IMLebanon

لبنان بين فكّيْ كماشة تنقيب إسرائيل ووقود إيران

في أول «يوم عمل» لها بعد «اكتمال نصابها» دستورياً، وجدتْ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي نفسها وجهاً لوجه أمام «مثلث» ملفاتٍ بالغة التعقيد تطلّ على «خطوط التماس» الاقليمية وعلى «المتاريس السياسية» محلياً التي تكمن أيضاً لأجندة الإنقاذ المالي بعناوينه المتشابكة بين الداخل والخارج.

ولم تكد الحكومة أن تضع في «جيْبها» ثقة 85 نائباً وفّروا لها مظلّة لانطلاقةٍ عبّر ميقاتي نفسه عن تَهَيُّبه «مخاطرها» بقوله «هل يصلح العطّار ما أفسده الدهر؟ ولكن هل نترك البلد أم نعطي أملاً كي ينطلق في طريق النهوض؟»، حتى بدت وكأنها بين «فكّي كماشة»، نفطية مع اندفاعة اسرائيل لتكريس وقائع تنقيبية في حقل كاريش وأخواته على تخوم المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وثانية «مشتّقة» من النفط مع المحروقات التي تَمْضي إيران في إرسالها إلى «حزب الله» عبر سورية، في موازاة تَحَوُّل التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت التي يقودها المحقق العدلي القاضي طارق بيطار «قنبلة» متعددة الصواعق السياسية.

وفيما كانت خلاصات جلسة الثقة تؤشر بوضوح إلى أن «تكسير العظام» الذي سبق ولادة الحكومة بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون وزعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري لن «يستريح» في موازاة «إحياء» البُعد السيادي للأزمة اللبنانية عبر مواقف لنواب من «المستقبل» و«القوات اللبنانية» بإزاء شحنات الوقود الإيراني، فإن الحكومة بدت مرتبكة بعدما عاد إليها ما كان بمثابة «خريطة في زجاجة» رُميت في بحر مفاوضات الترسيم (البحري) بين لبنان واسرائيل عبر خريطة جديدة «اعتمدتْها بيروت ولم تعتمدها» وتمحورت حول الخط 29 كنقطة انطلاق للتفاوض توسِّع الرقعةَ المتنازع عليها من 860 كيلومتراً مربعاً وفق ما كان أقره الخط 23 الذي اعترف به لبنان ووثّقه لدى الأمم المتحدة إلى 2290 كيلومتراً يدخل في نطاقها قسم من حقل «كاريش».

وبينما كان ميقاتي يرصد ارتدادات «أزمة الغواصات» بين واشنطن وباريس على ما بدا أنه أرضية مشتركة أتاحت إمرار استحقاق تأليف الحكومة بتقاطُع «موْضعي» مع إيران ومدى إمكان انعكاس ما اعتبرتْه فرنسا «ديبلوماسية طعن في الظهر» من الولايات المتحدة على الهوامش المتاحة لباريس للتحرك لبنانياً وهو ما ارتسم الردّ عليه عبر المعلومات عن أن الرئيس ايمانويل ماكرون سيستقبل رئيس الوزراء في الاليزيه يوم الجمعة في أول إطلالة خارجية له، جاء ملف النزاع البحري مع اسرائيل ليضع الحكومة أمام امتحانٍ مزدوج: شقه الأول ذات أبعاد اقليمية – دولية، فيما يشكّل شقه الثاني اختباراً مبكراً للتباينات وتعدُّد «الأجندات» الداخلية الذي كان علّق مفاوضات الترسيم بوساطة أميركية ورعاية أممية على الخط 29 الذي انقطع «حبل» اعتماده رسمياً بعدم توقيع الرئيس عون قرار تعديل المرسوم 6433 (كان صدر إبان حكومة ميقاتي في 2011 والذي ينقل حدود لبنان البحرية جنوباً من الخط 23 إلى الخط 29) بحجة أن الأمر يحتاج إلى قرار الحكومة مجتمعة (وكانت حكومة الرئيس حسان دياب مستقيلة ويرفض الأخير دعوتها للانعقاد).

ومع منْح إسرائيل قبل أيام عقوداً لتقديم خدمات تقييم للتنقيب عن آبار غاز ونفط في «حقل كاريش» لشركة «هاليبرتون» الأميركية، بدا وكأن ما أراده بعض الأطراف في لبنان «ألاعيب تفاوضية» بسقوفٍ متحرّكة، بخلفياتٍ سياسية لترتيب «ملفات» مع واشنطن وما قيل عن محاولة «المقايضة» برفع العقوبات عن النائب جبران باسيل (صهر عون) أو استحداث «مزارع شبعا بحرية»، وفق ما عبّر حينها خصوم فريق رئيس الجمهورية و«حزب الله»، ارتدّ على لبنان الذي حُشر في زاوية حسْم خياره من الخط 29 الذي كان ساد انطباعٌ بأنه «نام في الأدراج» على وقع آخر زيارة لديفيد هيل لبيروت في نيسان الماضي.

وحملتْ الشكوى التي تقدّم بها لبنان أمام مجلس الأمن ضدّ اسرائيل «خاصرة رخوة» عبّرت أوساط سياسية عن خشيتها من أن «تدفن» الخط 29، أولاً لأنها لم تُرفَق بتوقيع تعديل المرسوم 6433 وإبلاغه للأمم المتحدة ليصبح وثيقة مرجعية، وثانياً لأنها طلبت «التأكد من أن أعمال تقييم التنقيب لا تقع في منطقة متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، بغية تجنب اي اعتداء على حقوق لبنان وسيادته»، وذلك في موازاة طلبها «منع اي أعمال تنقيب مستقبلية في المناطق المتنازع عليها وتجنباً لخطوات قد تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين».

وبإزاء هذا الارتباك وغداة نيْل الحكومة الثقة استقبل عون أمس ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب وعرض معهما «التطورات التي نشأت بعدما أقدمت اسرائيل على تكليف شركة أميركية القيام بتقديم خدمات تقييم للتنقيب عن آبار غاز ونفط في المنطقة المتنازع عليها.

وخصص الاجتماع لدرس تداعيات الخطوة الاسرائيلية والاجراءات التي سيتخذها لبنان عطفاً على الرسالة التي وجهها بهذا الخصوص الى الأمم المتحدة».

وفي موازاة ذلك، وغداة تأكيد «حزب الله» خلال جلسة الثقة بالحكومة بلسان رئيس كتلته البرلمانية محمد رعد أن «إدخال المحروقات الإيرانية هو قرار لبناني سيادي ووطني كسر الحصار ويكرس حق الدفاع عن النفس، وقد أحرج هذا القرار الإدارة الأميركية وأخرج صيصانها يصرخون»، كانت صهاريج المازوت الإيراني تتمدّد «مخترقة» بيئات مختلفة آخرها في شمال لبنان (المنية)، وذلك على وقع موقف بارز عبّر عنه رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وظهّر فيه فتْح الأسواق اللبنانية أمام المحروقات الإيرانية على أنه تطور متعدد البُعد.