IMLebanon

لبنان… دولة خارج الخدمة

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:

لم يكن ينقص اكتمال آخر السطور من «شهادةَ وفاة» لبنان ودوره وأنه بات «خارج الخدمة» كدولة «مرئية» على الرادار العربي والدولي، ما خلا أنه «ورقة على طاولة الآخَرين» ومقايضاتهم، إلا غيابه عن قمة دول جوار العراق وجدول أعمالها واكتفائه برصْدها عن بُعد وتَرَقُّب نتائجها علّه يستفيد من «فتات» أي مناخاتٍ إقليمية جديدة أو بدايات تفاهمات ولو على شكل «فكّ اشتباك».

ومرّ عدم توجيه دعوة للبنان للمشاركة في المؤتمر الإقليمي الذي استضافتْه بغداد مرورَ الكرام في بيروت رغم كل معانيه وأبعاده التي تعبّر عن فقدان «بلاد الأرز» كل مقومات التأثير في محيطها واكتفائها بالانكشاف الكامل على رياح المنطقة التي باتت في مهبّها، وسط مفارقة أن عنوان المؤتمر الذي استهدف في شقه المعلن الحصول على ضمانات لاستقرار العراق وإبعاده عن التوترات الإقليمية والتدخلات الخارجية بدا وكأن بالإمكان «إسقاطه» على الوطن الصغير الغارق في «جدال بيزنطي» بين إذا كان سقوطه نتيجة حصار خارجي أو جدار عزْل على طريقة «هذا ما جنتْه يداي» بفعل الإمعان في تظهيره دولة مسلوبة القرار وملْحَقة بالمحور الإيراني وتالياً خسارة «حبل السرة» مع العالم العربي ومواجهة الانهيار الكبير بلا أي «شبكة أمان».

وحده الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي علّق على قمة بغداد معلناً «أن اللبنانيين يتطلعون بثقة بأن لبنان سيحظى باهتمام القادة والأصدقاء الذين سيجتمعون في العراق الذي تَحمّل شعبه التحديات واستطاع بحِكمة حكومته أن يعيد دوره المميّز عربياً ودولياً. كما نهنئ القيادة العراقية بالنجاح في التحضير للقمة – الحدَث الذي أعاد الروحَ إلى التضامن العربي».

هو ميقاتي، الذي للمفارقة أريد له أن يكون «نوري المالكي لبنان» مع حكومة 2011 التي ترأسها ووُلدت من رحم انقلابٍ اختارت طهران توقيته «السوري» على الرئيس سعد الحريري آنذاك، فإذ به في 2021 يسعى ليكون «كاظمي لبنان» من دون أن تتوافر التقاطعات الإقليمية – الدولية ولا الأرضية الداخلية التي تسمح بنجاحه في مهمة تأليف حكومته التي كُلِّف بها في 26 يوليو الماضي.

ولم يَعُد خافياً أن ملف تشكيل الحكومة عاد إلى الصفر الذي بدا أنه لم يخرج منه يوماً إلا من باب «الإيهام بالإيجابية»، وهو ما عبّر عنه بأوضح صورة كلام ميقاتي لقناة «العربية» حيث تخلى عن تحفظاته حيال «أصل» الأزمة الحكومية، موجّهاً رسالة إلى العالم العربي من بوابة سفن المحروقات الإيرانية التي أثقلت مهمّته بـ «حمولة» يُخشى أن تكون… قاصمة.

ولم يكن عادياً أن ميقاتي، الذي أكد أن «الاعتذار عن تشكيل الحكومة غير وارد لديه حالياً إلا أن مهلة التكليف غير مفتوحة والوقت بات يضيق»، اختار غداة اللقاء السلبي مع رئيس الجمهورية ميشال عون أن يسمي الأمور بأسمائها مصوّباً على الأخير ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من دون تسميتهما بتأكيده «ثمة من يتعاطى في عملية تشكيل الحكومة وكأننا في زمن ما قبل الطائف، بينما الدستور الذي يحكمنا هو دستور الطائف، وفي كلّ اجتماع نبدأ وكأننا في المربع الأول لكنني لا أقول كل شيء على الإعلام كي لا أنشر الإحباط، ورئيس الجمهورية يعي جيداً أين تكمن العراقيل في عملية التشكيل، وهناك عقد كبيرة جداً وآمل أن أتجاوزها».

وانطلق ميقاتي من قضية السفن الإيرانية التي أعلن «حزب الله» أن إحداها أبحرت محمّلة بالمحروقات للبنان وستليها اثنتان ليؤكد «لن نسمح لملف السفينة الإيرانية بأن يعرض لبنان للخطر وللعقوبات، لكن أقول للمنتقدين ولجامعة الدولة العربية أعطونا شمعة، فنحن لا نقدر أن نقول لا للباخرة من دون أن نملك بديلاً»، ومناشداً «الجامعة العربية التدخل لمساعدة لبنان، وأدعو العالم العربي لملاقاتنا، وسأعمل جاهداً على أن ينأى لبنان بنفسه عن الصراعات والاضطرابات، ووجود لبنان كان وسيبقى في الحضن العربي».

مناشدةٌ قوبلت بما يشبه «رد رفْع العتب» من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي أكد قبيل توجهه إلى بغداد استمرار تضامن الجامعة مع لبنان ووقوفها مع شعبه في محنته، مؤكداً «ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة تأخذ على عاتقها تنفيذ الاصلاحات اللازمة بشكل فوري سيمكّن المجتمع العربي والدولي من الانخراط بفعالية في إنقاذ لبنان ودعم الشعب اللبناني للخروج من هذا النفق المظلم»، ومتمنياً لميقاتي التوفيق «في معالجة العقبات الموضوعة في طريق تشكيل الحكومة والتي لم يتم تذليلها منذ ما يزيد على عام كامل للأسف».

وغداة الإطلالة التلفزيونية للرئيس المكلف، ساد الصمتُ المدوّي بيروت ولم يصدر أي ردّ من قصر بعبدا فيما عَكَس بيان «التيار الحر» منسوب الاحتقان الذي ارتفع في الساعات الماضية لمستويات غير مسبوقة في كواليس التأليف كما «على سطوحه»، بتنبيهه من «أي ضغط أو مزايدات أو عراقيل تقوم بها بعض الجهات المعروفة لتفشيل تشكيل الحكومة أو لتطويق رئيس الجمهورية والمسّ بصلاحياته والدس على رئيس الحكومة لمحاولة الانتقاص من صلاحياته»، آملاً «أن يتمكن فخامة الرئيس ودولة الرئيس من تجاوز هذه المحاولات الفتنوية القائمة لبث الخلاف بينهما، وتَجاوُزها من خلال التعاون والاتفاق من ضمن الدستور الذي نعمل على حمايته من أي تلاعب».

ولم يتطلب الأمر كثير عناء لتبيان أن «الانتفاضة الناعمة» لميقاتي وموقف «التيار الحر» أمس، ما هما إلا انعكاس للأفق المقفل حكومياً والذي أكمل الإقفالَ عليه القرار غير المسبوق في تاريخ لبنان من المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار يوم الخميس بإصداره مذكرة إحضار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وهو ما قوبل بموقف «صاعق» من رؤساء الحكومات السابقين (ميقاتي وسعد الحريري وفؤاد السنيورة وتمام سلام) الذين هبّوا دفاعاً عن مقام رئاسة الوزراء، ليتوّج مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان هذه «الهبّة».

وإذ لم يتوانَ رؤساء الحكومات السابقون عن اعتبار أن «ورقة الإحضار» تنم «عن إجراء غير بريء لينال من موقع رئاسة الحكومة»، مذكرين بأن «عون اعترف شخصياً بأنه علم بوجود الأمونيوم في عنابر مرفأ بيروت قبل خمسة عشر يوماً من تاريخ التفجير المريب (…)»، واضعين خطوة البيطار في خانة متقاطعة «مع محاولات لم تتوقف للانقلاب على الطائف، وهذه الإهانة العلنية لرئاسة الحكومة إعلان مفضوح عن إدارة ملف التحقيق العدلي من أروقة قصر بعبدا»، ذهب المفتي دريان أبعد معتبراً «أن التصويب على دياب أمرٌ مرفوض وغريب عن أصول التعامل مع رئاسة الحكومة»، معلناً «فلتُرفع كلّ الحصانات عبر إصدار قانون من مجلس النواب ولتأخذ العدالة مجراها بعيداً من الانتقائيّة والاستنسابيّة والكيديّة المقيتة».

وأطلّ دريان، الذي كان يتحدث خلال افتتاح مسجد في مستديرة شاتيلا في بيروت، بحضور ميقاتي ودياب على الملف الحكومي، مهاجماً بعنف عون ومتوجهاً إليه «حاوِل أن تنقذ ما تبقّى من عهدك وإلا فنحن ذاهبون إلى الأسوأ وإلى أبعد من جهنّم إلى قعر جهنّم كما بشّرتنا»، داعياً إلى «الترفّع عن الترهات التي ترافق كل تكليف، كما تُرافق تكليف الرئيس ميقاتي، الذي جاء بناءً على رغبة النواب الذين سمّوه، وبتزكية من رؤساء الحكومة السابقين، ومباركة دار الفتوى».

واكتملت عناصر الاشتباك الذي يُنْذِر باستقطاب سياسي ذات طابع طائفي حاد يُلاقي دخانُه «احتراقَ» مسار تشكيل الحكومة، مع ردّ عون عبر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية الذي اعتبر «أن من المؤسف حقاً أن يرِد في بيان رؤساء الحكومات السابقين اتهام رئيس الجمهورية بموضوع تفجير مرفأ بيروت في حين أنه سبق له أن وضع نفسه بتصرف المحقق العدلي لسماع شهادته»، معتبراً «أن لبنان عانى ولا يزال من الخطوط الحمر الطائفية والمذهبية لدى كل مساءلة»، وواصفاً «تضامُن رؤساء الحكومة المطلق مع بعضهم البعض بحجة استهداف الموقع الدستوري الثالث واستضعافه» بأنه «استنهاض للمشاعر المذهبية والطائفية».

وإذ دان «الاستضعاف المرفوض والاستهداف المشين للسلطة القضائية التي ينادي بعض المدعين الحرص عليها، في حين أنهم يمعنون فيها تخريباً وهدماً باسم الطائفة والمذهب وهما منهم براء»، توقف عند «التوقيت المريب للبيات، فيما رئيس الجمهورية يبذل جهوداً مضنية لتأليف حكومة لبنان المنتظرة».

وفي موازاة ذلك، سدّد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله «سهم تشكيك» جديداً في مهمة المحقق العدلي في «بيروتشيما»، معتبراً أنّ كل الوقائع «تؤكّد أنّ طريقة إدارة ملفّ التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت قائمة على الاستنسابية والاستهداف والتسييس»، ولافتاً إلى أن «ما قام به القاضي طارق البيطار بحق دياب استضعاف لرئيس الحكومة، ومخالف لنصوص الدستور.

ونُطالب الجهات القضائية بالتدخّل والتصرّف بما يُمليه الدستور، لأنّه لا يُسمح باستضعاف أي موقع».

وعلى وقع الضوضاء السياسية – الطائفية لخطوة البيطار، بدا أن أفقها القضائي – الأمني غير مسهّل في ظل تقارير عن اتجاه النيابة العامة التمييزية لرد مذكرة الإحضار لاستحالة تنفيذها كون دياب رئيس حكومة فاعل وليس سابقاً ولأن كل الأجهزة الأمنية تابعة له.