إلى لبنان من زاوية محض لبنانية. فالمواجهة التي أطلقها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على مصراعيها، تأتي في سياق مواجهة إقليمية تزداد سخونتها، وقد بلغت الذروة في الأسابيع الأخيرة.

لم تعُد إيران تتعاطى مع الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين من موقع الضعف أو الدفاع عن النفس، كما كانت خلال عهد دونالد ترامب وبدايات عهد جو بايدن. فالتطوُّرات التي طرأت على مسار الصراع أعطت الإيرانيين أكثر ممّا توقعوا:

لقد تمكَّنوا من امتلاك أوراق جديدة على مستوى الشرق الأوسط، وصاروا أصحاب المبادرة في مسائل إقليمية حيوية، وأحياناً في موقع الهجوم. وعلى المحاور الثلاثة، حيث يخوضون المواجهة، هم يَعتبرون أنفسهم في وضعٍ أفضل:

1- مع الولايات المتحدة، لم يُقدِّم الإيرانيون أي تنازل ملموس. وعلى العكس، وفيما كانوا منخرطين في المفاوضات حول النووي في فيينا، كانوا يواصلون بناء مشروعهم من دون تأخير، حتى نضج اقتناع في العديد من الأوساط بأنّ إيران باتت على مسافة أشهر قليلة من امتلاك قنبلتها النووية.

وفي الموازاة، لم يقدِّم الإيرانيون أي تنازل في الملفين الآخرين: التسلُّح والنفوذ الإقليمي. وقلَّصوا وطأة العقوبات الدولية عليهم بتعاونهم الوثيق مع قوى حليفة إقليمية ودولية، ولاسيما روسيا والصين، إضافة إلى الأوروبيين.

وفيما تُظهر إدارة بايدن رغبتَها في العودة إلى اتفاق 2015، بحدّ أدنى من التنازلات يقدِّمها الإيرانيون في الملف النووي، كما في التسلّح والنفوذ الإقليمي، فإنّ طهران تَدْخُل عهد «الصقور» مع تسلّم الرئيس ابراهيم رئيسي مقاليد السلطة، ومعه طاقم متشدِّد. وهو أعلن باكراً أنّ تجربة العقوبات لن تدفع طهران إلى التنازل.

2- مع المملكة العربية السعودية، ينخرط الإيرانيون في حوار مفتوح ترعاه بغداد. وهم يعتقدون أنّ الإنجاز الذي يمكن أن يحققوه هو أن يقلّصوا تأثيرات واشنطن على حليفها السعودي، لأنّ ذلك سيُبعد أيدي الأميركيين عن الجوار الخليجي ويوسع هامش التحرّك أمام طهران.

وعلى رغم أنّ المملكة تُنسِّق كل خطواتها في الملف الإيراني مع واشنطن، فإنّ وساطة الرئيس العراقي ابراهيم الكاظمي نجحت في خفض مستوى السخونة إلى حدود لافتة بين الجارين الخليجيين. وثمة مَن يعتقد أنّها تساهم في تبريد نقاط الاشتباك، في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

3- المواجهة الأكثر حساسية هي تلك التي تخوضها إيران مع إسرائيل، والتي تعمَّقت لتتخذ- من الجانب الإسرائيلي خصوصاً- طابع التصفيات والعمل الاستخباري واستهداف المنشآت النووية الإيرانية والبواخر في مضيق هرمز وخارجه. وفي الموازاة، لا يتوقف الإسرائيليون عن استهداف المواقع الإيرانية في العمق السوري والحدود مع لبنان.

عمق الأزمة بين إسرائيل وإيران هو النفوذ الإقليمي في العمق العربي. أي، مَن هو الأقوى في السيطرة داخل المنطقة العربية، وعلى المياه والموارد، من البحر الأحمر إلى المتوسط؟ وهذا السؤال يستبطن احتمال اندلاع اشتباك واسع النطاق بين الطرفين، ولكن أيضاً احتمال حصول صفقة تقاسم.

لقد بات واضحاً أنّ الإيرانيين ضمنوا بنسبة كافية عدم رغبة الولايات المتحدة في المواجهة، وكذلك السعوديين. لكن مشكلتهم تكمن تحديداً مع إسرائيل.

فرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت سيحاول في زيارته لواشنطن إقناع بايدن بإقرار «خطة مواجهةٍ مع إيران، تشارك فيها قوى عربية». وليس مضموناً أنّ الرئيس الأميركي سيتجاوب مع الطلب. كما أنّ أياً من «القوى العربية» التي قصدها بينيت لم تعلن نيتها في خوض مواجهة مشتركة مع إسرائيل.

وعدم الحماسة الأميركية للمواجهة مع إيران يتزامن مع قرار الجيش الأميركي عدم شراء نظام «القبة الحديد» من إسرائيل. وهذا الأمر شكّل خيبة للإسرائيليين، خصوصاً أنّهم راهنوا على تسويقه في واشنطن في نشوة شعورهم بنجاح أول اختبار له، بالذخيرة الحية.

هل يستطيع الإسرائيليون دفع بايدن إلى المواجهة مع إيران؟ وفي هذه الحال، هل يساعدهم في إقناع دول عربية بالمشاركة؟

الإيرانيون يترصّدون الموقف بكثير من الاهتمام. وعلى أساسه سيبنون استراتيجيات تَحرّكهم المقبلة على مستوى الشرق الأوسط، وفي نقاط الاشتباك الذي يخوضونه. ولكن، في الانتظار، هم يقومون باختبار الردّ الإسرائيلي لحظة بلحظة، بدءاً من غزة وصولاً إلى الجنوب اللبناني. ومن هنا يمكن النظر إلى مسألة الباخرة وإلى مسائل أخرى قد تظهر لاحقاً.

هذا يعني أنّ الإيرانيين يتحسبون لكل الاحتمالات، وأنّ قرار المواجهة قد اتُّخِذ ولا بدّ منه، أياً كانت التداعيات. وهذه المغامرة قد تُدخِل المنطقة في أتون الحرب. ولكنها أيضاً، ربما تقود إلى صفقةٍ تكون الأقل تكلفة للجميع.