IMLebanon

أفكار “شريرة” للانتخابات النيابية

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: 

قبل أيام، سُئل أحد أركان السلطة في مجلس خاص: هل أنتم مرتاحون للنتائج التي ستحققونها في الانتخابات النيابية المقبلة؟ فضحك وأجاب: «إنّها مسألة لا تستحق حتى عناء التفكير. كل شيء تحت السيطرة، ونحن دائماً مرتاحون!».

يوحي سلوك فريق السلطة بأنّه يضع استحقاق 8 أيار 2022 قيد المراقبة والاختبار. فهو سيسمح بإجراء الانتخابات إذا كانت مناخاتها ستكرّس له الغلبة في السنوات الـ4 المقبلة. لكنه سيعمد إلى تأجيلها إذا كانت المناخات معاكسة، أو إذا وَجد أنّ الانتظار ضروري لمزيد من إنضاج الخيارات.

في التفصيل، إذا كانت كَفّة المواجهة الإقليمية ستَرجح لمصلحة الولايات المتحدة وحلفائها، وإذا كانت إيران في الموقع الأضعف، فسيعمد فريق السلطة إلى تطيير الانتخابات ليحتفظ بالغالبية الحالية بقدر ما يُتاح له. ولكن أيضاً، قد يلجأ إلى استباق أي تغيير محتمل في غير مصلحته بإجراء انتخابات مبكرة يضمن بها استمرار سيطرته على السلطة.

ولكن، إذا كانت الكفّة إقليمياً تميل إلى المحور الإيراني ولحلفائه في لبنان، فلا مبرّر لتأجيل الانتخابات النيابية أو حتى الرئاسية المقبلة. وعلى الأرجح، في هذه الحال، سيقوم النافذون بترتيب «انتخاباتهم» بهدوء في الربيع المقبل، بالقانون الذي يفضّلونه، وبالتحالفات التي تلائمهم، وتحت إشراف مؤسسات وأجهزة يتحكَّمون بها. وإذا اضطرهم الأمر، قد يعمدون إلى تمديد تقني معيَّن، للتمكن من إنجاز هذه الترتيبات في شكل أفضل.

ولكن، واقعياً، هذا الفريق مطمئن تماماً إلى أنّه على وشك أن يحسم المزيد من المعارك لمصلحته ويربح الحرب. أليست الحرب هي مجموع المعارك؟

وفي رأي هذا الفريق، أنّ الولايات المتحدة تتَّجه إلى مهادنة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وأنّ دمشق ستنخرط مجدداً في الملف اللبناني من باب الإنقاذ الاقتصادي، ومنه ستكرِّس دورها في أي تسوية سياسية، وبتغطية عربية ودولية شاملة على غرار ما حصل في مراحل سابقة، ولو لم يكن هناك مجال للعودة إلى لبنان عسكرياً.

وكذلك، لا يَقلق هذا الفريق من كون العام 2022 هو الأخير من عهد الرئيس ميشال عون. وهو يترقَّب أن تميل الدفَّة أكثر لمصلحته في «الستاتيكو» الجديد، ويَتوقع أن يضعف الخصوم وتتلاشى اعتراضاتهم، بطلب من الولايات المتحدة والأوروبيين والعرب أنفسهم، بعد الانفتاح على دمشق وترميم العلاقة مع إيران. والاختبار الأول كان صمت هؤلاء إزاء عودة الاتصالات الرسمية على خط بيروت- دمشق.

وفي هذا المناخ، مِن مصلحة قوى السلطة أن تُجري الانتخابات النيابية، ثم الرئاسية، ما دامت ستضْمَن نتائجَها وتسيطر على السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى العام 2028. وهذا ما يدعو إلى التساؤل:

لماذا إذاً يسود الجمود ملف الانتخابات، على رغم أنّها باتت على مسافة 7 أشهر فقط؟ ولماذا لا تَظهر حماسةٌ للاتفاق على القانون الذي سيرعى العملية الانتخابية، ولا تنطلق ورشة التحضيرات اللوجستية، ولماذا تبقى الماكينات الانتخابية نائمة؟

لكن اللافت هو أنّ صداماً عنيفاً، بدا وكأنّه يتخذ طابعاً طائفياً، وقع عندما طُرِح قانون الانتخاب قبل أيام في المجلس النيابي. ففي مقابل رغبة قوى ومرجعيات أساسية في تبديل القانون الساري المفعول، تقاطعت مصالح القوتين المسيحيتين الأكبر، «التيار الوطني الحرّ» و»القوات اللبنانية»، على التمسّك به واعتباره الأفضل تمثيلاً حتى الآن. وساد انطباع بأنّ فتح نقاشات ساخنة ولا تنتهي حول القانون، سيقود حتماً إلى تطيير الانتخابات.

وإذا حصل ذلك، فستكون العواقب حتمية على الملف الرئاسي. فثمة اتجاه ظهر أخيراً يوحي بأنّ الرئيس عون سيرفض أن يقوم المجلس الحالي، إذا مُدِّدت ولايته، بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأنّه سيكون مفتقراً إلى الشرعية. وتالياً، لن يغادر عون موقعه تحت عنوان ضرورة استمرار المؤسسات وتشغيل المرفق الحيوي.

وعلى الأرجح، إذا كان هناك قرار داخل فريق السلطة بإجراء الانتخابات في مواعيدها، فلن يتمكن احد من تعطيلها بأي عذر كان. ولكن، إذا هناك رغبة في عدم حسم الملف الانتخابي، تماماً كالرغبة في عدم حسم الملف الحكومي منذ 13 شهراً، فهذا يعني التحضير لصداماتٍ مفتعلة في الملفين الانتخابيين، كما في الملف الحكومي. ففي الحالين، يجدر البحث عن أفكار «شريرة» للتعطيل.

وكما أنّ أحداً لا يصدّق أنّ العقبات أمام تأليف الحكومة تتعلق بالأسماء والحقائب، فكذلك لن يصدّق أحد أنّ تعطيل الانتخابات النيابية والرئاسية، إذا حصل، سيكون نتيجة تصادم حول القانون أو أي تفصيل آخر. ففي النهاية، بالقانون الحالي حصل حلفاء المحور الإيراني على غالبية وازنة في المجلس. وهذا يمكن أن يتكرَّر ما دامت توازنات القوى في لبنان لم تتغيَّر، أياً يكن القانون.

وكما أنّ تأخير ولادة الحكومة يترجم رسالة تحدٍّ إلى القوى الخارجية، فأي تأخير للانتخابات النيابية أو الرئاسية سيترجم الرسالة إيّاها. وليس مستبعداً أن تبقى الانتخابات النيابية والحكومة والانتخابات الرئاسية رهينة التعطيل إلى أن تنفرج كلها دفعة واحدة، وبعد اتفاقٍ يكرّس تفاهمات إقليمية ودولية جديدة، كما حصل بعد الطائف أو الدوحة.

وثمة مَن يخشى أن يكون القرار العميق هو الانتظار، حتى ذلك الحين، وتعطيل كل شيء وبأي ثمن كان من التعذيب، انتظاراً للاتفاق المنشود أو للمؤتمر التأسيسي.