IMLebanon

الحكومة أمام فرصة جدية للنجاح… ومهلة محددة!

في أقل من ساعتين انتشر نبأ تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة كخبر عاجل في مختلف العواصم العربية والغربية ولم يمر مرور الكرام، لا بل رافقته ما يشبه حملة اعلامية منظمة مسبقا شارك فيها رؤساء دول وحكومات غربية وعربية وافريقية – باستثناء صمت المملكة العربية السعودية – محبة بولادتها وصولا الى الامم المتحدة والمؤسسات الاقليمية والاتحادات القارية ومنتديات مختلفة.

وما ان حل المساء حتى توالت المواقف لتأخذ صداها في بيروت، ذلك ان ما جرى كان نتيجة جهود اوروبية واميركية ودولية كثفت اتصالاتها من أجل ان يكون للبنان حكومة بكامل مواصفاتها الدستورية. فقد تعب بعض الديبلوماسيين المعتمدين في لبنان من مماطلة المسؤولين وإصرارهم على تفريغ المبادرات الدولية من مضمونها ولبننتها حتى فقدت عناصر القوة التي وفرتها من اجل ان يخوض اللبنانيون ولو لمرة واحدة غمار معالجة أزماتهم بايديهم و بقدراتهم التي يمكن ان ظهرت بما ينضح بالقليل من الجدية ليهب العالم لمساعدتهم.

وتقول مراجع ديبلوماسية اوروبية واممية لـ”المركزية”، ان أخبار الأزمة الاقتصادية والنقدية والعجز عن فتح المدارس امام الطلاب للسنة الثالثة على التوالي ونسبة الفقر التي أصابت اللبنانيين على وقع اسوأ ازمة بيئية وصحية انتشرت في العالم، وسارعت وسائل الإعلام الدولية الى تصوير طوابير السيارات على محطات المحروقات وحديثها عن فقدان الأدوية والأمصال وما تعانيه مستشفيات لبنان من شح المحروقات مما ادمى قلوب العالم وتحولت مثلا يضرب ليس على مستوى حكومات هذه الدول فحسب بل على مستوى شعوبها التي تعاطفت مع معاناة اللبنانيين قبل ان يلقون مسؤولا يتجاوب مع حاجاتهم ويتنازل عن شروطه الفوقية لتسهيل ولادة الحكومة وانهاء عصر تصريف الاعمال بعدما تراجعت حكومة رفعت شعار “مواجهة التحديات” عن ابسط واجباتها على أكثر من صعيد.

على هذه الخلفيات قرأت المراجع السياسية والديبلوماسية في المواقف الدولية المرحبة بالحكومة من دون النظر الى ملاءمتها للمواصفات التي قالت بها المبادرة الفرنسية ودول الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول الخليج التي طالبت اللبنانيين بحكومة قادرة على خوض الاصلاحات لاستعادة الثقة الداخلية بالدولة ومؤسساتها قبل النظر الى الثقة الخارجية بعدما رسمت خريطة الطريق التي يجب سلوكها باجماع دولي لم يتحقق من قبل.

فالجميع اكتوى أسفا على مصير مساعداته المادية والعينية وسارع العديد منها الى فتح سلسلة من التحقيقات في مصير هباتها والقروض بشكل غير مسبوق دل الى ان البلد ليس مفلسا بل هو منهوب كما قال التقرير الذي رفعته بعثة الاتحاد الاوروبي الى مؤتمر بروكسيل في أيار الماضي واتبعته بتقارير آخر اعدتها اكثر من دولة ومؤسسة اقليمية تتحدث عن حجم الفساد الموروث في هذا القطاع مع الإشادة بمؤسسات اخرى وهي التي دفعت معظم هذه الدول إما الى الإشراف المباشر على كيفية إدارة مساعداتها عبر هيئات شكلتها لهذه الغاية او عبر الجيش اللبناني والصليب الأحمر وعدد محدود من منظمات المجتمع المدني التي ارتقت في الأزمة الاخيرة الى مرتبة البديل من مؤسسات الدولة الفاشلة.

وعلى هامش هذه القراءة نصحت بالمراجع الديبلوماسية الرئيس الجديد للحكومة نجيب ميقاتي في العديد من الرسائل المباشرة وغير المباشرة الى اهمية اعادة تصويب البوصلة الحكومية لمقاربة التوجهات الدولية الداعمة بإطلاق الحوار في أسرع وقت مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المانحة تزامنا مع بعض الاصلاحات ايا كانت كلفتها فالإقلاع بها سيعيد انتظام الوضع النقدي في البلاد قياسا على حجم العرض والطلب والافادة من المساعدات والقروض الدولية بطريقة شفافة. فحجم الاقتصاد اللبناني صغير لا يتعدى ميزانية مؤسسة صناعية كبرى واعادة الهيكلة ليست وهما وان بقدرة اللبنانيين ريادة هذه المرحلة في وقت قياسي.

وعليه تضيف المراجع الديبلوماسية ان تقديم الحكومة العتيدة اولى الإشارات الإيجابية سيكون كافيا لفتح الطريق واسعا امام برامج المساعدات المنتظمة ليس على المستوى الإنساني والطبي وفي قطاع المحروقات فحسب وإنما يتعداها الى البرامج المتوسطة والبعيدة المدى لانعاش الحركة الاقتصادية في البلاد وولوج مرحلة التعافي ايا كانت المصاعب، فمعظمها يحتاج الى ارادة ووجود قرار وليس لمجرد البقاء على ما هو عليه الوضع من استرخاء لا ياتي سوى بمظاهر الفشل والعجز الذي قدمت عنه مؤسسات الدولة أفضل الأمثلة.

وعلى هذه القاعدة تعترف المراجع الديبلوماسية ان المهل امام الحكومة ليست طويلة وهي محدودة الآجال وأن هناك حاجة الى ابراز النية بوجود هذا القرار على آمل ان تترجمه الحكومة العتيدة ان ابتعدت عن منطق الحصص الحكومية والمواقع المسخرة لهذا الفريق او ذاك او لهذه الطائفة او تلك على حساب باقي الأطراف، وما الجدل الذي قام حول مصير بعض الحقائب وأدوارها في المستقبل سوى مثال قدم نموذجا سلبيا للعالم ولم يتأخر بالنصح للعودة عنه في أسرع وقت ممكن.

عند هذه ملاحظات وغيرها يمكن تفسير المواقف الداعمة والمرحبة بالحكومة العتيدة بعدما تعب العالم من آلية الحكم ووسائل التعطيل فهل يتجاوز الحكومة العتيدة هذه الأجواء لتنطلق في عملية تنموية تتجاهل المناكفات السياسية التي رافقت ولادتها بعد مضي ثلاثة عشر شهرا اما انه ستمضي في الآليات المعتمدة سابقا وقبل فوات الاوان، والا فان الاتجاه ما زال يقود الى مزيد من الفشل المدوي.