IMLebanon

النفط الإيراني على الأبواب… وكذلك العقوبات

كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:

إقترب استحقاق وصول النفط الايراني الى لبنان. على الأقل هذا ما يمكن استنتاجه من التطورات المرتبطة بمسار الباخرة الاولى التي دخلت الى المياه الاقليمية السورية، على ان يتم إدخال المحروفات لاحقاً عبر البر. هل يعني ذلك انّ العقوبات الأميركية صارت بدورها وشيكة، ومن هي الجهات التي يتهدّدها خطر التعرّض لهذه العقوبات؟

رغم إعلان اكثر من جهة انّ لبنان لم يتلق طلباً رسمياً لاستيراد النفط الإيراني وكان آخرها تصريح وزير الطاقة والمياه ريمون غجر في مؤتمره الصحافي الأخير، لا تزال البواخر الإيرانية المحمّلة بالنفط المخصّص للبنان في طريقها من دون اتخاذ أي إجراءات لوجستية تسمح لهذا النفط بالدخول الى الاسواق، إذ أعلنت وكالة أنباء فارس أمس أنّ الباخرة الإيرانية المحملة بالنفط الإيراني، المخصّص للبنان، دخلت المياه الإقليمية السورية على ان تُفرغ حمولتها في أحد الموانئ السورية، ثم ستُنقل بالصهاريج من سوريا إلى لبنان. فهل يعتمد الجانب اللبناني «التذاكي» على العقوبات في مقاربته لهذه المُساءلة بحيث يدخل النفط من دون إبلاغ لبنان رسمياً بذلك، بالطريقة نفسها التي يدخل السلاح الى لبنان، ضاربين بذلك عصفورين بحجر واحد بحيث يتم تجنيب لبنان العقوبات من جهة، ويستفيد جزء من اللبنانيين من النفط من جهة أخرى.

في هذا السياق، أكد المحامي د. بول مرقص رئيس مؤسسة JUSTICIA وأستاذ القانون في الجامعة الأميركية سابقاً أنّ استيراد الوقود من إيران، من دون الحصول على إعفاء خاص من وزارة الخزانة الأميركية، قد يضع البلاد تحت خطر العقوبات الأميركية. وهذا الأمر قد ينعكس مباشرة على حركة التحويلات والاعتمادات والشحن من لبنان وإليه، وقد تمتنِع المؤسسات المالية العالمية والمصارف الدولية المراسلة عن التعاون معه، في حال خَرق هذه العقوبات.

ولفت الى انّ القانون الأميركي لا ينحصر فقط باستيراد النفط من إيران، لا بل إنّ التعاملات مع البنك المركزي الإيراني محظورة هي الأخرى، فالتعامل مع الجهات الإيرانية الوسيطة في الشحن وفي التمويل يعرّض القطاع المصرفي والمالي اللبناني أيضاً للعقوبات إذا تمّ من دون إعفاء خاص.

ورداً على سؤال، أكد مرقص انّ هناك إمكانية للقيام بهذا الاستيراد إذا حصل لبنان على إعفاء خاص من هذه العقوبات، وذلك عبر تقديم الدولة اللبنانية طلب إعفاء أو استثناء من قبل وزارة الخزانة الأميركية، ينبغي أن يتضمّن تبريراً مقنعاً ومعلّلاً عن الحاجة الحيوية للدولة اللبنانية لهذه الخدمات، وإن كان من الصعب أن تعطي الولايات المتحدة الأميركية هذه الإجازة، مع الإشارة الى أنه لا تتمّ هذه الإجازة إلا عبر طلب يقدم من قبل دولة وليس عبر شركة أو حزب أو جهة سياسية أياً كانت.

أما في ظل عدم تبلّغ لبنان رسمياً بعد بدخول النفط الإيراني، وقد اصبحنا على بعد ساعات من ذلك، فهل هذا يعني ان لبنان سيتعرض حكما للعقوبات الدولية؟ يقول مرقص: لن تكون هناك عقوبات على الشعب اللبناني ككل او على لبنان ككيان إنما عقوبات على افراد او شركات تجارية او على جمعيات، لكن من غير المستبعد ان يقدم الحزب على التعاون لنقل النفط وتوزيعه مع شركات عليها عقوبات أصلاً.

وأوضح انه اذا تبين لاحقاً انّ هناك مسؤولا حكوميا اعطى موافقة لدخول هذه الشحنات الى لبنان تُفرَض عليه عقوبات، كذلك اذا اكتشف تسهيل من قبل أي مسؤول جمركي فإنه يُعاقَب، لكن لا يعاقب شعب بأكمله اذا دخل النفط الإيراني الى لبنان.

وبعدما تردد عن ان جزءاً من حمولة الباخرة سيقدّمه «حزب الله» هبةً إلى المستشفيات الحكومية ودور الرعاية، وبِيعَ جزء آخر للمؤسسات الخاصة ومولّدات الكهرباء، هل يتعرض من يستلم هذا النفط للعقوبات؟ عن هذا السؤال أوضح مرقص ان القانون الأميركي يعاقب من شَحنَ الحمولة وأفرغها ووزّعها لأنّ هناك قرينة تثبت انهم كانوا على علم، في المقابل لا يمكن اعتبار ان كل من سيستفيد من هذا النفط كان يعلم مصدره، وبالتالي لا يمكن فرض عقوبات على كل من وقف على محطة وتزوّد بالوقود الإيراني لانه لا يمكن إثبات انه كان يعلم بمصدر الوقود. كذلك الامر بالنسبة الى المستشفيات الحكومية وغيرها يمكن ان تستفيد ما لم تكن على علم بالمصدر، اما اذا كانت الشركة التي تزودها بالوقود معروف انها خاضعة للعقوبات الأميركية فهذا يعني انها قد تكون توزّع الوقود الإيراني، وفي هذه الحالة نعم قد يتعرّض المستشفى للعقوبات، ومن الصعب ان يستفيد من قرينة البراءة.

واعتبر مرقص انه على رغم حاجة لبنان الحيوية الى مورد نفطي، إلا أن هناك مخاطر ترافق هذه العملية، خصوصا على الشركات التي تُقدِم ليس فقط على استيراد النفط من إيران بل أيضاً على تفريغ حمولته وتوزيعها.

وبغضّ النظر عن كون عملية استيراد النفط من إيران هي مبادرة حميدة إجتماعياً، إلّا أنّ الأمر لا يخلو من المخاطر القانونية التي قد تطال هذه الشركات، بحيث أنه من الصعب أن تتمّ عملية الاستيراد من دون مواجهة خطر التعرّض للعقوبات الأميركية. إذاً، إنّ التوفيق بين نجاح هذه المبادرة وعدم التعرّض للعقوبات هو أمر في غاية الأهمية ويجب دراسته بعانية وحذّر. وكما ذكرنا يمكن للحكومة اللبنانية المساهمة في هذا التوفيق، وذلك عبر التقدّم بطلب إعفاء خاص من وزارة الخزينة الأميركية، لا سيّما أنّ هذا الأمر من الضرورات الماسّة والملحة للشعب اللبناني.

‎وأشار مرقص الى انه سبق للولايات المتحدّة الأميركية ان قدمت إعفاءات لدول عديدة من العقوبات على استيراد النفط الإيراني، فقد حظيت الصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وإيطاليا واليابان وتايوان واليونان على اعفاءات استثنائية من العقوبات، لأنه وفق ما صرّح وزير خارجية أميركا بومبيو، فإنّ الإعفاء جاء بالنظر الى الظروف الخاصة لهذه البلدان التي تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني، وكذلك لضمان العرض الكافي في سوق النفط.

ورغم أن الخزانة الأميركية قدّمت هذه الإعفاءات الا أنها كانت مؤقتة، لكي تتمكن هذه الدول من أن تجد بديلاً للنفط الإيراني، حتى أن الهند، وهي واحدة من اكبر البلدان المستوردة للنفط الإيراني، توقفت عن الاستيراد بعد انتهاء مهلة الاعفاء الممنوحة لها، وحَظي العراق مؤخراً بتمديد لمهلة الاعفاء من العقوبات من قبل الإدارة الأميركية الجديدة.