IMLebanon

“مفاوضات ما بين الصهرين”…و الحكومة فالِج لا تعالج

 

تتلاحق الارتجاجاتُ القويةُ التي يتعرّض لها لبنان في تَدَحْرُجه المُرْعِب نحو الارتطام المميت الذي تتسارع وتيرتُه مع كل تباطؤ قاتِل جديد في تشكيل الحكومة وتَورُّم الأزمات المتناسلة التي تقبض على ما تبقّى من «أنفاسٍ» للبلاد وشعبها.

وحذّرت أوساط واسعة الاطلاع أمس من انفلاش الوقائع المُخيفة ذات الصلة بالوضع الاقتصادي – المعيشي في ضوء دخول البلاد واقعياً في مدار رفْع الدعم الكامل عن المحروقات وما سيستولده من تداعيات يُخشى أن تساهم في «حرْق» آخِر المَراحل الفاصلة عن الانفجار الكبير خصوصاً في ضوء انسداد الأفق الحكومي وسقوط الأقنعة عن «الإيجابيات الزائفة» التي تحوّلت واحدة من «طقوس» تفاؤلٍ مفتعَل يُخْفي جولاتٍ مفتوحة من «الحرب النفسية» على تخوم لعبة «مَن يصرخ أولاً» بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه وبين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي.

 

وتزداد الخشية في بيروت مما حملتْه الساعات الماضية من «تأكيد المؤكد» لجهة أن عملية تشكيل الحكومة «الحبيسة» لم تخرج من مربّع المراوحة في الدائرة المقفلة، وسط مفارقة لافتة شكّلها انتقال هذا الملف إلى كنف «مفاوضات الصهريْن» رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل (صهر عون) ومصطفى الصلح صهر ميقاتي وذلك في سياق محاولاتٍ متعددة الطرف لإخراجه من خلف «قضبان»: الثلث المعطّل والصراع على بعض الحقائب مثل الاقتصاد، وعلى «الإمرة لمَن» في تحديد الوجهة المالية والاقتصادية للحكومة والتحكّم بدفة التدقيق الجنائي واتجاهاته التي لا يمكن فصْل السياسة عنها، وصولاً إلى تأطير التشكيلة المنتظرة بما يوفّق بين موازين القوى الداخلية التي لا يوفّر «حزب الله» مناسبةً أو حَدَثاً لتظهير أنه «المتفوّق رقم واحد» فيها، وبين «الميزان» الذي يقيس الخارج فيه الحكومة الموعودة على قاعدة «وزن» الحزب وحلفائه فيها ومدى قدرتها على «رسم حدود» لنفوذه «الشامل».

ولم يكن أكثر تعبيراً عن اصطدام المسار الحكومي بـ «الجدار الحديدي» نفسه الذي «تحطّم عليه» تكليف الرئيس سعد الحريري من إعلان رئيس البرلمان نبيه بري تعليقاً على مآل هذا الملف «لم يعد ينفع إلّا الدعاء»، وسط معطياتٍ عن أنه يتشدّد بإزاء أيّ تراجعاتٍ للرئيس المكلف أمام شروط عون وفريقه وهو ما عبّر عنه ما أوردته صحيفة «الأخبار» عن أن بري حذّر ميقاتي «من إعطاء عون وباسيل ما يريدانه، وإلّا فهو لن يشارك في الحكومة، ‏وهو موقف أبلغه رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة إلى الرئيس المكلّف أيضاً».

وفيما كان تشكيل الحكومة «يقفز إلى الوراء» في ظلّ مؤشراتٍ إلى أن ميقاتي، ومتى تيقّن من «ابتلاع» التعقيدات صيغة الـ 24 وزيراً، سيعمد للارتداد عليها لمصلحة «الخطة ب» أي تشكيلة الـ 14 وزيراً غالبيتهم من الأقطاب السياسيين والتي تستثني باسيل بما يؤخّر اعتذاراً سيكون أقرب إلى «كأس سمّ» يتجرّعه لبنان، كانت عَمان تشهد اللقاء الرباعي بين وزراء الطاقة في كل من الأردن ومصر ولبنان وسورية بهدف الاتفاق على خريطة طريق «بالأحرف الأولى» من أجل تزويد لبنان بالغاز المصري وبالكهرباء من الأردن عبر سورية، في مسعى لتخفيف حدة أزمة الكهرباء في «بلاد الأرز».

وبمعزل عن التعقيدات التقنية لهذا الملف والتي تطل على واقع البنية التحتية السورية لنقل الكهرباء والغاز وتزويد لبنان بهما، فإنّ أبعاده السياسية ما زالت تطغى على مقاربته في ضوء استمرار التحريات عن «حدود السماح» الأميركي الذي شكّله تأكيد الاستعداد لاستثناء لبنان من موجبات قانون «قيصر» في ما خص استجرار الطاقة من الأردن والغاز من مصر عبر سورية، وما سيترتّب على أي انجرار لبناني لتحويل هذا المعطى «التقني» إلى عنصرٍ لتطبيعٍ سياسي مبكّر مع النظام السوري تنفرد به «بلاد الأرز» ويستبق مساراتٍ كبرى لم تكتمل فصولها بعد.

وإذ كانت واشنطن تعطي إشارة دعم جديدة للبنان عبر توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن مذكرة رئاسية تسمح لوزير الخارجية أنتوني ‏بلينكن بمنح الجيش اللبناني «مساعدات فورية بقيمة سبعة وأربعين مليون دولار (25 مليوناً من السلع والخدمات من مخزون ‏وموارد أي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة، وخفض تكلفة تصل إلى 22 مليون دولار ‏على المواد والخدمات الدفاعية من وزارة الدفاع)، لم يكن عابراً ما نُقل عن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي اختصر أبعاد ملف«الكهرباء والغاز»، معلناً«نحن أمام خلطة من الغاز المصري والكهرباء الأردنية والجسر السوري والحسابات الأميركية»، متسائلاً:«أين البواخر الإيرانية من كل ذلك؟»، في إشارة إلى بواخر المحروقات التي سترسلها طهران لـ«حزب الله» ويُنتظر وصولها إلى السواحل السورية خلال أسبوع لتُنقل براً إلى لبنان.

ويتداخل موضوعا الكهرباء والمحروقات في«بلاد الأرز»كونهما وجهين لأزمة واحدة يشكّلها انقطاع التيار الكهربائي والحاجة الهائلة للمازوت لتوليد الطاقة البديلة عبر مولدات الأحياء وتلك العائدة للقطاعات الحيوية، وهي الأزمة التي «يكمّلها» شح البنزين وكلاهما مادتان يرتبط توافرهما بتوفير دولارات لاستيرادهما الذي أمّن مصرف لبنان قبل نحو 15 يوماً آلية «بشق الأنفس» لتمويله بدولار مدعوم على سعر 8 آلاف ليرة (سعره في السوق الموازية أكثر من 18 ألف ليرة) على أن تؤمن الرزمة التي خصصها كمياتٍ حتى نهاية سبتمبر، وهي الفترة التي تآكلت سريعاً مع تفعيل «الثقب الأسود» الذي يشكّله التهريب الى سورية والتخزين والاحتكار وازدهار السوق السوداء.

وأمس كانت أزمة المحروقات الأكثر «سطوعاً» في المشهد اللبناني وسط فوضى عارمة طبعت الأسواق التي بدت في قبضة تأثيراتِ «آخر أيام» الدعم للبنزين والمازوت ومن دون أن يملك أحد أجوبة شافية حول ما بعد تحرير الأسعار رسمياً وآليات تمويل الاستيراد وتوفير الدولارات، فيما جاء شبه «تحرير استيراد» الديزل اويل (المازوت) ليُحْدِث انفراجاتٍ مشوبة بإرباكاتٍ حيال حجم المستفيدين منه وكيفية «التحاق» الراغبين بـ «قطار» سعر السوق، قبل الحديث عن تداعيات ذلك على جيوب المواطنين التي تكتوي أصلاً بفواتير مولدات الأحياء وفق تسعيرة دولار الـ 8 آلاف ليرة.

وعلى وقع طوابير قياسية ملأت «جمهورية الصفوف الطويلة» في ضوء بدء نضوب المخزون من البنزين والحديث المتزايد عن إمكان أن يفتح «المركزي» اعتمادات لباخرة او اثنتين فقط من المحروقات حتى نهاية سبتمبر، ازدادت مؤشرات أن انتهاء الدعم بات مسألة وقت، وهو ما عزّزه كلام عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس الذي كرر أنّ «التوجّه سيكون لرفع الدعم منتصف الشهر الحالي»، وإعلان ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي ابو شقرا ان«سعر البنزين سيبدو متفلتاً ابتداءً من الأسبوع المقبل وسعر الصفيحة سيتقلب خلال اليوم الواحد وفق تقلبات سعر صرف الدولار»، وسط تقارير عن توجه لبيع البنزين بحلول منتصف الشهر بالدولار حصراً.

وما عزّز التخبط بدء سريان قرار وزارة الطاقة التي أجازت ‏استيراد المازوت للأفراد وقطاعات صناعية وسياحية، محدّدة جدولاً لتسعيرة الاستيراد بقيمة 540 دولاراً للطن (تضاف إليها عمولة نقل)«مع إمكان الاستفادة من الديزل اويل غير المدعوم لكل مَن يرغب باستعمالها»، ‏وهو ما يعني عملياً احتساب بيع المازوت على سعر صرف الدولار وفق ‏السوق السوداء، الأمر الذي أربك موزعي المحروقات الذين أكدوا أن قرار رفع الدعم عن المازوت ليس نهائياً بالنسبة للموزعين وأصحاب المحطات، معتبراً أن الأهم يكمن في توافر المحروقات حتى لو كانت على السعر غير المدعوم.

وهذه النقطة يبقى دونها اتضاح الرؤية في ما خص ما بعد رفْع الدعم الكامل وسط تأكيد القيمين على قطاع المحروقات أن هذه المرحلة محكومة«إمّا بالانتقال إلى ‏الاستيراد وفق سعر السوق السوداء على أن يؤمن مصرف لبنان الدولارات، أو يتم تحرير الاستيراد أي أن تستورد الشركات الخاصة المحروقات دون العودة إلى (المركزي)، ‏وهذا الأمر يحتاج إلى آليات للاستيراد والتسعير»، في ظل اقتناعٍ بأن إبقاء الأمر في عهدة «مصرف لبنان» عبر منصة SAYRAFA وتالياً تقنين فتْح الاعتمادات – قياساً للقدرة على تأمين الدولارات من مصادر غير معروفة بعد ومن دون اللجوء إلى السوق الموازية تلافياً لارتفاع صاروخي في سعر الصرف – لن يحلّ أزمة طوابير البنزين التي يفكّها فقط توفير الكميات الكافية وتالياً خنْق السوق السوداء التي ستبقى أسعارها متقدّمة على السعر المحرَّر.

أما أول نتائج شراء بعض مولدات الأحياء المازوت بسعر دولار السوق فكانت اعتماد تقنين إضافي على ذاك الذي كان يتم اللجوء إليه بفعل شحّ هذه المادة، وذلك في محاولة لضبْط أسعار الاشتراكات المنزلية التي لن يكون في إمكان الغالبية الساحقة من اللبنانيين تَحَمُّل أكلافها الخيالية.
https://www.alraimedia.com/article/1553136/خارجيات/لبنان-مفاوضات-ما-بين-الصهرين-الحكومة-فالج-لا-تعالج