IMLebanon

ملامح “احتراب أهلي” على مقوّمات… البقاء

 

… اقتيد اللبنانيون إلى «معركة» شكّلوا وقودها «الحيّ»، ثم تُركوا في ساحة القتال مكشوفين، يتلقّون الرصاص من كل الجهات ويتناتشون بضع سترات واقية لـ «بقاءٍ» ربما لن يكون، فيما «قادة الحرب» يَمْضون في صراعهم على أشلاء شعبهم وبقايا دولةٍ «تسحل» من على الخريطة السياسية وتفقد تباعاً كل مقومات… الوجود.

هذه الصورة الدراماتيكية والمُفْجعة تكاد أن تختصر الواقع البالغ الخطورة الذي تتشابك مؤشراتُه في لبنان على وقع تَسارُع وتيرة الانهيار الشامل وكأنه «الثقب الأسود» الذي ينذر بـ «التهام» البلاد بمَن فيها وسط إظهار الطبقة السياسية «عدم أهلية» لإدارة أزمة وجودية هي من «صنْع يديْها» في شقها التقني الداخلي ولا لإبعاد الوطن الصغير عن «ممر الفيلة» الاقليمي وصراع المَحاور الذي زُجّ فيه ولو «بالإكراه».

 

وفيما كان ملف تأليفِ الحكومة يتنقّل بين «المربّعات المقفلة»، بدا الرئيس المكلف نجيب ميقاتي متهيّباً «اعتذاراً مُرْعباً» لن يكون ما بعده كما قبْله على كل المستويات، السياسية والدستورية والمالية والنقدية والأمنية، وسيكون متى حصل إيذاناً بدخول البلاد في مدار «إعصار» يشي بأن يكون الأعنف في تاريخه.

وإذ تشكّل هذه النتائج الوخيمة جزءاً من الاعتبارات التي تجعل ميقاتي، الذي قدّم إلى رئيس الجمهورية ميشال عون تشكيلة كاملة من 24 وزيراً (مع ترْك اسمي وزيري العدل والداخلية قابليْن للتشاور) ينتظر الجواب عليها، يَحْسب بدقة كبيرة توقيت الاعتذار الذي ما زال يحتفظ لنفسه بتوقيته الذي يقترب كلما ابتعد «بصيص الأمل» بإمكان استيلاد حكومة «قابلة للحياة» والتسويق عربياً ودولياً، انتقل فريق عون إلى «الهجوم المعاكس» بعد «ويك اند» حَفِل بارتسام ملامح جبهةِ مواجَهةٍ له على كيفية تعاطيه في ملف التأليف و«كأننا في زمن ما قبل الطائف» واتهامه المزدوج: أولاً من رؤساء الحكومة السابقين (بمن فيهم ميقاتي) بإكمال الانقلاب على الطائف.

وثانياً من آخرين بأنه «يحْتجز» الحكومة العتيدة بغية حجْز أفضلية (بالثلث المعطّل) لصهره رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في تشكيلةٍ يُرجّح أن ترث صلاحيات رئيس الجمهورية في نهاية عهده وأقلّه تشكّل أحد «المعابر» لهذا الاستحقاق (خريف 2022) الذي يضعه باسيل نصب عينيْه.

وردّت مصادر فريق عون على هذه المناخات عبر قناة «او تي في»، مؤكدة التمسك بـ «الثلاثية الذهبية» لأي تأليف وفق «الدستور والميثاق والمعايير الواحدة»، معلنة «واهم مَن يراهن على استفحال الأزمة كي يُرْغِم رئيس الجمهورية على التوقيع على ما يخرج على الثوابت، او على ما لا يقتنع به»، ومعتبرة «ان العودة الى نغمة اتهام رئيس الجمهورية بالخروج على الطائف، أو بالعمل وفق ذهنية ما قبل الاتفاق، باتت ممجوجة ومملة، ويبدو أنها تستبطن تمسكاً من بعض الجهات بمقاربة الطائف مرة أخرى وفق منطق الغالب والمغلوب وليس كوثيقة للوفاق الوطني، تضمن الشراكة والمناصفة بالفعل كما القول (…) والأجدى بمن يسعى من وراء الكواليس الى أن يأخذ بالمواربة ما لم يحصل عليه في العلن، ان يتجاوز الأمر، لأنه مكشوف».

وغمز هذا الردّ من قناة الرئيس المعتذر عن المضي بالتكليف سعد الحريري الذي اتّهمتْه مصادر قريبة من فريق عون بأنه وراء تراجُع ميقاتي أكثر من مرة عن تعهدات في ما خص حقيبة أو اسماً لها، وأن تسليم رئيس الجمهورية بأسماء قدّمتها القوى المُشارِكة في الحكومة، رغم تحفظاته عنها، مثل وزير المال (يوسف خليل)، لا يعطي ميقاتي الحق في فرْض فيتوات على أسماء من حصة عون الذي يُعتبر عنصر التوازن في الحكومة بمعناها المناصفاتيّ والميثاقيّ.

وفي موازاة ذلك، كانت «الألغام» الاقليمية تزداد في طريق مسار التشكيل الذي لا يمكن فصل تعقيداته المستحكمة عن حساباتِ الصراع في المنطقة الذي اعتُبر قرار «حزب الله» باستقدام المحروقات من إيران عبر السفن بمثابة «آخر مسمار» في إمكان النأي بلبنان عنه أو عن تداعياته، وهو ما يُفترض أن تعطي الحكومة العتيدة، شكلاً وخيارات، أول إشاراته التي «عطّلتْها» باكراً اندفاعة الحزب.

ولم تتوانَ إيران للمرة الثانية عن «توريط» بيروت بقرار إرسال سفن المحروقات – وقد أشارت تقارير إلى أن السفينة الأولى دخلت البحر المتوسط – وذلك عبر وضْعها هذا القرار في إطار الاستجابة لطلب من لبنان وليس «حزب الله»، وهو ما عبّر عنه تأكيد الناطق باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده أنه «طالما استمر لبنان بالطلب، ستستمر إيران بإرسال المحروقات إلى هذا البلد»، ومؤكداً «أن الدولة في إيران هي التي تقرر لأي جهة تصدّر نفطها»، ومشدداً على أن «الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى لا تستطيع أن تتدخل في هذا الأمر».

وترافق ذلك مع رفْع وزير الخارجية الايراني أمير عبداللهيان خلال زيارته لدمشق، التي وضعها في أجواء قمة بغداد، التي استُني منها لبنان وسورية، شعار مواجهة «الإرهاب الاقتصادي»، في إشارة إلى «قانون قيصر» الأميركي الذي سبق للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أن اعتبره أحد عناصر «الحصار» الخارجي على لبنان.

هو القانون نفسه الذي أبلغت واشنطن إلى لبنان أنها ستثتنيه من موجباته لاستجرار الغاز المصري عبر الأراضي السورية (بعد عبوره في الأردن) وصولاً إلى شمال «بلاد الأرز» لتشغيل معامل الكهرباء، في خطوةٍ يُخشى أن يسيء لبنان إدارتها وسط ترقُّب لحجم الارتدادات الديبلوماسية والسياسية السلبية التي قد تتركها على بيروت الزيارة المرتقبة لأول وفد رسمي لبناني لدمشق يضمّ وزراء الخارجية والطاقة والمال والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم لبحث هذا الملف، في ظل صعوبة تَصَوُّر كيفية رسْم خيْط يحول دون اعتبارها تطبيعاً مبكّراً مع النظام السوري.

وعلى وهج هذه العناوين السياسية، كان الواقع الأمني يزداد حماوةً في ظل تعدُّد الفتائل القابلة لتفجير أحداث قد تبدأ موْضعيةً وسرعان ما تتحوّل «جاذبةَ صواعق» طائفية – سياسية مخيفة وقابلة

لـ «الاستثمار» في أكثر من اتجاه ومن أكثر من طرف.

وتشكّل أزمة المحروقات التي لم «يخمدها» رفْع أسعار البنزين والمازوت للمرة الثانية منذ يونيو والأخيرة قبل رفْع الدعم بالكامل نهاية سبتمبر، الشرارة الأكثر قابلية للاشتعال أو الإشعال، وفق ما عبّرت عنه «ميني الحرب» على البنزين بين بلدتيْ مغدوشة (ذات الغالبية المسيحية) وعنقون (ذات الغالبية الشيعية) في شرق صيدا والتي كادت أن تنزلق إلى ما لا تحمد عقباه، و«حروب صغيرة» أخرى في أكثر من منطقة وبين أبناء البلدة الواحدة كما جرى في الضاحية الجنوبية (في حي الجورة برج البراجنة) حيث وقع إشكال كبير تطور الى اشتباكات مسلّحة وحرق منازل ذهب بنتيجته شخصان من آل ناصر الدين وآل العاشق.

ويسود ذعر مما ستحمله الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، ولا سيما بعد اكتمال رفع الدعم عن المحروقات، وبدء «احتراق» المواطنين بفواتير اشتراكات مولدات الأحياء التي بالكاد توفّر لهم التغذية بالتيار بديلاً عن كهرباء الدولة الشحيحة، وإطلالة الخريف والعام الدراسي الذي سيواجه الأهالي والمعلّمون صعوبات جمّة في ملاقاته وفي تَكبُّد أكلاف زيادة الأقساط كما تأمين بدلات الانتقال الى المؤسسات التربوية في ظل ارتفاع ثمن صفيحة البنزين والنقل بالباصات، ناهيك عن تعقيدات لوجستية تتصل بكيفية توفير الطاقة التي تتطلب انتظام التزوّد بالمازوت، وليس انتهاءً باقتراب موسم الشتاء والبرد وتحوُّل التدفئة «حلماً مستحيلاً» في ضوء تحليق سعر هذه المادة الحيوية ولا سيما في القرى.

وإذ كان الأمين العام للهيئات الاقتصادية نقولا شماس يتحدّث عن منحى لدى القطاع الخاص يقضي بالتوجه مباشرة إلى دول العالم لطلب المساعدة في ظلّ تفاقُم الأزمات ولا سيما فقدان المازوت، انفلشت مظاهر «تقاتُل» اللبنانيين على كل شيء وهو ما وصل أخيراً إلى الراتب وسرير المستشفى، مع ارتسام معادلة غير مسبوقة ذهبت ضحيّتها آلاف العائلات وأطلّت من قلب «معركة» بين المصارف والمستشفيات الخاصة على خلفية رفْض بعض البنوك تسديد رواتب العاملين في المستشفيات ما لم تقم إداراتها بتوفير المبالغ النقدية لتغطية قيمة تلك الرواتب.

وبإزاء ذلك وجّه نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون كتاباً الى المستشفيات طلب فيه عدم قبول أي موافقات طبابة او استشفاء لموظفي عدد من المصارف (8 من كبار البنوك) ومَن هم على عاتقهم، صادرة عن أي جهة ضامنة عامة وخاصة، مشيراً الى أنه بالتالي المريض الذي ينتمي الى فئة موظفي هذه المصارف مضطر الى تسديد فاتورته نقداً عند الدخول.

وقد عَكَسَ موقف لرئيس الجمهورية أمس، حساسية الوضع الأمني، إذ دعا الجيش وسائر القوى الأمنية «إلى التنبه الدائم لأي نشاط أو مخطط إرهابي، يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان، واستغلال الظروف والتحديات الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد، لإيجاد مزيد من الارباك والفوضى تحقيقاً لمآرب وأهداف خارجية».